كثر الكلام هذه الأيام عن محلات تبيع كوكتيلات فاسدة، أو دجاج فاسد، أو أطعمة فيها مواد مسرطنة، أو أجهزة جودتها سيئة جدًا، وركز الإعلام المحلي على هذه القضي بشكل خلق هوس عند الناس.
فهل يعقل أن كل أصحاب المحلات ضميرهم ميت؟ وهل يعقل كل هذا الفساد في مجتمعنا؟
في الحقيقة فإن طريقة تعامل الإعلام مع قضية البضاعة الفاسدة لا تركز على توعية الناس، ولا تسلط الأضواء على مكمن الخلل، بقدر ما هو السعي نحو الإثارة الإعلامية.
لا توجد لدي إحصاءات لكن أجزم أن 90% من حالات البضاعة الفاسدة، ليست نابعة من نية إجرامية مبيتة لدى البائع، بل ناجمة عن إهمال وقلة وعي.
بكلام آخر هو لا يبيع طعامًا فاسدًا للناس عن سبق إصرار وترصد، لكن لقلة وعيه ولإهماله فإما يتلف الطعام لعدم تخزينه بالطريقة الصحيحة أو يظن أن تواريخ الانتهاء مجرد "موضة" وأن الطعام لا يخرب أبدًا.
هذا الإهمال وقلة الوعي يأتي من التربية ومن المجتمع، فأصحاب المحلات والمطاعم لم يأتوا من كوكب آخر، بل هم أهلنا وجيراننا وأبناء حينا، ولو كنا مكانهم لاقترفنا نفس الأخطاء.
فعلى سبيل المثال هل تحرص كل النساء على غسل يديها قبل إعداد الطعام؟ هل نعلم أبناءنا غسل أيديهم بعد بعد مغادرة المرحاض؟ أمور بديهية في الثقافة الصحية، لكن أنظروا للمجتمع من حولكم ستجدوا الكثيرين لا يطبقونها.
من لم يتعود على العادات الصحية السليمة، ولم يتربى على النظافة في بيته، من السهل جدًا أن يستهتر بها في مكان عمله.
وحتى تصل الفكرة بصورة أشمل، ألا يفضل أغلب الناس البضاعة الرخيصة بغض النظر عن الجودة؟
بعض البضائع متدنية الجودة لا تضر بالصحة ونستطيع استخدامها بدون ضرر، لكن في سبيل أسعار أقل يذهب التاجر ويأتي ببضاعة أقل وأقل جودة، والناس تشتري رغم الشكوك حول تواريخ انتهائها أو تصنيعها الرديء جدًا.
صحيح أن الوضع الاقتصادي سيء لكن صحتكم غالية، ولو أنكم تقاطعون المحلات التي تأتي ببضاعة رديئة جدًا، ولا تسمحون لأسعارها المنخفضة جدًا بإغرائكم، لغير التجار تصرفاتهم.
ولو أنكم رفضتم الأكل من المطاعم التي لا تلتزم بالنظافة، ولو رفضتم الأكل من العامل في المطعم الذي لا يلبس كفوفًا أثناء إعداد الطعام، فسيضطر أصحاب المطاعم لتصحيح سلوكياتهم.
النظافة والاهتمام بالصحة سلوك نربي عليه أبناءنا، ولو ربيناهم على هذه القيم، ولو اهتممنا بها في حياتنا اليومية، فوقتها سنلمس فرقًا ملموسًا في محلاتنا ومطاعمنا.
هناك تعليق واحد:
أصحاب البضاعة الفاسدة موجودون في كل المجالات. وإهمال القواعد ناتج عن الاهتمام بالشكليات دون الجوهر، وبالحاضر دون المستقبل، وبالتلقين دون الإقناع. ومن يبدأ بالغش والرشوة والاحتيال من أجل الحصول على شهادات تعليمية لن يتخلى عن هذه الطرق بسهولة عند البحث عن المال والعمل والشهرة والمناصب.
والتمييز بين الجيد والرديء أمر مهم، والأهم هو تقييم الواقع شخصيا، لا الاعتماد التام على الماضي وعلى توصيات الآخرين، فالناس يتغيرون. واستمرار النقد يعين على كشف الضرر البسيط قبل تفاقمه، أما مدح السيئ ولو كان أقل سوءا من غيره فيؤدي إلى مزيد من الانحطاط.
إرسال تعليق