في بدايات الثورة السورية كانت السعودية وتركيا
(ومعها قطر) تدعم الثورة السورية رغم الخلاف بينهما والذي تصاعد بعد انقلاب السيسي،
إلا أن مجيء الملك سلمان وحرب الحوثيين في اليمن أدى لحصول تقارب بين البلدين وزاد
التنسيق بينهما فيما يتعلق بسوريا.
لكل منهما أسبابه القوية لدعم الثورة السورية
وخاصة بعد التدخل الإيراني (ثم الروسي) السافر، وهي تتعلق بمصالحهما الذاتية وأيضًا
بما يتعلق بأردوغان كشخص وحزب حاكم هنالك البعد الأيديولوجي، وبالنسبة لي أثق بنوايا
أردوغان لكن أدرك محدودية قدراته .
في ظل التقدم الروسي الأخير في شمالي حلب والدور
القذر الذي تلعبه قوات سوريا الديموقراطية، وفي ظل الكلام السعودي عن تدخل بري في سوريا
والتهديدات التركية بأنها لن تسمح باحتلال شمال حلب، يتساءل الكثيرون متى يترجم القول
إلى فعل؟
يجب أن نفهم نقطة جوهرية وهي محدودية القدرات
السعودية والتركية وعدم قدرة البلدين تجاوز الفيتو الأمريكي :
1) أمريكا قد تتقبل وجود إسلاميين في الحكم (مثل
تونس وليبيا واليمن) ما دامت هذه البلد بعيدة عن فلسطين، لكن دول الطوق فالوضع مختلف،
لذا دعمت السيسي وليست مستعدة لوصول إسلاميين إلى حكم سوريا، وذلك حفاظًا على أمن الكيان
الصهيوني .
2) تركيا عضو
في حلف الناتو وتركيا تربطها علاقات حيوية مع أوروبا والغرب، وهذه أمور ورثها أردوغان
ولم يستطع الوصول إلى مرحلة الفكاك عنها، وأي خروج عنها سيؤدي مباشرة لضربة كبيرة للاقتصاد
التركي ولتداعيات أخرى كبيرة.
3) رغم التغيير
الجوهري الذي أحدثه أردوغان في تركيا إلا أنه ما زال هنالك قوى مضادة له قوية داخل
تركيا، وقد رأينا كيف أنه بالكاد نجى من السقوط مرتين في الأعوام الأخيرة (مرة في مظاهرات
جيزي والثانية في الانتخابات التشريعية التي بالكاد نجح فيها).
العلمانيون ما زالوا موجودين في مؤسسات الدولة
والجيش، والتنظيم الموازي، وكلهم ضد أي تدخل لصالح الثورة السورية، كما أن نصف الشعب
التركي ضد أردوغان ولن يقبل بحرب مكلفة في سوريا.
ولا ننسى حرب حزب العمال الكردستاني في جنوب
تركيا وعمليات داعش، فكلها أمور تثقل الجبهة الداخلية التركية، ولا تجعل من خوض الحرب
أمرًا سهلًا .
4) النظام السوري
مدعوم من روسيا وإيران وأي تدخل تركي كبير يعني الدخول في حرب مع هاتين الدولتين، وروسيا
دولة كبيرة ولديها قدرات عسكرية لا يستهان بها .
5) قدرة النظام السعودي على الخروج من الدائرة
الأمريكية أقل من تركيا، كما أن الجيش السعودي يخوض حربًا حالية في اليمن، وقدراته
العسكرية أقل من الجيش التركي، وبعد المسافة الجغرافية يؤثر على قدرته لخوض الحرب .
6) أخطاء الجماعات السورية وبالأخص جبهة النصرة
وإلى حد ما أحرار الشام، التي حرصت على استعداء الرأي العام العالمي، من خلال الارتباط
بالقاعدة (جبهة النصرة) أو رفض مؤتمر الرياض (أحرار الشام) أو عدم وضع مسافة واضحة
ضد السلفية الجهادية وداعش (النصرة وأحرار الشام).
كلها تصعب على تركيا والسعودية وقطر مهمة إقناع
العالم بقبول أمور مثل التدخل العسكري البري أو إنشاء منطقة حظر طيران.
وقد رأينا كيف تصدت أمريكا ومجلس الأمن لقيام
الجيش التركي بقصف مواقع قوات حماية الشعب الكردية في شمال حلب، فإذا كانت خطوة متواضعة
مثل هذه قد جعلت كل حلفاء تركيا ينتقدوها ويهاجموها، فما بالكم بهجوم أكبر؟
أمريكا أسفرت عن وجهها القبيح وأنها لا تدعم
سوى القوى الكردية وجيش الثوار (وهو احد أخطاء جبهة النصرة حيث أنه مكون من بقايا فصائل
الجيش الحر التي هاجمتها النصرة ودمرتها لأسباب واهية وتافهة).
وكنت سابقًا قد نصحت الفصائل الثورية السورية
الاستفادة من حرب أمريكا على داعش حتى لا تترك الساحة للفصائل المشبوهة في مقال بعنوان
التحالف الدولي ضد داعش: الأسباب والأهداف وماذا يجب فعله ، واليوم نرى كيف تقوم قوات
حماية الشعب الكردية بملئ الفراغ الذي تتركه داعش وبرعاية أمريكية .
على المدى البعيد يجب على فصائل الثورة السورية
أن تغير سياستها وأخص بالذكر أحرار الشام أكبر هذه الفصائل وصاحبة الموافقة المتأرجحة،
فجيب قطع أي علاقة بالقاعدة ومغامراتها المجنونة في سوريا، والانضمام إلى التحالف السوري
الأكبر الممثل في هيئة التفاوض.
وعلى المدى القصير يجب أن تهيئ قوى الثورة
السورية نفسها لخوض حرب عصابات طويلة الأمد، لأن الدعم التركي السعودي ما زال يعاني
ويبدو بعيد المنال، وتصريح مولود شاوش أوغلو الأخير يدل على ذلك عندما أشار لمعارضة
حلفاء تركيا في الناتو للتدخل البري .
نريد أن نفهم
الواقع كما هو بعيدًا عن النظرات السطحية وكأن أردوغان أو السعودية يجهلون حجم الخطر
القادم إليهم، فنحن نتكلم عن دولتين بإمكانيات محدودة مقارنة بأمريكا وروسيا، وستحاول
هاتان الدولتان (بالإضافة لقطر) دعم الثوار، والاستفادة من كل الثغرات الممكنة (مثل
عملية التفجير في أنقرة الليلة الماضية ومحاولة استخدامها ذريعة لزيادة الهجمات ضد
مليشيا سوريا الديموقراطية)، لكن لا أرى على المدى المنظور أي اختراق حقيقي يمكن أن
يقوموا به بكل أسف.
هناك 3 تعليقات:
الاستعانة بجيش البلد لتغيير نظامه تسمى انقلابا، فماذا يمكن تسمية الاستعانة بجيوش بلاد أخرى لفعل ذلك؟
ألم يثر السوريون ضد الاستبداد والقتل؟ فكيف يستجير بعضهم من ذلك بقتلة مستبدين؟ وما نوعية النظام الذي سيحكم سورية إن كان يريد الآن العمل تحت أسقف أنظمة لا تستطيع تجاوز السقف الأميركي ولا حتى السقف الروسي؟
يسقط من يقول إن أردوغان ورث علاقاته مع الناتو والصهاينة ولا يستطيع الفكاك منها هذه الحجة عند تكرارها مع مرسي الذي تولى الحكم بعد ثورة كان يمكن معها إلغاء أي اتفاقية قديمة والاعتراض على ما يسمى "مبادرة السلام العربية". فهل سيرث الثوار السوريون علاقات سورية بإيران وروسيا بنفس هذه الحجة؟ وهل سيتركون الجولان محتلة ويوافقون على تلك المبادرة لنفس السبب؟
من حق السوريين الاستفادة من أي دعم غير مشروط، لكن ذلك لا يعني أن يشارك رياض حجاب في مؤتمر يستضيف السفاح وزير الحرب الصهيوني، دون اعتراض واضح على ذلك. فهل السوريون مجبرون على وراثة نصيبهم من العلاقات التركية الصهيونية والسير في ركب محاولات إعلان التطبيع السعودي الصهيوني؟
مرسي لم يستطع تغيير أي اتفاقية أو حتى اتخاذ أي قرار.
لقد أتاحوا به في ثواني أم أن ذاكرتك لا تسعفك بتذكر ذلك؟
السياسة هي فن الممكن وما بين الكلام الشعاراتي الذي لا صلة له بالواقع، وبين الإنبطاح أمام الأمر الواقع والتسليم به، هنالك مجال واسع للمناورة من أجل الوصول إلى الهدف النهائي.
تذكر هنا أيضا أن محمد مرسي قرر في فترة الانتخابات المحافظة على كامب ديفيد وأن أول زيارة له كانت إلى السعودية، ويمكن سرد مدحه للملك السعودي وللمحكمة الدستورية المصرية وللجيش المصري وللشرطة المصرية ولدور روسيا في سورية وغير ذلك. وهذا كله أضعف الثورة فكيف يمكن للثائر الحقيقي ضد الظلم والاستبداد أن يساند شخصا يركن إلى الذين ظلموا؟
إرسال تعليق