أثار قرار الإخوان التوجه إلى جلسة الحوار الأولى مع عمر سليمان ضجة كبيرة وكاد ذهاب الإخوان بالإضافة إلى عدد من أحزاب المعارضة إلى جلسة الحوار أن يشق صفوف الثورة المصرية، لولا أن تم تدارك الأمور في اليوم التالي وصدرت مواقف من الإخوان عالجت الأمر وأعلن الحزب الناصري انسحابه من الحوار في نفس اليوم نظراً لعدم جدية عمر سليمان.
والأهم من ذلك هو التطورات خلال يومي الثلاثاء والأربعاء بحيث استعادت الثورة المبادرة بعد أن ظن الكثيرين من أنها تتحول تدريجياً نحو اعتصام مفتوح في ميدان التحرير ولا أكثر، وبدأنا نرى جهاز الدولة المدني يتمرد على النظام، ورأينا حملة اضرابات واسعة، وانتقل المتظاهرون لمحاصرة مقرات الحكومة ومجلس الشعب، مما يجعل أيام النظام معدودة.
بدايةً من الضروري التوضيح أن الذهاب لم يكن قراراً مجمعاً عليه داخل جماعة الإخوان وإنما يحسب على بعض القيادات التي كانت متحمسة للذهاب، ولا ندري هل حصل تصويت على الذهاب داخل مكتب الإرشاد أم أنه في خضم تسارع الأحداث اتخذ البعض القرار وذهبوا.
وهنا نشير إلى رفض شباب الإخوان الممثلين في "ائتلاف ثورة الغضب" وإلى أن قاعدة الإخوان الشعبية كانت ما بين متحفظة ورافضة للقرار، بل خرج علينا عضو مجلس الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح على فضائية الجزيرة لينتقد القرار، وهو دليل على وجود خلاف قوي داخل قيادة الإخوان خاصة وأنهم غير معتادين على مناقشة خلافاتهم الداخلية علناً.
مبررات الذهاب:
ذهب الإخوان المسلمين إلى الحوار في ظل ما بدا أنه استعادة النظام لعافيته، ويبدو أن من قرروا الذهاب قدروا أن هنالك مخاوف من إجهاض الثورة وبالتالي يجب تثبيت ما يمكنه تثبيته من انجازات، فضلاً عن ما قيل من أن الذهاب كان من أجل جس نبض النظام ودراسة مدى جديته بالحوار وعرض مطالب المتظاهرين وقطع الطريق على أي جهة تريد عرض مطالب بسقف متدني.
كما جاءت جلسة الحوار في ظل حملة إعلامية شنها النظام لإثبات أن الثورة يسيرها الإخوان المسلمون وأنها تعمل بأيادي وتوجيهات خارجية، في سبيل تأليب الرأي العام على الثورة وإضعاف التأييد الشعبي لها، فيبدو أنه كان هنالك اجتهاد بأن يذهب الإخوان إلى الحوار بحيث لا يبدو الإخوان على أنهم الجناح المتشدد في الثورة، وفي هذا مكسب للثورة في أنه يظهر كذب النظام وربما ظن البعض أن فيه مكسب للإخوان في حال فشلت الثورة.
وهنالك من اتهم الإخوان بأنهم ذهبوا طمعاً في ما قاله عمر سليمان بأن هذه فرصة للاعتراف بهم (بعد سنوات طويلة من المنع) وإن كنت أشك بهذا الدافع لأنه دافع ساذج للغاية، ففي حال انتصرت الثورة فاعتراف نظام مبارك بالإخوان المسلمين سيكون عبء على الجماعة ولن يكون رصيداً لها، وفي حال فشلها فكل وعود النظام ستلغى وأولها الاعتراف بالإخوان المسلمين وستنصب المشانق لجميع من شارك بها من قريب أو من بعيد.
أين أخطأ الإخوان:
أخطأت قيادة الإخوان المسلمين (وبشكل أدق من اتخذوا قرار الذهاب) في عدة نواحي:
1- في تقديرهم بأن النظام ما زال قوياً، وعدم إدراكهم أن عصر ما بعد 25/1 هو غير ما قبله، وأن النظام لهجته القوية والواثقة لا تعكس قوته الحقيقية على الأرض، ومشكلة تنظيم الإخوان المسلمين خصوصاً والتنظيمات المركزية عموماً هي بطؤ الاستجابة للتغيرات على أرض الواقع، وفي تطورات متسارعة يظهر هذا النوع من التنظيمات عجزاً عن مواكبة الأحداث كما يجب.
2- الذهاب بدون التنسيق مع قوى المعارضة الحقيقية المتواجدة في ميدان التحرير، وفي اعتقادي أنه لو قيل لهذه الحركات أننا نريد إرسال وفداً باسمنا جميعاً من أجل جس نبض النظام ومن أجل إحراج النظام إعلامياً بأننا جئنا للقائك وأنت لم تقدم شيئاً حقيقياً، لكان أفضل للجميع وأفضل للثورة. مع أنه يبدو أنه كان هنالك نوعاً من التواصل لأني سمعت أحد الناطقين باسم حركة 6 أبريل في يوم الحوار على فضائية الجزيرة وكان من طبيعة كلامه مطلعاً على قرار الإخوان بالذهاب، وعندما سئل عن رأيه قال لننتظر ونرى.
3- الخطاب الإعلامي المتفائل، وأخص بالذكر الدكتور عصام العريان الذي حاول تبرير الذهاب بأن النظام قدم تنازلات، وهذا تبرير مرفوض جملة وتفصيلاً، فالنظام وإن كان قدم تنازلات لكنها تنازلات لا تعكس حسن نوايا النظام ولا حتى تعكس موازين القوة على الأرض، فالنظام وعمر سليمان ما زالوا يفكرون بأن النظام المصري في أوج قوته؛ مثل ما نرى في وعد عمر سليمان بعدم معاقبة المتظاهرين، وهل تستطيع معاقبتهم يا عمر سليمان؟ هذا تنازل لا يعكس ميزان القوى لأنك غير قادر على معاقبتهم أصلاً.
وبالرغم من هذه الأخطاء إلا أنه يسجل لجماعة الإخوان المسلمين النقد الداخلي من أبنائها ومؤيديها، وتجاوب القيادة لهذا النقد، وهذا ما لا يحصل في الكثير من الأحزاب والجماعات بمن فيهم من شنعوا على الإخوان ذهابهم إلى الحوار، ويبدو أن هنالك قراراً غير معلن بعدم العودة إلى الحوار (هنالك تصريح قبل يومين لعصام العريان بأنه تتم حالياً عملية مراجعة للمشاركة بالحوار وهو تلميح لوجود توجه بوقف الحوار خاصة وأن العريان كان من المتحمسين للحوار). وفي كل الأحوال يبدو أنه في ضوء تطور الأحداث الأخيرة فلن تكون هنالك جولة حوار جديدة.
أين أخطأ الآخرون:
بمجرد ذهاب الإخوان المسلمين إلى الحوار شنت أطراف عديدة حملة عنيفة ضد الإخوان المسلمين وصلت إلى حد التخوين، وبعد عودتهم من الحوار وبعد تجاوز الأحداث للحوار ما زالت بعض الأطراف تتعمد نبش المواقف وإعادة الاتهام مراراً وتكراراً من أجل تسجيل المواقف على الإخوان المسلمين.
وفي حين نثمن من نقدوا مشاركة الإخوان بشكل عقلاني ومتزن، فإنه من الضروري الإشارة إلى الأخطاء التي ارتكبها غيرهم، وأهم هذه الأخطاء هي:
1- تحميل قرار الذهاب إلى جلسة الحوار أكثر مما يحتمل، وكأنه تخلي عن المظاهرات وتخلي عن مطلب الرئاسة، حسناً مجرد الذهاب يقوي موقف مبارك وعمر سليمان، لكن مواقف الإخوان في الجلسة لم تختلف عن ما يطالب به المتظاهرون، ولم يحصل أي تنازل في المطالب.
2- تجاهل مواقف الإخوان المسلمين بعد جلسة الحوار والتي سحبت الانجازات التي حققها عمر سليمان سواء من خلال تأكيدهم على أن ما قدم في الجلسة غير كافي، أو تأكيدهم على ضرورة تنحي مبارك، أو رفضهم للجنة التي شكلت، أو رفضهم للبيان الذي صدر عن مكتب سليمان بخصوص اللقاء.
3- الاتهام بالتخوين: فما حصل يعبر عن خلل حصل، وربما هو اجتهاد خاطئ (وقد يزعم البعض هو خلل في نمط التفكير)، لكن هل مجرد الجلوس هي خيانة؟ حسناً بماذا كنتم ستصفون الإخوان لو وافقوا على بقاء مبارك؟ هنالك مبالغة كبيرة تعبر عن مواقف مسبقة لدى البعض ومحاولات حزبية لتسجيل نقاط على حساب الإخوان لدى البعض الآخر.
4- إخراج الإخوان من الثورة واتهامهم بالتسلق عليها ومحاولة اختطافها، وهنا الخطأ من ناحيتين: الوقت ليس وقت تقاسم الغنائم لنقول من الذي شارك ومن الذي لم يشارك، المعيار يجب أن يكون هل هذا التصرف يخدم الثورة أو لا يخدمها.
والناحية الأخرى هي تجاهل دور الإخوان المسلمين في الثورة من حيث المشاركة أو من حيث المواقف المبدئية أو من حيث التضحيات قبل وبعد الثورة، فالإخوان المسلمين تعرضوا لحملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في الليلة التي سبقت جمعة الغضب، وشباب الإخوان مشاركين وممثلين في قيادة المعتصمين بميدان التحرير، وسقط من الإخوان المسلمين شهداء في المواجهات. الإخوان المسلمون ليسوا الثورة لكنهم جزء منها، مثلهم مثل غيرهم، ومحاولة التقليل من دورهم أو دور الأحزاب والحركات السياسية فيه الكثير من الظلم والخطاب الغوغائي.
5- ممارسة الكذب والتضليل: وهنا نشير إلى بعض ما نقل عن الإخوان بغير حق، مثلما زعم أحد منظري القاعدة أن الإخوان المسلمين دعوا الناس للعودة إلى بيوتهم وأنهم قبلوا بقاء مبارك في الرئاسة إلى نهاية حكمه، وهذه ممارسات سياسية معيبة وغير لائقة.
6- استخدام الموقف لتصفية الحسابات السياسية مع الإخوان المسلمين لم يكن موفقاً لأن استمرار الثورة وزخمها مرهون بوحدة الصف، وافتعال الصراعات الجانبية هو إضعاف لها، ولو تسمك الإخوان بالحوار وموقفهم الأول لكان من المفهوم استمرار الهجوم على الإخوان كونهم يهددون الثورة.
في نهاية المطاف كان بإمكان الإخوان المسلمين تجنب ما حصل ببعض الحكمة والذكاء، وكان بإمكان خصومهم التعالي عن المواقف السابقة ومساعدة الإخوان في ترشيد التعامل مع النظام المصري، والأهم من ذلك يجب على قيادة الإخوان المسلمين أن تدرك أن عصر هيمنة النظام قد انتهى، وأن المستقبل للثورة ويجب عليها أن تتصرف من هذا المنطلق وأن تتخلى عن سياسة الحذر الشديد، ففي عصر الثورات لا مكان للتردد. كما يجب أن يدرك الإخوان وغير الإخوان أنه لا يمكن لطرف واحد أن يحتكر القرار في الثورة، شركاء في الدماء شركاء في القرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق