تصاعدت
في الأيام الأخيرة لهجة التصعيد الصهيونية ضد حزب الله وإيران، وانعكس ذلك بتصعيد
سعودي وأمريكي، مما يوحي أن الأمر منسق من أجل حرب جديدة على لبنان أو حتى إيران،
وربما الاكتفاء بفرض حصار اقتصادي وسياسي، فما زالت الأمور غير واضحة.
لكن
السؤال الجوهري الذي تطرحه التطورات هو أين نقف من هذا الصراع المتوقع؟ فالكيان
الصهيوني هو عدونا الأبدي، أما حزب الله وإيران فقد أجرموا في سوريا ولا يقبل أن
نكون عونًا لهم على الإجرام.
البعض
يبسط المسألة بشكل مخل، وكأننا نتكلم عن مباراة بين فريقين في الدوري الإسباني،
فيقرر عدم تشجيع أي من "الفريقين"!
لكن
الأحداث ستؤثر علينا في نهاية المطاف، سواء كفلسطينيين أو سوريين أو لبنانيين سنة
أو أنصار الثورات العربية، وما لم يكن لنا موقف واضح وحاسم فخصومنا (الكيان
الصهيوني وحزب الله وإيران) سيحصدون الغنائم على حسابنا، بينما نكتفي نحن "باعتزال
التشجيع".
الأخطار
الصهيونية:
أي حرب
يشنها الاحتلال الصهيوني، أو وكلاؤه على لبنان أو حزب الله، لن تكون بلا مقابل
والصهاينة لن يذهبوا إلى لبنان ليطيحوا بحسن نصر الله وترك المكان فارغًا لأنصار
الثورة السورية، ونفس الشيء ينطبق على التدخل الصهيوني في سوريا فهو لن يطيح
بالأسد ويسلمها للثورة السورية.
أولًا: أي تدخل
صهيوني في لبنان سيهدف لدعم حلفاء الصهاينة، وبالتحديد المارونية السياسية،
وبشقيها الموالي لسوريا (ميشيل عون وسليمان فرنجية) والموالي للسعودية (سمير جعجع)
يتفقون على معاداة الفلسطينيين والسوريين اللاجئين في لبنان، ومواقفهم العنصرية
الحاقدة معلنة، وأفعالهم في صبرا وشاتيلا والحرب الأهلية اللبنانية معروفة وغير
مجهولة.
ثانيًا: أول
تهديد رسمي صهيوني بالتدخل في سوريا لصالح أحد الأطراف، كان قبل أيام على لسان
الناطق باسم الجيش، متوعدًا فصائل المعارضة (الثورة السورية) من احتلال بلدة الحضر
الدرزية (الموالية للنظام) قرب الجولان.
الصهاينة
لديهم أطماع في سوريا، ولا يهمهم من ينتصر النظام أو المعارضة بقدر اهتمامهم
باستمرار النزيف في سوريا، وتحين الفرص للتمدد في سوريا، ولعل الكثيرين لا يعلم أن
الصهاينة احتلوا بهدوء عدة كيلومترات من الأراضي السورية خلال السنوات الخمس
الأخيرة عبر إزاحة السياج الحدودي.
وهم
يسعون لإقامة دويلة درزية موالية لهم في الجنوب السوري وهذا يمكن لمسه من
تصريحاتهم وتصرفاتهم.
ثالثًا: بعد
التضييق على حركة حماس وطرد قادتها من أكثر من بلد، لم يجدوا سوى اللجوء إلى لبنان
بحماية حزب الله، وتحديدًا صالح العاروري (الذي أخرج من تركيا ثم من قطر بضغوط
أمريكية) وآخرين.
هذا فضلًا
عن الوجود الهش لللاجئين الفلسطينيين سواء من فلسطينيي سوريا أو للبنان، فأي
انتصار لجيش الاحتلال في لبنان سيضع كل هؤلاء في مهب الريح، والبعض يقول "لا
تهمنا نتيجة الحرب".
رابعًا: هل حزب
الله يعيش في لبنان وحده؟ صحيح يوجد له أماكن تواجد محددة لكن أي حرب أو حصار على
لبنان سيتأثر منه الجميع، شيعة وسنة ومسيحيين وفلسطينيين وسوريين، والصهاينة لن
يفرقوا بقصفهم، ولن يفرق حلفاؤهم في الحصار بين لبناني وآخر.
فإن كان
مصير حزب الله وحسن نصر الله لا يهمنا فهل مصير الآخرين غير مهم؟
خامسًا:
الصهاينة لن يتوقفوا عند لبنان وسيسعون لاستغلال الزخم من أجل توجيه ضربة إلى حماس
في قطاع غزة، فهل نقف متفرجين حتى ينتهون من لبنان ويتفرغون لضرب غزة، أم نبادر
بالهجوم والاحتجاج قبل أن تصلنا الضربة ؟
ما
الموقف المطلوب؟
أنا أؤمن
بأن السياسة هي فن الممكن، وأنه لا انفصال بين الأخلاق والسياسة، وكل ما نحتاجه هو
دراسة الموضوع من كافة جوانبه ووزن الأمور جيدًا.
لا نريد
دعم حزب الله ولا التحالف معه، لكن سنقف بوجه الصهاينة لأن أهدافهم من أي حرب أو
عدوان تناقض أهدافنا ومصالحنا كفلسطينيين وسوريين ولبنانيين، والاعتقاد بأن هنالك
تناقض مصالح بين الفلسطينيين والسوريين وهم وضيق أفق، ولو فكرنا جيدًا لأدركنا
أننا كلنا في مركب واحد.
يجب
استغلال اللحظة التاريخية من أجل محاربة الاحتلال الصهيوني، بدلًا من تفويتها بحجة
أننا نكره حزب الله وحسن نصر الله، وللتوضيح أكثر:
رأينا
كيف كان التفاعل الشعبي مع أحداث المسجد الأقصى وكيف اضطر الصهاينة للتراجع بشكل
مهين عن نصب البوابات والكاميرات، لكن بعد ثلاثة شهور نصبوا الكاميرات بهدوء وبدون
أي معارضة، لماذا؟
لأن
الجماهير لا تتحرك حسب الطلب، ولأن العواطف هي التي تحركها وليست الحسابات
السياسية، ونحن لا نملك اليوم في مواجهة الاحتلال سوى القوة الجماهيرية.
فإذا
اندلعت حرب فهل من الحكمة تبريد الجماهير بحجة أنها حرب بين طرفين أعداء لنا؟ أم
نساهم في إشعال الشارع لنستخدم هذه الجماهير لتحقيق مصالحنا ضد الاحتلال الصهيوني؟
ما الذي
يضر الشعب السوري أو الثورة السورية لو أننا أشعلنا انتفاضة شعبية ضد الاحتلال؟
على العكس نحن نربكه ونفشل مخططاته المعادية للشعب السوري في سوريا ولبنان.
البعض
يقول أن ما يحصل تمثيلية بين الصهاينة وحزب الله، من أجل تلميعه، حسنًا لنفترض ذلك
جدلًا لماذا لا نفشل هذه التمثيلية ونحولها إلى لعنة على رؤوس الصهاينة؟
وفي
المقابل لو قررت الفصائل السورية استغلال الحرب (المفترضة) وهاجموا مواقع حزب الله
في سوريا وحرروها، فلا مشكلة ولا تناقض مع أي مصلحة فلسطينية، فوجود حزب الله في
سوريا أضر بالقضية الفلسطينية ولم يخدمها، وليسحب قواته من هناك وليحارب الصهاينة.
وإذا قرر
الحزب أن محاربة الثورة السورية أهم من محاربة الكيان الصهيوني، فهو وحده الملام
في ذلك.
نظرة
للواقع من زاوية بعيدة:
هنالك
مزايدات كثيرة، ولأسباب كثيرة هنالك نظريات غير منطقية يتناولها البعض كمسلمات،
"فإيران وحزب الله هما سبب مأساة الشعب السوري لكن لا بأس من الحوار مع
الروس"، علمًا بأن إيران وحزب الله عجزا عن دعم النظام مثلما فعل الروس، الذي
قصفوا حلب ودمروها وأعادوا احتلالها (وليس إيران ولا حزب الله)، والروس هم الذين
نجحوا بإعادة تأهيل نظام الأسد دوليًا فيما فشل الإيرانيون في ذلك.
والوجود
الإيراني وحزب الله اليوم في سوريا يعطل الحل السياسي القائم على تثبيت نظام
الأسد، وتقاسم النفوذ بين الروس والأمريكان، وهذا الوضع المعلق يعطي الوقت للثورة
السورية حتى تعيد ترتيب أوراقها بما يعكس المعادلة السائدة اليوم، فيما لو أخرج
الإيرانيون وحزب الله من سوريا فسيتم التقسيم وتنتهي الثورة مقابل لا شيء.
فحالة
الشلل الناجمة عن الاختلاف على تقاسم الغنائم في سوريا بين الإيرانيين والأمريكان
من جهة أخرى، يخدم بصورة غير مباشرة الثورة السورية، والذكاء السياسي أن لا نسمح
بحسم هذا الصراع لأي من الجانبين، وفي هذه اللحظة التاريخية فإيران هي الطرف
الأضعف وبالتالي ليس من مصلحة الثورة السورية أن يأتي الصهاينة والأمريكان ليفرضوا
حلولهم وتسوياتهم والتي تضمن بقاء الأسد.
النظرية
الأخرى التي تتردد هي "الخطر الإيراني أكبر من الخطر الأمريكي والصهيوني،
وبالتالي الأولوية لمواجهة إيران وليس أمريكا وإسرائيل"، وهي مقولة سقطت أمام
اختبار الواقع، فما يقوم به ترمب وابن سلمان هذه الأيام قد كشف المحور الأمريكي
الذي كان يتصرف سابقًا بهدوء ومن وراء ستار.
أمريكا
لا تمسك بأهم عواصم المنطقة فحسب، بل تملي عليهم تفاصيل تصرفاتهم، فضلًا عن
تأثيرها المتفاوت على باقي الدول.
مصر
والسعودية والأردن والإمارات وغيرها تنفذ وبشكل حرفي مصالح الأمريكان والكيان
الصهيوني، على رأس ذلك محاربة الجماعات الإسلامية المعتدلة والشعب الفلسطيني
والعرب السنة بشكل عام (بما فيه الثورة السورية).
في
المقابل إيران لا تمتلك لا أموال ولا نفوذ ولا جيوش ولا تكنولوجيا أمريكا، وإن كان
تمددها صاخبًا لكنها عمليًا لم تتمكن من التمدد في أي منطقة لا يوجد فيها تواجد
شيعي، وجميع الدول التي تمددت فيها قبضتها ما زالت غير مستقرة ومهددة بالزوال.
فهل تقارن
قبضة السيسي (رجل أمريكا) المحكمة في مصر، مع قبضة الحوثيين (رجال إيران) في
اليمن؟ أكثر من نصف اليمن ليس تحت سيطرة الحوثيين، أليس كذلك؟ ونفس الشيء النفوذ
الإيراني في سوريا أو لبنان وحتى العراق، هو نفوذ على رمال متحركة قد يطير بلمح
البصر في حال انقلبت الموازين.
أما
القبضة الأمريكية في مصر والأردن والسعودية والإمارات فهي راسخة وقوية، وأمريكا
تسيطر فعليًا على جميع بنوك العالم (بالمعنى الحرفي لذلك)، وبكلمة من وزير الخزانة
الأمريكي ستجمد حسابات أي شخص أو جهة أو دولة خلال ساعات في جميع بنوك العالم
تقريبًا.
وإن كان
الطرفان عدو لنا، فليس من مصلحتنا أن ينتصر أحدهماعلى الآخر حتى لا يستفرد بنا
(تيار الثورات العربية والعرب السنة)، وبما أن الطرف الأمريكي أكبر وأقوى وأشرس،
وبما أنه يشن حربًا من خلال عملائه ووكلائه ضدنا، فليس من الحكمة ولا الذكاء تركه
يتوسع ويتمدد دون التصدي له.
في
الختام:
تسجيل
المواقف أمر سهل جدًا، ومن المغري أن نقول نحن نكره هذا الطرف وذاك الطرف، وأن
نعتبر هذا الكلام نهاية المطاف.
لكن
التحدي الحقيقي هو كيف نتحرك على الأرض وفي الميدان لكي نصنع لنا مكان على هذه
الأرض، ولكي ننتصر ولكي نتوقف عن التحسر على هزائمنا وانكساراتنا المتتالية، هذا
يحتاج إلى قرارات عقلانية تدوس أحيانًا على عواطفنا، وفي نفس الوقت أن نحافظ على
مبادئنا ولا ثوابتنا حتى لا نتحول إلى تجار.
وبالتالي
فأكبر جريمة أن نعطل المواجهة مع الصهاينة والأمريكان وعملائهم بحجة أننا لا نريد
أن نكون طرفًا.
والأصل
أننا نحاربهم طوال الوقت، لكن بما أن رأسمالنا هو الجماهير وهذه الجماهير لا تتحرك
بشكل تلقائي، فيجب أن نستغل مثل هذه الظروف لتوجيهها وتنشيطها لا إحباطها وكبح
جماحها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق