أرعد وأزبد كبير المهلوسين عندما تناهى إلى سمعه أن الشعب ثار عليه، "يا لهم من ناكرين للجميل!! بضع وبضعون عاماً وأنا أملكهم وأطعمهم وأسقيهم، وفي الأخير يثوروا علي!! صدق المتبني عندما قال: لا تشتري العبد الا والعصا معه - إن العبيد أنجاس مناكيد।"
لم يصدق ما يسمعه كبير المهلوسين، أيعقل أن يكرمه الناس هكذا بعد كل هذه السنين؟ أيعقل أن هنالك على الأرض إنسان أحق منه بهذا الكرسي وهذا الصولجان؟ أيعقل أن يذهب نهر الخيرات العظيم إلى كبير غيره؟ "لا والله، إما أنا أو الطوفان"، قالها غيره قبله وهم أقل منه شأناً (في نظره حيث يظن صديقنا أنه لم يخلق مثله بين العباد منذ آدم عليه السلام)।
وهل السلطة يا كبير المهلوسين شرف تنازع الآخرين عليه؟ أم غنيمة تسابقهم عليها؟ أم أن جلوسك على صدور الجماهير هو منة تمنها عليهم؟ أم أنك فتحت الشام ومصر والعراق وهزمت كسرى وفارس، ودخلت الأقصى فاتحاً منتصراً وتريد المقابل لذلك؟ رحم الله الفاروق عمر قام بكل ذلك مجاناً ودون مقابل، وعاش حياته متقشفاً خادماً أميناً للأمة، لم يطلب شيئاً سوى رضى رب العباد، وإن أراد الحاكم رضى رب العباد فعليه أن يحسن خدمة العباد।
صاح كبير المهلوسين: "أنا المجد والمجد أنا، لولاي لما عشتم ولما تطورتم، هل كان لديكم انترنت قبل أربعين عاماً؟ هل كان لديكم فضائيات قبل أربعين عاماً؟ هل كان لديكم أجهزة خليوية قبل أربعين عاماً؟ في عهدي شهدتم كل هذه المنجزات الحضارية، فلولاي لما عرفتموها ولبقيتم تعيشون في صحراء التيه والتخلف، أنا المجد والمجد أنا।"
ويضيف كبير المهلوسين: "تقاطرت الأمم والشعوب لتؤدي البيعة لي وتقسم أيمان الولاء والطاعة، فأنا أكبر منكم أنا أكبر من الأوطان، من أنتم؟ أنتم مجرد أفواه جائعة أطعمها من مالي الخاص، حتى حارسي الخاص وطباخي الخاص وخادمي الخاص ومستشاري الأمين كلهم استوردتهم من الخارج فأنتم الفشل والفشل أنتم!"
يا كبير المهلوسين ما دمت أكبر من شعبك فلتتركهم وشأنهم، فالحالكم إنما وجد ليمثل شعبه وينوب عنهم في أداء المهمات العظام، وما داموا ليسوا من مقامك فأنت لا تمثلهم، أرحل كما رحل غيرك، يا كبير المهلوسين هذه الأرض ليست مزرعتك الخاصة، وخيراتها ليست مالك الخاص، إنما أنت مؤتمن فإما أن تؤدي الأمانة أو تعتزل।
ألم تعلم يا كبير المهلوسين أن السلطة تكليف وليس تشريف؟ يا كبير المهلوسين فلتفهم أنت وكل من لحس الكرسي عقله وانضم لفرقة المهلوسين (وهم بالمناسبة كثيرون أكثر مما تظنون):
هذا الكرسي خلق كي تخدم الشعب من عليه لا لتركبهم وتنهب خياراتهم! أنت مكلف والمكلف محاسب وكل محاسب يسأل، ومن حق العباد سؤالك في الدنيا ولا حق لك إلا الإجابة! وليكن في علمك أنت وصغار المهلوسين أن في الأمة الآلاف غيركم من يستطيعون إدارة شؤون البلاد والعباد، ولن تبكي السماء على رحيلكم ولن تلطم الأرض إن غبتم، الأمة كان رزقها حاضراً قبلكم وسيبقى بإذن الله إلى يوم القيامة।
كنت دوماً ادعو الله أن يأخذ الطغاة والظُلّام بزلزال أو حادثة طائرة أو جلطة أو ذبحة صدرية، لكن المولى جلّ في علاه أدرى بشؤون عباده وهو الخبير البصير، ولم أدرك حكمة الإطالة بعمرهم إلا بعد أن رأيت الكبار يتساقطون الواحد تلو الآخر في مشهد مهيب على الفضائيات، لو أخذهم بزلزال أو حادث أليم لنسيهم الناس في اليوم التالي ولجاء خلفهم ليعيد انتاج نفس قصة الظلم والطغيان।
أما اليوم فالكبار يتساقطون أمام الملأ وأمام ملايين الشهود، لا ينفعهم جاه وسلطان، ولا ينفعهم تخطيط ولا تدبير، الطوفان جاء ليقتلع كل متكبر جبار، يرون الموت ألف مرة باليوم ولا يستطيعون مواجهته، ليكونوا عبرة لمن خلفهم، وليكونوا عبرة لمن يعتبر، لتنطبع صورتهم في عقولنا وهم يستجدون رضا الطوفان، والطوفان يقول لهم بإصرار "ولات حين مناص"، لم نعد بحاجة لك يا كبير المهلوسين، لا خيار لك إلا السقوط وفقط السقوط.
اليوم هو يوم الطوفان، طوفان كطوفان نوح لا يبق ولا يذر من عروش الطغيان، لا مفر لكم لا مناص، إما التنحي وإما القصاص، طوفان يحفر عميقاً في ذاكرة التاريخ، عميقاً بما يكفي لأن يتذكره كل من يجلس على كرسيك يا كبير المهلوسين، عميقاً بما يكفي لردع كل من تسول له نفسه أن يسير على درب الهلوسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق