هل يحق للأكراد الانفصال وتكوين دولة خاصة بهم مثل باقي
شعوب المنطقة؟ أم نرفض ذلك من منطلق أن الوحدة الإسلامية هي المطلوبة وليس المزيد
من التفتيت والتشظي؟
سنحاول فهم تطور الحالة الكردية خلال المئة عام الأخيرة،
بعيدًا عن الصور النمطية الرائجة مثل "الأكراد الملاحدة" التي تختزل
الشعب الكردي في مواقف حزب أو تنظيم أو أفراد معينين.
الفكر القومي وافد على منطقتنا منذ القرن التاسع عشر
ميلادي، إثر الاحتكاك مع أوروبا وبدء التدخل الأوروبي في منطقتنا، وتوجه النخب
للدراسة في أوروبا، وتشبعهم بالفكر القومي.
فنشأت القوميات العربية والتركية والكردية بشكل متقارب
زمنيًا، فكان مصطفى كمال أتاتورك ممثلًا للفكر القومي التركي، وكانت ما تسمى بثورة
الحسين بن علي ممثلة للقومية العربية في بداياتها.
من إفرازات الحرب العالمية الأولى وما تلاها أنها منحت
القوميين الأتراك دولتهم، والقوميين العرب حصلوا على دول (وليس دولة واحدة)، ومع
الوقت أصبحت هذه القوميات من المقدسات لدى هذه الشعوب.
أما القوميين الأكراد فحرموا من دولتهم رغم أن معاهدة سيفر
(التي بحثت مصير الدولة العثمانية بعد استسلامها بالحرب العالمية الأولى) منحتهم
دولة، إلا أن أتاتورك استطاع إلغاءها في معاهدة لوزان عام 1923م.
خلال المئة عام الماضية أصيبت الدولة القومية (بأشكالها
العربية والتركية والفارسية) بفشل ذريع، ولم تقدم لشعوبها ما وعدت به، وتعرض
الأكراد للاضطهاد على يد القوميين الأتراك (الأتاتوركيين)، وعلى يد القوميين العرب
(صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا).
فأصبحت الدولة الكردية هي الأمل للخلاص، من التخلف
والاضطهاد الذي عانى منه الأكراد، وأصبحت القضية التي يلتف حولها الأكراد، وأصبحت
الأحزاب التي ترفع هذه القضية في المقدمة وهي القادرة على جمع الأكراد حولهم.
وشجع الأمريكان والصهاينة انفصال الأكراد في العراق،
مستغلين المظلومية التاريخية والجرائم التي ارتكبها صدام حسين والتي بلغت ذروتها
في قصف حلبجة بالكيماوي، ودعموا الأحزاب الكردية من أجل إقامة منطقة الحكم الذاتي
في كردستان العراق.
وبعد سقوط صدام حسين بدأت دولة العراق في التفكك وسط سعي
محموم من الشيعة لابتلاع العراق، ووسط هذه الفوضى حرص الأكراد على كيانهم الذي
أصبح مع الوقت شبه دولة، ينقصها الاعتراف العالمي والانفصال الرسمي.
عندما بلغ الحراك الاحتجاجي في المناطق العربية السنية
بالعراق ذروته عام 2014م بدأ تحالف عربي سني - كردي ضد المركز الشيعي في بغداد
بالتبلور، من أجل إحداث توازن في العراق، إلا أن كل شيء انهار عندما ظهرت داعش
واختطفت الحراك وناصبت الأكراد العداء.
لقد وصل الأكراد إلى نتيجة أن الدولة العراقية غير قابلة
للإصلاح، وتداعبهم أحلام الدولة القومية التي لم يحصلوا عليها ووهم أنها تحمل لهم
حلًا لكل مشاكلهم (نفس الوهم الذي عاشه العرب والأتراك ولم يكتشفوا أنه وهم إلا
بعد ما جربوه).
هنالك معارضة شديدة لجميع دول الجوار لخطوة انفصال
الأكراد، خوفًا من انتقال العدوى لهم، كما أن شيعة العراق يعارضون ذلك وبشدة، أما
كرديًا فالموضوع أصبح حلمًا قوميًا يصعب لكردي أن يفرضه بما فيه الإسلاميين الذين
يرفعون شعارات الوحدة الإسلامية.
لا أحد يدري إلى أين ستسير الأمور، فلو فرض الحصار على
الدولة الكردية فلن يكتب لها الحياة، ولا أحد في صفوف الأكراد يجرؤ على اقتراح
تأجيل موضوع الاستقلال.
بالنسبة للموقف من القضية الكردية فنلخصها بالآتي:
أولًا: البعض يشبهها بأنها مثل نضال الشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الصهيوني،
وهذه مقارنة في غير مكانها إطلاقًا، فنحن لا نسعى للانفصال "عن دولة
إسرائيل"، فالكيان الصهيوني مزروع على أرض عربية إسلامية ويجب اجتثاثه من
الجذور.
أما أن نكون جزء من دولة عربية أو إسلامية أكبر فهذه لا
يعترض عليها أحد في حال احترمت حقوقنا كبشر أصحاب كرامة.
ثانيًا: مشكلة الأكراد، ومشكلة الأمازيغ في المغرب العربي، ومشكلة الأفارقة في
السودان وموريتانيا، وكافة المشاكل الانفصالية، جميعها منبعها الأساسي هو فشل
الدولة بتوفير الكرامة لمواطنيها.
عندها تبدأ الأحزاب القومية المتعصبة بالترويج لفكرة
الخلاص الذاتي "لننفصل ونحل مشاكلنا بعيدًا عن هذه الدولة الفاشلة"، ومع
الوقت يتطور الأمر من مجرد تفكير بالخلاص إلى عقيدة وإيمان مطلق بصوابية الفكرة.
ثالثًا: نحن مع وحدة الأمة الإسلامية لكن وحدة تحترم الجميع، بعيدًا عن التهميش
والاضطهاد والقمع، الذي ينتج ظواهر مثل ما نراه في كردستان.
رابعًا: العقيدة الصهيو-أمريكية تقوم على تفتيت دول المنطقة العربية إلى دويلات،
واختلاق قوميات وطوائف وتقسيمات متشعبة، لهذا هم يدعمون الانفصال الكردي.
خامسًا: الأحزاب الكردية التي تقود عملية الانفصال في العراق وسوريا وتركيا
انتهازية ومستعدة للتحالف مع الشيطان في سبيل ذلك، وتستغل الحالة العاطفية للشعب
الكردي لتمرير مشاريع مشبوهة.
سادسًا: الحل على المدى البعيد هو الوحدة التي تحترم التنوع والاختلاف ضمن أمتنا
الإسلامية، ولا مشكلة من حيث المبدأ في دولة كردية تحت مظلة الوحدة الإسلامية (أو
ولاية في دولة الخلافة).
سابعًا: المشكلة في الانفصال الكردي الحالي أنه يزيد أمتنا تفتتًا، وأن من يقودون
العملية عليهم علامات استفهام كثيرة.
ثامنًا: نرفض شيطنة الشعب الكردي، فما أوصله لهذه المرحلة هو مزيج من مظالم كثيرة،
وأحزاب سياسية تتاجر بقضيته.
تاسعًا: بعض الأكراد يقولون أنهم يريدون الانفصال عن العراق حتى ينجو من الخطر
الشيعي، وهذا مردود عليه، لأن إقليم كردستان العراق شبه مستقل عن الدولة المركزية
في العراق، وهو يتبع لها شكليًا وليس فعليًا.
فلا خطر عليه من أي مشاريع طائفية شيعية، لكن في حال
انفصل االإقليم وأصبح دولة منفصلة، فسيكون هنالك خطر على العرب السنة في العراق
لأنهم سيتركون وحدهم في وجه التغول الطائفي الشيعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق