الخميس، 2 نوفمبر 2017

مسلمو إريتريا: المأساة المنسية


  
شهدت أسمرة عاصمة إريتريا أول أمس الثلاثاء مظاهرات طلابية، وصفت بأنها الأولى منذ عام 1993م، على خلفية اعتقال السلطات مدير مدرسة الضياء الإسلامية، بسبب رفض إدارة المدرسة الالتزام بشروط الحكومة المتمثلة بـ: منع لبس الحجاب، ومنع الفصل بين الجنسين، ومنع تدريس مواد التربية الإسلامية.

وهي المظاهرة الأولى منذ عام 1993م ليس لأنه لا هموم ولا مشاكل للشعب الإرتيري، بل لأن نظام أسايس أفورقي هو من أكثر أنظمة الحكم وحشية وقمعًا في العالم، والسجون تعج بالمواطنين، وأعداد كبيرة من الشعب الإرتيري يعيشون في المنافي هربًا من هذا الطاغية.

فتعتبر المظاهرة دليلًا على أن الأوضاع وصلت حدًا لا يمكن السكوت عليه رغم فداحة الثمن المتوقع.
إلا أن التغطية الإعلامية تكاد تكون معدومة رغم وضع المسلمين المأساوي في هذه الدولة، التي يفترض أنها دولة عربية إسلامية.

خلفية عامة:

تبلغ مساحة إريتريا أكثر من 117 ألف كيلومتر مربع تمتد على الضفة الغربية للبحر الأحمر، واصلةً بين جيبوتي في الجنوب والسودان في الشمال، فيما تحدها من الغرب أثيوبيا.


ويقدر عدد السكان حوالي 5 ملايين نسمة، ويمثل المسلمون اليوم بين 40% و50% من السكان، والمسيحيون بين 50% و60%، وحوالي 1% ديانات أخرى.

وتستخدم العربية في التعامل اليومي لدى قسم كبير من السكان، بالأخص المسلمين، وهنالك قسم من السكان ذوو أصول عربية مثل قبيلة الرشايدة.

وكانت إريتريا تاريخيًا جزءًا من المنطقة الإسلامية وكانت جزءًا من الدولة العثمانية، حتى جاء الاحتلال الإيطالي عام 1880م، ثم ضمت إلى أثيوبيا عام 1950م، وتعرض المسلمون للقتل والتهجير، فيما تم تعزيز الوجود المسيحي في إريتريا، وهذا ما أدى لانخفاض نسبة المسلمين، بعد أن كانوا أغلبية واضحة في البلاد.

وخاض الأرتيريون حربًا طويلة من أجل الاسقلال بدءًا من عام 1960م، وتلقوا دعمًا من الدول العربية والإسلامية.

والقوميون العرب يتعبرونها جزءًا من الوطن العربي ويضعون خارطتها ضمن خارطة الدول العربية، بحكم انتشار اللغة العربية فيها.

إريتريا بعد الاستقلال:

حصلت إريتريا على استقلالها الرسمي عام 1993م لكنه استقلال أسوأ من الاحتلال، فالذي تولى قيادة إريتريا هو أسايس أفورقي وهو مسيحي من عرقية التيجراني.

وفي الحقيقة فالاستقلال كان أقرب للصفقة بين أفورقي وبين ميلس زيناوي الذي كان يقود تمردًا في أثيوبيا ثم تمكن من الاستيلاء على الحكم بفترة متزامنة، خاصة أنه ينتمي لعرقية التيغراي التي لها صلات عرقية مع التيجراني.

فالذي حصل فعلًا هو تقاسم إريتريا وأثيوبيا بين قبيلتين مسيحيتين.

واتبع أفورقي نظامًا علمانيًا مستبدًا معاديًا لكل الصلات مع العرب والمسلمين، وفتح أبواب بلاده للصهاينة الذين أقاموا أواخر التسعينات قواعد عسكرية على سواحل إريتريا.

لا يوجد في إريتريا سوى حزب واحد (جبهة تحرير إريتريا)، والبرلمان معين ولم تجر أي انتخابات منذ الاستقلال، والقمع السياسي يطال جميع المواطنين، لكن إضافة للقمع السياسي يعاني المسلمون من قمع ديني وثقافي.

ودخل أفورقي في حرب على الحدود مع أثيوبيا بين عامي 1998م و2000م دمرت الاقتصاد الهش لبلاده، ومن المفارقات أن الصهاينة أغلقوا قواعدهم العسكرية فور اندلاع الحرب وتركوه لوحده يحارب الأثيوبيين.

مع انتشار الفقر والقمع السياسي ازدادت معدلات الهجرة من إريتريا، التي فيها سجل سيء جدًا لحقوق الإنسان، وقلة من دول العالم "يتفوق" عليها بالقمع وتضييق الحريات.

لكن مع ذلك فالتغطية الإعلامية لجرائم هذا النظام العلماني، والذي يتربع على قمته مسيحي متعصب، تكاد تكون محصورة على نخبة من المؤسسات الحقوقية.

وحتى تكتمل المأساة فقد بدأت الإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية لها في مدينة عصب على الساحل الإرتيري، وهنا تلتقي (مجددًا) مصالح هذه الدولة التي تقود الثورات المضادة مع دكتاتور يقمع شعبه، ولا استبعد أن قرار علمنة المدارس الإسلامية جاء بتشجيع الإمارات.

أما أفورقي الذي قاطع العرب وحرص على الابتعاد عنهم، فلم يجد إلا الإمارات ليتقارب معها ويفتح حدود بلاده لها.

إذا كان الغرب المنافق يتغاضى عن هذه الجرائم لأسباب معروفة لديكم، فالسؤال ماذا عن المسلمين؟

في الختام:

كان الهدف الأساسي من المقال الإشارة إلى مأساة المسلمين في إريتريا، لكن استغل المقام للتذكير بأن هذا مصيرنا كلنا في فلسطين والدول العربية إن رفعنا الراية البيضاء للصهاينة والثورات المضادة.

فالشعب الإرتيري لم يرفع السلاح بوجه أفورقي رغم القمع والاضطهاد، وفضل الكثيرون الهرب والهجرة، لكنه لم يرحمهم ولحقهم في مدارسهم وفي حجابهم وأعراض أبنائهم.

وهكذا سيحصل لنا إن سكتنا فلن يتركوننا وشأننا وسيلاحقونا في حياتنا اليومية وأعراضنا، ولا خيار لنا سوى الانتصار والعز أو الموت والذل.

ليست هناك تعليقات: