سلطت
حادثة اعتداء المستوطنين على المزارعين في قصرة الأسبوع الماضي، والمواجهات
المستمرة منذ ذلك الوقت، الأضواء على مجموعات المستوطنين التي تعتدي على
المواطنين، والتي تعمل تحت مسميات فضفاضة مثل فتيان التلال وجماعة تدفيع الثمن
وغيرها.
أستذكر
هنا برنامجًا وثائقيًا شاهدته في بداية التسعينات على "تلفزيون إسرائيل"
وتكلم فيه بروفسور صهيوني عن أهمية الجولات السياحية في "أرض إسرائيل"،
وقال أنه درس تجربة الصليبيين ولماذا لم يكتب لها النجاح.
وعزا فشل
الصليبيين إلى أنهم عاشوا داخل قلاع ولم يحتكوا بالأرض، ودعا الصهاينة إلى التجول
في كل مكان بفلسطين، وأن لا يبقوا مختبئين في المستوطنات.
ونجد نفس
التفكير لدى الجماعات الصهيونية الأكثر تطرفًا التي ترفض وضع سياج للمستوطنات لأن
السياج يوقف تمددها ويعرقل نموها حسبما يؤمنون.
وجاءت
الانتفاضة الثانية لتضطر شارون لبناء الجدار العنصري رغم معارضته له سابقًا، من
أجل وقف عمليات المقاومة، كما وضعت جدران وأجهزة حماية لكافة المستوطنات في الضفة.
لكن هذا
لم يؤثر على قناعة الجماعات الاستيطانية، والتي تقوم بالمهام القذرة نيابة عن
حكومة الاحتلال، ولهذا نجد هذه الجماعات حريصة على زرع نفسها في أرض الضفة
الغربية، وعدم الاكتفاء بالاختباء وراء أسيجة المستوطنات.
وأكثر
هذه المجموعات نشاطًا في منطقة جنوبي نابلس، والتي تقع قرية قصرة ضمنها.
ولهذه
الجماعات نشاطات في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
الأول: الأعمال
الانتقامية التي تقوم بها جماعة تدفيع الثمن، من حرق لمزارع وبيوت ومساجد.
الثاني:
الاستيلاء على أرضٍ فلسطينية من خلال زراعتها أو سرقة محاصيل الزيتون.
الثالث: الرحلات
الاستكشافية والتي ظاهرها السياحة، لكن باطنها الإثبات أنهم أصحاب الأرض، والتحرش
بالفلسطينيين، وما حصل في قصرة كان نتيجة إحدى هذه الرحلات.
وإذا
أضفنا أعمال المستوطنين هذه إلى عمليات الهدم والتهجير التي تقوم بها سلطات
الاحتلال في المناطق
C (وهي نفس المناطق التي يستهدفها المستوطنون)،
فنستنتج أن الهدف الأوسع هو تضييق الحياة على الفلسطينيين في المناطق الريفية
النائية، ودفعهم للهجرة إلى المناطق الداخلية (مناطق B وA).
وهذا
يعني خنق الفلسطينيين في معازل ومحميات تشبه المحميات التي كان المستعمر الأبيض
يحشر بها الهنود الحمر في أمريكا، والتي انتهت إلى شبه انقراض الهنود الحمر
واستباحة غالبية أراضيهم.
ما نراه
اليوم هو خروج المستوطنين من تحصيناتهم ومحاولتهم التمدد على الأرض، يحركهم
دافعان: ضعف المقاومة في الضفة الغربية في مرحلة ما بعد الانقسام الفلسطيني،
وهيمنة اليمين الأشد تطرفًا على حكومة الاحتلال.
وعليه
فإن لم تكن المقاومة قادرة على إنهاء الاحتلال، فواجبها في المرحلة الحالية وضع
كوابح له حتى لا يزداد تمددًا، وحتى تردع المستوطنين وترجعهم إلى داخل حدود
مستوطناتهم، حتى نضع حدًا للخسائر المتتالية التي ندفعها يوميًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق