هنالك من يحاول التصيد للحكومة الفلسطينية الشرعية بقيادة اسماعيل هنية في غزة، ولا يوفر شاردة ولا واردة لتصويرها على أنها تضيق على الناس أرزاقهم وتجبي الأموال والضرائب، وكأنه لا يوجد حكومة في العالم لا تجبي الضرائب والرسوم إلا حكومة غزة.
بداية لا يوجد دولة في العالم منذ فجر التاريخ إلا ولها مصدر للدخل لكي تصرف على موظفيها والعاملين لديها وللأنفاق على النفقات العامة بكافة أشكالها. والدولة الإسلامية قديماً كان لها الزكاة مصدراً للدخل للانفاق على الفقراء والمحتاجين ومصارف الزكاة، بالإضافة للعشر والخراج وكانت تصرف على النفقات العامة المختلفة.
الضريبة اليوم مثلها مثل العشر والخراج هي للإنفاق على النفقات الحكومية العامة، من أجل تنفيذ المشاريع وصرف رواتب الموظفين، ومثل أغلب الحكومات الفقيرة لا يوجد لحكومة غزة مصدر للدخل سوى الضرائب بأشكالها المختلفة.
الأمر والأدهى أنه فيما تنتقد الضرائب التي تحصلها حكومة غزة نجد المنتقدين ساكتين عن الضرائب التي تجبيها حكومة رام الله من أهل غزة (ولا أتكلم عن الضرائب التي تجبى في الضفة فهي خارج موضوعنا). ففي حين أن الضريبة على المحروقات التي تجبيها حكومة غزة أصبحت 60 أغورة عن كل ليتر محروقات بدلاً من 30 أغورة، يتعامون عن حقيقة وهي أن المحروقات التي تدخل عن طريق اليهود أكثر من 70% من قيمتها عبارة عن ضريبة تفرضها السلطة، يعني 4 أو 5 شيكل من قيمة كل ليتر بنزين أو سولار، بما فيه السولار لمحطة الكهرباء يذهب ضريبة للسلطة في رام الله.
هذه حقيقة يتعامى عنها البعض ويجهلها الكثيرون، فالمحروقات التي تأتي من اليهود سعرها مرتفع ليس لأنها تشترى بثمن باهظ، بل لأن معظم ثمنها يذهب للسلطة في رام الله على شكل ضريبة محروقات، والفرق بينها وبين الضريبة التي تفرضها على المحروقات المهربة من مصر هو أن اليهود يحصلوا الضريبة ثم يعطوها للسلطة كاملة غير ناقصة. فيما الضريبة التي تفرضها حكومة غزة تحصلها مباشرة.
وليس هذا فقط بل أن البضائع التي تدخل عن طريق المعابر الصهيونية إلى غزة يدفع أهل غزة 17% من قيمتها للسلطة على شكل ضريبة القيمة المضافة، وتذهب للسلطة في رام الله مباشرة فيما لا تحصل حكومة غزة ضريبة على البضائع المهربة من غزة (باستثناء المحروقات والسجائر) ولا على القادمة عن طريق المعابر مع الكيان الصهيوني.
كل هذه الرسوم تذهب إلى سلطة دايتون، ثم يمنوا على الموظفين بغزة ويقولون نحن نتكفل بالرواتب ويمنعوا الرواتب عن هذا وذاك، وهي كلها أموال يدفعها أهل غزة وهي لهم، وفوق ذلك يلوموا حكومة غزة الشرعية ويقولوا يجب أن تنفق على الجميع ولا يجب أن تجمع الضرائب ويجب أن تخلق الوظائف ويجب ويجب، من أين؟ تأتيها مساعدات لكن المساعدات كم ستغطي من مصاريفها؟ وهل المساعدات تدوم للأبد؟
وللعلم فقط المساعدات من العالم الخارجي التي تقدم للسلطة في رام الله تذهب جميعها تقريباً لتنفيذ مشاريع، أما الرواتب فتغطى من الضرائب المختلفة التي تحصلها السلطة من أهل الضفة وغزة: ضريبة القيمة المضافة، وضريبة المحروقات وضريبة الجمارك، وضريبة الدخل.
وهنا أشير إلى نقطة حتى أكون منصفاً: حسب اتفاقية باريس (الملحق الاقتصادي لاتفاقية أوسلو) السلطة مقيدة بأسعار المحروقات التي تبيعها (لكن الأرباح والضرائب تذهب لهيئة البترول التابعة لوزارة المالية). لا تستطيع السلطة خفض اسعار المحروقات لأقل من الأسعار الصهيونية إلا ضمن شروط معينة، وهذا ليس لأنها تشتريها بثمن غالي بل لأن الاتفاقية تقيدها بذلك.
كل هذه الأمور وغيرها سأثبتها لكما من خلال أرقام وزارة المالية التابعة لفياض ومن خلال نصوص القوانين ومن خلال كتب دراسية معتمدة.
أبدأ ببرتوكول اتفاقية باريس الاقتصادية التي جعلت الاقتصاد الفلسطيني تابعاً للاقتصاد الصهيوني بشكل كامل:
http://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A8%D8%B1%D9%88%D8%AA%D9%88%D9%83%D9%88%D9%84_%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A
هذا ما نصت عليه الاتفاقية بخصوص المحروقات والضرائب المفروضة عليها وطرق استيرادها للسلطة:
[QUOTE]تضمن اتفاق باريس الاقتصادي الموقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في نيسان من العام 1994 ، بنودًا خاصة تتعلق بآلية إدارة و تنظيم الشؤون المتعلقة بالمنتجات البترولية، حيث أشارت المادة ( 3/بند 12 ) إلى أنه:
"أ- ستكون المقاييس الأردنية كما حددت في الملحق المرفق بالاتفاقية، مقبولة في استيراد المنتجات
البترولية إلى المناطق، في حالة استجابتها لمتوسط المقاييس القائمة في بلدان الاتحاد الأ وروبي، أو
مقاييس الولايات المتحدة الأمريكية، التي وضعت معاييرها حسب المعايير المحددة للظروف الجغرافية
لإسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية . وستحال حالات المنتجات البترولية التي لا تستجيب لهذه
المواصفات، إلى لجنة خبراء مشتركة من أجل إيجاد الحل المناسب لها. وللجنة أن تقرر ثنائيا قبول
مستويات مختلفة لاستيراد البنزين تستجيب للمقاييس الأردنية رغم أنها لا تستجيب في بعض المعايير
لمقاييس المجموعة الأوروبية أو المقاييس الأمريكية. وستعطي اللجنة قرارها في غضون ستة أشهر .
وفي انتظار قرار اللجنة، ولفترة لا تزيد عن ستة أش هر من توقيع الاتفاقية، للسلطة الفلسطينية أن
تستورد البنزين للسوق الفلسطينية في المناطق وفقًا لاحتياجات هذا السوق، على أن:"
-1 يكون هذا البنزين معلمًا بلون مميز مختلف عن البنزين المسوق في إسرائيل،...
-2 وتتخذ السلطة الفلسطينية كل الخطوات الضرورية لضمان عدم تسويق هذا البنزين في إسرائيل.
ب-لن يتجاوز الفرق في الثمن النهائي للبنزين للمستهلكين في المناطق، 15 % من السعر الرسمي
النهائي للمستهلك في إسرائيل. وللسلطة الفلسطينية الحق في تحديد أثمان المنتجات البترولية، عدا
البنزين للاستهلاك في المناطق.
ج- إذا اتفقت مستويات البنزين المصري مع شروط الفقرة الفرعية (أ) أعلاه، فسوف يسمح أيضًا باستيراد البنزين المصري."[/QUOTE]
اتفاقية باريس تسمح للسلطة باستيراد المحروقات من الخارج بشروط فنية، وبشرط عدم بيعه لليهود، وبشرط عدم نزول سعره 15% عن السعر الصهيوني، ما عدا بنزين السيارات (لأن الاحتلال خاف أن يذهب الصهاينة لمحطات البنزين الفلسطينية إن كان فرق الأسعار كبيراً).
طبعاً السلطة لم تستغل السماح لها بالاستيراد وعقدت اتفاقية مع شركة دور ألون الصهيونية لتحتكر هذه الشركة تزويد السلطة بالمحروقات، مع أن الكيان فيه 10 شركات بترولية 6 منها مؤهلة فنياً للتصدير إلى مناطق السلطة الفلسطينية.
ويمكنكم الاطلاع على تقرير مؤسسة أمان حول تجاوزات هيئةالبترول التابعة للسلطة:
http://www.aman-palestine.org/Documents/Publication/Petrolum.pdf
عندما أصبح سمير أبو عيشة وزيراً قائماً بأعمال وزير المالية (عن حركة حماس) عام 2006م قرر كسر احتكار شركة دور ألون للبترول في مناطق السلطة، وتم التفاوض مع شركة باز وعمل اتفاقية وفرت على السلطة مبلغ 80 مليون شيكل سنوياً فروقات أسعار بين سعر دور ألون وشركة باز.
للمزيد حول هذا الأمر في الموضوع التالي:
http://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=86266
أعرض عليكم تقارير وزارة المالية التابعة لسلطة رام الله (لعام 2007) حسب ما ورد في موقع وزارة المالية التابعة لفياض.
http://www.pmof.ps/news/plugins/spaw/uploads/files/table2%20arabic%20quarter%2024032007.pdf
هنالك بند اسمه إيرادات المقاصة، وإيرادات المقاصة حسب تعريف وزارة المالية:
[QUOTE]إيرادات المقاصة: هي عبارة عن الإيرادات التي يتم تحصيلها نتيجة المعاملات التجارية بين السلطة الوطنية الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، ويتم تحويلها إلى وزارة المالية وفقاً لجلسات المقاصة الشهرية. وتشمل الجمارك (وهي الجمارك على المستوردات للسلطة الوطنية الفلسطينية أو نتيجة للاستيراد المباشر عبر المواني وتحصلها إسرائيل نيابة عن السلطة الوطنية الفلسطينية )، ضريبة القيمة المضافة، ضريبة المحروقات، ضريبة الشراء. [/QUOTE]
المرجع: http://www.pmof.ps/index.php?pagess=monreportx_2
وحسب أرقام وزارة المالية بلغت إيرادات السلطة من ضريبة المحروقات لعام 2007م : 187 مليون دولار، مقابل 310 مليون دولار ايراداتها من ضريبة القيمة المضافة، وهذا ليس بالمبلغ التافه فيما أظن. في المقابل إيرادات ضريبة الدخل كانت 65 مليون دولار لنفس العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق