يعقد بعد حوالي أسبوع أيام لقاء في دمشق بين حركتي حماس وفتح من أجل بحث الملف الأخير العالق من ملفات المصالحة الفلسطينية، وهو ما يسمى بالملف الأمني، بعد أن حلت بقية نقاط الخلاف التي أخرت التوقيع على الورقة المصرية والمضي قدماً في المصالحة.
وتأخير الملف الأمني لم يكن عبثاً ولا صدفة، بل لا نبالغ إن قلنا أن الملف الأمني هو عقدة العقد وهو السبب الرئيسي لكل ما وقع بين حماس وفتح من صراع منذ انتخابات عام 2006م؛ صحيح يوجد خلافات وتنافس بين التنظيمين على قيادة الشعب الفلسطيني، وصحيح أنه سبق وأن وقعت بينهما صدامات ومواجهات في أكثر من مناسبة وذلك منذ أيام الانتفاضة الأولى (وهنا نتذكر مواجهات عامي 1990م و1991م بين الحركتين)، لكن كلها قضايا يمكن حلها ويمكن الوصول إلى حلول وسط والتعايش معاً وإن كان على مضض.
أما الملف الأمني فيختلف عن غيره لأن له ارتباط بجهات خارجية غير فلسطينية، فالملف الأمني مرتبط بالاحتلال الصهيوني، وذلك لأن الاحتلال الصهيوني نجح بتحويل العلاقة بينه وبين السلطة إلى علاقة أمنية، ونجح بتحويل القضية الفلسطينية إلى معادلة توفير الأمن للصهاينة مقابل الراتب، ففي الوقت الذي تتجمد فيه المفاوضات ولا يتحقق شيء بين السلطة وحكومة الاحتلال يستمر التنسيق الأمني بشكل سلس وبدون أي عراقيل.
فالسلطة الفلسطينية حريصة على الإيفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه الاحتلال الصهيوني، وهذا يعني استمرار مطاردة المقاومين، واستمرار اعتقالهم، واستمرار تقديم المعلومات للمحتل الصهيوني، وهذا يعني بالضرورة بقاء أبناء حركة حماس في سجون السلطة، وتقييد حركتهم وحركة المقاومين في الضفة الغربية بشكل كبير، وهذا يعني أن حماس لن تحصل على شيء من المصالحة مقابل تنازلات تقدمها للسلطة وحركة فتح.
ولا تظهر حركة فتح أي جدية في التوقف عن التنسيق الأمني حتى عندما يصرح شخص مثل حاتم عبد القادر بأن فتح ستقدم المصالحة على التنسيق الأمني في حال تعارضهما معا، فهذا يعني أنه يقبل بالتنسيق الأمني، والسؤال الذي نطرحه على حاتم عبد القادر وغيره لماذا التنسيق الأمني من أساسه؟ التنسيق الأمني كما عهدناه منذ قدوم السلطة يعني تقديم المعلومات الاستخبارية للمحتل الصهيوني، وتعني اعتقال "المطلوبين" للاحتلال الصهيوني، ومؤخراً باتت تعني القيام بأعمال استباقية لمنع أي عملية ضد المحتل الصهيوني.
وقبل أيام صدر بيان عن حركة فتح أقليم بيت لحم يستنكر زيارة أشكنازي للمدينة واجتماعه مع المسؤولين، واستهجن البيان "لقاءات غير أمنية جرت في عتصيون، من بينها إفطار جماعي في رمضان حضره عدد من المسؤولين الفلسطينيين،" وكأن اللقاءات الأمنية مبررة، وكأن التنسيق الأمني مسموح لكن ليبقى أشكنازي بعيداً ولا يزورنا.
إن مشاركة مسؤولين في السلطة بإفطارات جماعية في مستوطنة صهيونية لهو أمر مقزز وعديم الذوق تماماً، نتفق في ذلك مع حركة فتح، لكن التنسيق الأمني أسوأ من ذلك بكثير لأنه يعرض حياة الناس للخطر، ويعرض حياة المقاومين للخطر مثلما حصل مع الشهيدين نشأت الكرمي ومأمون النتشة والذين ساهمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالكشف عن هويتهما وعن تسريب معلومات عنهما إلى الصهاينة، والتنسيق الأمني يزج بخيرة الشباب في سجون السلطة وسجون الاحتلال لتضيع سنوات غالية من عمرهم، وأخيراً التنسيق الأمني يحول حركة فتح وأجهزتها الأمنية إلى جيش لحد من حيث يدرون أو لا يدرون.
بناء على ما سبق أشك في نجاح لقاء دمشق نظراً لحرص حركة فتح والسلطة على إبقاء علاقة التنسيق الأمني مع الصهاينة، فرغم تعطل كل شيء بين السلطة والكيان الصهيوني إلا أن التنسيق الأمني مستمر ولم يقطع يوماً واحداً حتى في ذروة سنوات انتفاضة الأقصى، وبقاء التنسيق الأمني يعني الآتي:
1- عدم اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في الضفة، ستبقى نسبة كبيرة منهم معتقلين لأن اعتقالهم هو استحقاق يقدم للصهاينة.
2- رفض إشراك أبناء حماس في الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية ورفض إعادة بنائها.
3- سعي فتح للعودة إلى ممارساتها السابقة في قطاع غزة، من خلال عودة أجهزتها الأمنية إلى القطاع، وستكون البداية من خلال الاكتفاء برفع التقارير الأمنية إلى الصهيانة والتجسس على المقاومة لتطور لاحقاً وتصبح مضايقة للمقاومة إن سمحت الأمور بذلك.
بدون ذلك فالصهاينة والأمريكان سيمنعوا محمود عباس من قبول الاتفاقية، وحتى لو وقعت فلن تطبقها الأجهزة الأمنية، فهل السلطة قادرة على مخالفة ما يأتيها من الصهاينة؟ ما نراه من مواقف وممارسات خطيرة تتم في الضفة الغربية تثبت أن الأجهزة الأمنية لا تقودها فتح ولا محمود عباس ولا حتى دايتون وفياض لهما تلك القوة والتأثير على تلك الأجهزة مقارنة بما يملكه ضباط الارتباط الصهاينة، لأن هنالك ثقافة معششة في عقول الأجهزة الأمنية أنه لكي تسير الأمور يجب أن يثبتوا ولاءهم واخلاصهم للصهاينة.
لكي تسير المصالحة قدماً يجب أن تسحب فتح الحاضنة الشعبية للأجهزة الأمنية في حال رفضت الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، ويجب قبل ذلك أن تتمسك بما يتم التوصل إليه بخصوص الأجهزة الأمنية وأن تتحدى الصهاينة والأمريكان، وأن ترفض شروطهم وضغوطهم.
وفي المقابل على حماس أن لا تحرج فتح بطلباتها، فلا أظن (مثلاً) أنه من الضروري الاصرار على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بالضفة لأن ذلك غير ممكن في ظل الظرف الراهن، يكفي حماس تحقيق أمرين اثنين: اطلاق أبنائها من سجون السلطة في الضفة، والسماح لها بممارسة نشاطها في الضفة كما كان سابقاً، لا يجب أن تثقل حماس بشروطها حتى وإن كانت شروطاً عادلة.
عند النزول إلى مستوى التفاصيل ستجد حماس نفسها أمام الكثير من النقاط التي من الممكن أن تفجر المصالحة، والأصل أن تتحلى بمرونة فالضغط الممارس على فتح كبير جداً، وفتح أمام خيارين: إما العودة إلى المعسكر الوطني الفلسطيني أو الاستمرار بالارتماء في الحضن الصهيوني، والخيار الثاني مدمر لحماس ولفتح وللشعب الفلسطيني، وبالتالي يجب أن توفر حماس الأجواء المناسبة لفتح كي تعود إلى المعسكر الوطني، وهذا يعني عدم التمسك بكل المطالب والاقتصار فقط على التمسك بما هو مهم وضروري: رفع الحظر عن نشاط حماس بالضفة، اطلاق سراح الأسرى، والاشتراط بأن تكون عملية إعادة بناء الأجهزة الأمنية في غزة على أسس تضمن عدم تكرار تجربة الضفة الغربية من ممارسات معادية للشعب الفلسطيني ومقاومته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق