يوم الأحد: خروج مسيرة شمال بيت لحم، المسيرة ضمت نشطاء أجانب وفلسطينيون بينهم قياديون في حركة فتح. اصطدم المتظاهرون مع قوات الاحتلال واعتقل ستة عشر متظاهراً بينهم عضو اللجنة المركزية بالحركة عباس زكي.
يوم الأثنين: خروج مسيرة في نفس المنطقة إحياء ليوم الأرض (والذي يصادف يوم الثلاثاء 30/3)، واحتجاجاً على اعتقال عباس زكي، ومرة أخرى كانت قيادات فتحاوية ضمن المسيرة، وهذه المرة تطورت المواجهات ليرافقها رشق قوات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة وقامت قوات الاحتلال بالرد وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع.
اللافت والصادم بأحداث يوم الأثنين أن الأجهزة الأمنية للسلطة تدخلت لتمنع المتظاهرين من رشق قوات الاحتلال بالحجارة، واعتدت عليهم بالضرب كما اعتدت على الصحفيين الذين كانوا يغطون المواجهات بالضرب المبرح وكأنهم لا يريدون أن يوثق أحد ما المواجهات مع قوات الاحتلال، كأن المطلوب هو إظهار أهل الضفة على أنهم خانعين راضين بالاحتلال وجرائمه.
لو كانت المسيرة لحركة حماس، أو لو كانت المسيرة احتجاجاً على جريمة ارتكبها الاحتلال بحق أحد قادة حماس، أو لو كانت المسيرة احتجاجاً على جرائم الاحتلال وكان أغلب المشاركين فيها من حركة حماس، لقلنا أن الأمر سببه الانقسام، ولعن الله الأنقسام ومن كان سبباً فيه وفي ادامته، ولقلنا أن الحل هو تنازل الطرفين (فتح وحماس) وعقد المصالحة بأي ثمن كان.
لو كنا نتكلم عن اطلاق نار أو عمليات استشهادية أو عبوات ناسفة لقلنا أنها تعارض سياسة رئيس السلطة في رام الله وتعارض سياسة حركة فتح، التي تعتقد أن العمل المسلح في هذه المرحلة يضر ولا ينفع. لكن المسيرة هذه المرة كانت بريئة من حماس براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وكان عدد كبير من المشاركين فيها من حركة فتح واحتجاجاً على اعتقال قيادي بالحركة، والتزمت المسيرة بالمقاومة الشعبية التي طالما روجت لها السلطة على أنها الحل والخيار المناسب.
أنا أدرك أن قسماً كبيراً من قواعد حركة فتح الشعبية تغلي ضد الاحتلال، وخصوصاً في ظل انسداد العملية السياسية، وأقر بأن أبناء فتح شاركوا بمسيرات ومواجهات ورشق بالحجارة ضد قوات الاحتلال في الضفة الغربية جنباً إلى جنب مع أبناء حركة حماس، وأن أغلب طلبة المدارس والشباب الذين قادوا هذه المواجهات لم تكن تعنيهم الانقسامات السياسية ولم تؤثر على قرارهم التصعيد ضد الاحتلال، بالرغم من أن لكل منهم توجه وهوى سياسي.
لكن كل هذا لا يبرئ حركة فتح من ما تقوم به السلطة، ما حصل في شمالي بيت لحم يثبت أن الأجهزة الأمنية لا تحارب حماس لأنها حماس، بل تحارب كل من يفكر بمقاومة الاحتلال سواء كانت مقاومة شعبية أو مقاومة مسلحة، وحركة فتح بسكوتها عن تجاوزات الأجهزة الأمنية المتتالية بحجة أن الوقت هو وقت مواجهة حماس، إنما تساهم بخطايا الأجهزة الأمنية.
إن العمل المقاوم الذي تقوم به حركة فتح من خلال مشاركتها الفعاليات الشعبية لا يستحق إلا كل الاحترام من جانبنا، لكن خلط العمل المقاوم بالقمع الأمني، لا يجعل من التنسيق الأمني عملاً وطنياً أو مقبولاً، تماماً كما أن خلط الخمر بماء زمزم لا يجعل منه شراباً طيباً يحل شربه.
ارجو من قيادات حركة فتح الميدانية أن تتنبه لما يحصل على الأرض، فبعد تنحية الآلاف من أبناء الحركة من الأجهزة الأمنية، وتشكيل حكومة فياض التي همشت الحركة داخل السلطة، اليوم انتقلت السلطة لقمع المظاهرات التي تشارك بها الحركة، وأذكرهم بـ"أكلت يوم أكل الثور الأخضر."
لا نريد من جماهير حركة فتح أن تغير سياستها أو مبادئها، ولا نريد منها أن تحل السلطة ولا أن تحارب الأجهزة الأمنية، لكن نأمل من قواعد الحركة الشعبية أن يستمروا بالعمل المقاوم الشعبي وأن لا يخضعوا لإرهاب الأجهزة الأمنية، وليكن لهم موقف مبدئي مدين لما تقوم به هذه الأجهزة، وليتذكروا أن كل تضحياتهم تشوش عليها وتقوم بتشويهها ممارسات الأجهزة الأمنية وتجاوزاتها.
ربما الانقسام الفتحاوي الحمساوي يصعب إصلاحه، لكن مقاومة الاحتلال ممكنة وواجبة، وهذا ما نأمله من حركة فتح ونتوقعه منها، فالأقصى ليس لحماس ولا حتى للشعب الفلسطيني، والأصل أن نتوحد جميعاً للنضال ضد الاحتلال وضد الخطر الذي يهدد الأقصى، وإن كانت الوحدة غير ممكنة فأضعف الإيمان أن لا نسمح للانقسام بأن يمنعنا من الدفاع عن الأقصى وعن حقوق شعبنا الفلسطيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق