مع كشف وزارة الداخلية في غزة عن تسجيلات لعملاء ألقت القبض عليهم مؤخراً أود توجيه همسة في أذن عملاء الاحتلال، لأقول لهم: ماذا تنتظرون؟ هل ما زلتم تظنون أن المحتل يحميكم؟ أما زلتم تظنون أنكم بعيدين عن المساءلة والمحاسبة؟ أول شيء يحرص عليه ضابط المخابرات عند تجنيدكم هو إقناعكم بأنكم لن تكشفوا وأن ما يعلن عنه من القبض على العملاء والجواسيس هو مجرد عمل إعلامي وأن المقبوض عليهم أبرياء وليسوا عملاء حقاً.
إذا افترضنا أن العملاء اعترفوا تحت التعذيب المزعوم (كما يقال لكم دوماً)، فمن أين جاءت أجهزة التصنت والاتصال التي عرضت في المؤتمر الصحفي، وقبل ذلك في لبنان رأينا شبكات الموساد تتساقط الواحدة تلو الأخرى وأجهزة التصنت عالية الكفاءة بيد الحكومة اللبنانية، فهل يعقل أن التعذيب يأتي بوسائل التصنت والاتصال من الفراغ؟ هل ما زلتم تعتقدون أنهم ليسوا عملاء؟ هل هذه هي وسائل التواصل الآمنة التي وعدكم بها ضابط المخابرات؟
قالوا لكم لا يوجد عميل يكتشف وأن أحداً لن يعرفكم، حسناً لقد كذبوا عليكم، فمهما حاول الشخص إخفاء الأعمال التي يقوم بها، فسيعرف بها الآخرون عاجلاً أم آجلاً، لا يوجد إنسان كامل ولا يوجد تكنولوجية ولا جهة استخبارية كاملة، كل شخص يخطأ، وكل وسيلة تكنولوجية لها عيوبها، وكل جهاز مخابرات له سقطاته، وكل هذا كفيل بكشفكم في نهاية المطاف، وكلما زاد نشاطكم كلما زادت احتمالات خطأكم وبالتالي تسريع عملية كشفكم وانفضاحكم.
أكيد سمعتم بقصة نديم انجاص، العميل من رام الله الذي اقتحم السفارة التركية قبل بضع أسابيع طالباً اللجوء السياسي، أتعرفون أن مشكلته عالقة منذ سنوات، منذ أن كشفت عمالته بسبب "خطأ" من ضابط المخابرات المشرف عليه حسب ما يقوله محاميه، هكذا ببساطة أخطأ الضابط ودمر حياة انجاص، ضابط المخابرات ما زال في وظيفته ويعيش حياته متنعماً وأكيد قال في نفسه "يا خسارة ضيعت مصدر معلومات ممتازة"، مثله مثل صاحب محل الخضروات الذي تقع منه بطيخة، يشعر ببعض الضيق ثم يجمعها ويلقيها بأقرب حاوية قمامة.
حسناً وضع البطيخة المكسورة أفضل من وضع زميلكم نديم، فالبطيخة تجد حاوية القمامة أما هو فلم يجد أحداً يقبل به، فلا مشغليه الصهاينة قبلوا به، ولا أهله قبلوا به، وحاول اللجوء إلى السفارة البريطانية قبل سنوات ولم يقبلوا به، بل حبسه الصهاينة (مشغليه السابقين) بتهمة اقتحام السفارة البريطانية، وبعد انتهاء حبسه سلموه لسلطة رام الله، حيث تعرض للتعذيب والابتزاز، نعم سلطة رام الله التي تنسق أمنياً مع المحتل لا تتعامل معكم إلا بازدراء واحتقار، وهذا شأن العميل إن وقع بين أيدي الشرفاء والكرام عاقبوه وردعوه وإن وقع بين أيدي اللئام ابتزوه وأهانوه، خسارة في كل الأحوال.
وبعدها هرب ورجع إلى "تل أبيب" وحاول اللجوء إلى السفارة التركية، بالله عليكم هل هذه حياة الأمن والأمان التي وعدكم بها مشغلوكم من ضباط المخابرات؟ بالله عليكم هل بعتم دينكم من أجل هذا؟ من بقي يحترمكم في هذه الدنيا؟ فإذا كانت الخلافات بين حماس وفتح لم تمنعهما من الاتفاق على نبذكم فماذا بقي لكم؟ لا تظنوا أنه يمكنكم الاستفادة من الشقاق بينهما، فجمعة السقا هرب من الأجهزة الأمنية في غزة ووقع بأيدي الأجهزة الأمنية برام الله، هو ليس معتقلاً وقيل أنه تم استجوابه، لكن بكل تأكيد سيتم ابتزازه كما تقوم أجهزة رام الله مع كل عميل؛ يبتز مالياً ويبتز أخلاقياً.
حتى عندما احتجت فتح على إعدام العملاء في غزة قبل مدة كان الاحتجاج يدور حول أن محمود عباس لم يوقع قرار الإعدام، وليس على مبدأ الإعدام، فلا تظنوا أنكم بمأمن، فالكل يحتقر عملكم والكل يتربص بكم وأنتم لا محالة مكشفون، لا تصدقوا الأكاذيب التي يبيعها لكم ضباط المخابرات فهو مجرد كلام يضحكون به عليكم.
أدرك أن أكثركم وقع بوحل الارتباط (أو التعاون كما يسميه المحتل الصهيوني) بدون إرادة ولا وعي، وأنها كانت في البداية (والكثير منكم ما زالوا في بداية الارتباط) مجرد طلبات بسيطة معلومات عامة يعرفها الجميع ولا تضر أحداً، ثم شيئاً فشيئاً، وطلباً بعد طلب تطورت الأمور وأصبحتم في ورطة لا تستطيعون الخروج منها (أو هكذا تظنون).
الأمر ليس كذلك فبوابة الخروج مفتوحة، سواء كنتم في غزة أم في الضفة، وتأكدوا أن الخروج والقطع مبكراً أفضل ليس فقط لأنكم ترضون ضميركم وتنتقمون ممن سخركم واستغلكم وضحك عليكم، بل أن المجتمع وشرفاء المجتمع الفلسطيني سيقدروا عملكم ويرفعوا من قدركم، أتذكرون الشهيد حسن أبو شعيرة؟ كان "متعاوناً" فحمل مسدسه وقتل ضابط المخابرات، اليوم الناس تذكره كشهيد وليس كعميل.
وتذكروا قاعدة ذهبية وهي أن المخابرات مهما قدمتم لها ومهما أظهروا لكم معسول الكلام ستبقى تعصركم حتى آخر رمق مثل حبة الليمون ولن تترككم إلا بعد أن تنشفوا ولا يبقى فيكم شيء للعصر وعندها ستلقيكم بأقرب سلة مهملات، هكذا أنتم في نظر ضابط المخابرات مجرد مصدر للمعلومات، مجرد آلة لجمع المعلومات، لا تهمهم مصلحتكم مثلما لم يهتموا بمصلحة نديم انجاص أو جمعة السقا أو غيرهما من العملاء الذين ألقت القبض عليهم الداخلية في غزة أو الذين ألقت أجهزة الأمن اللبنانية القبض عليهم، تركوا ليواجهوا مصيرهم لوحدهم.
وفي غزة عندما اعتقل أحد موظفي الصحة خرجت الإشاعات بأن العشرات متورطين، وبأن قائمة العملاء طويلة وليست قصيرة، وهذا ديدن أجهزة المخابرات تحرص على إقناعكم بأن أكثر الناس عملاء وجواسيس، هذا غير صحيح أنتم لوحدكم داخل مجتمع، وبعد المؤتمر الصحفي تبين أن المعتقل من وزارة الصحة لا يوجد غيره، وهو الآن لوحده في الزنزانة يكلله الخزي والعار، تخلى عنه أهله وتخلت عنه سلطة رام الله، وترك وحيداً ليواجه مصيراً لن يكون أفضل من مصير غيره.
الفرص لا تتكرر ومن يضبط متلبساً فلن يغسل عاره شيء وإن لم يكن أمرك قد كشف وقد فعلت ما فعلته، ففرصتك كبيرة أن تترك العمل الآن وأن تتوقف عن التعامل، سيهددوك؟ سيبتزوك؟ لا تخف منهم يمكنك التملص منهم بألف طريقة وطريقة، قل لهم لا أعلم ولا أعرف، أنت بمثابة الموظف لديهم، ألا يطرد الموظف من عمله إن كان كسولاً ولا يقوم بما يطلب منه؟
هل سمعت أن المخابرات فضحت أحداً من الذين تركوها؟ بكل تأكيد لا، فلن تفعلها المخابرات لأنها إن قالت أن "فلاناً كان عميل لدينا وأننا نريد فضحه لأنه ترك" فستجشع غيره على الترك، وإن قالت "فلان عميل لدينا" (وزعمت كاذبة أنه ما زال يعمل لكي تشوهه) فهي ستخيف العملاء النشيطين وستردعهم عن مواصلة الطريق، في كل الأحوال المخابرات لا تستطيع حرق نفسها ولا تستطيع فضح أي عميل.
إذن لم يتبق لكم العذر فإن لم تكونوا تجرؤوا على المكاشفة وتسليم أنفسكم للجهات المختصة، وإن لم تكونوا قادرين على الترك والتوقف عن العمالة، وإن لم تستطيعوا التكاسل والتلكؤ بتنفيذ ما هو مطلوب منكم، فهذا يعني أنكم مصرين على خراب بيوتكم وخسارة دنياكم وآخرتكم، فهل هذا ما تريدونه؟ إلى متى تدفنون رؤوسكم في الرمال وتظنوا أن تجاهلكم لخطورة الأمر يشكل حماية لكم؟ تجاهل حقيقة أنكم ستقعون وتفضحون أنفسكم لا يعني أنكم لن تقعوا، ليس بأمانيكم تسير الحياة، كفى لدفن رؤوسكم في الرمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق