كشف لنا الهجوم الإماراتي – السعودي على قطر أبعاد
الصراع حول الثورات العربية، وسنعمل خلال هذا المقال على فهم الصراع وأبعاده
المختلفة، ونحاول استقراء المستقبل في ضوء الهجوم على قطر.
بداية سنتكلم عن الأطراف المتصارعة في
المنطقة العربية منذ انطلاق الثورات العربية، ونحاول فهم كل منها، ثم سنتكلم عن دور
قطر في الذي يحصل، وبعدها سنتكلم عن سبب استهداف الإخوان المسلمين وتحالف الكثير
من الأطراف ضدهم، وأخيرًا سنتطرق إلى مستقبل المنطقة العربية.
الأطراف الفاعلة في الثورات العربية:
تبلور النظام العربي الحالي في المائتي عام
الأخيرة كاستمرارية لعهد الاستعمار، وأغلب الأنظمة العربية مرتبطة فكريًا وسياسيًا
واقتصاديًا بأحد القوى الاستعمارية (وأمريكا هي المسيطرة على المشهد في العشرين
عام الأخيرة)، وجاءت الثورات العربية من أجل تحقيق هدفين: محاربة الهيمنة
الاستعمارية، ومحاربة منظومة الاستبداد والفساد في الدول العربية.
ولهذا كان من الطبيعي والمتوقع أن يكون هنالك
رد فعل رافض للثورات من جانب النظام العربي التقليدي الذي يمثل المنظومة المستفيدة
من الاستبداد والفساد، ومن جانب القوى الاستعمارية الغربية التي تخشى من فقدان
هيمنتها الاستعمارية.
لفهم المشهد أكثر سنقسم الأطراف الفاعلة إلى
الفئات الآتية:
تحالف الثورات العربية:
ويقف في محوره التيار الإسلامي الذي وجد نفسه
المستفيد الأكبر من الثورات العربية، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين وشبكة
تحالفاتها التي تضم تركيا وقطر بشكل أساسي بالإضافة للسودان وجماعات إسلامية
معتدلة وبعض الليبراليين العرب الذين يؤمنون بالتعايش مع الإسلاميين مثل المفكر
عزمي بشارة.
وهذا التحالف وإن كان يملك حضورًا جماهيريًا
قويًا إلا أنه يفتقد للإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الأنظمة العربية التقليدية،
سواء كان على الصعيد العسكري أو المالي أو البيروقراطية الحكومية.
كما سعت الجماعات السلفية الجهادية لاستغلال
الثورات العربية من أجل مشاريعها الخاصة، فإن كانت تتقاطع مع الثورات العربية برفض
النظام العربي التقليدي إلا أنها تتبنى مشاريعًا خاصة بها، بعيدًا عن العودة لخيار
الشعب والديموقراطية وهي على رأس مطالب الثورات العربية.
تحالف الأنظمة العربية التقليدية:
ويمكن الكلام عن فئتين من الأنظمة العربية
التقليدية، الأولى وهي صقور النظام العربي التقليدي أو ما يطلق عليه الثورة
المضادة، وتقودها الإمارات والسعودية ومصر والأردن، وتعتبر الثورات العربية
خطرًا وجوديًا، ووضعت جماعة الإخوان المسلمين وشبكة تحالفاتها عدوها الأول
والأخطر، وترفض أي حلول وسط مع تحالف الثورات العربية وتسعى للقضاء عليها نهائيًا.
أما الفئة الثانية من الأنظمة العربية فإن
كانت تنظر بتوجس ورفض للثورات العربية، إلا أنها لا تتعامل معها كأنها تهديد
وجودي، وتؤمن بقدرتها على احتواء آثار الثورات، ومن الأمثلة عليها الجزائر والمغرب
وإلى حد ما الكويت.
التحالف الإيراني:
ويضم إيران والنظامين السوري والعراقي
والمليشيا الموالية لإيران في المنطقة العربية، بالإضافة لقسم كبير من التنظيمات
القومية واليسارية العربية.
وكان التحالف الإيراني متشجعًا من الثورات
العربية في البداية معتقدًا أنها فرصة لضرب خصومه التقليديين في الخليج، إلا أن
اندلاع الثورة السورية وهيمنة الإخوان المسلمين على المشهد وتصدرهم للعديد من
الثورات العربية، بالإضافة لصعود التيار السلفي (بكافة تنوعاته) وخطابه العدائي
للتحالف الإيراني، دفع هذا التحالف للنأي عن الثورات العربية واتخاذ موقفًا
معاديًا لها.
وبدا التحالف الإيراني في الفترة الأخيرة
متحالفًا تكتيكيًا (أي لفترة مؤقتة ومصالح محدودة) مع تحالف الثورات المضادة، في
العراق وسوريا وحتى في اليمن نرى تحالف الاشتراكيين مع الإماراتيين للتآمر من أجل
تقسييم اليمن، وعدم رغبة السعودية والإمارات في القضاء على الحوثيين بل تحجيمهم،
وكلها مؤشرات على تحالفات تكتيكية بين الجانبين.
كما تمثل مصر نقطة تحالف أخرى بين الجانبين
تتجلى في تحالف القوميين واليساريين والتيار العلماني مع الانقلاب والسيسي.
القوى الغربية:
وتمثلها بشكل رئيسي أمريكا وتليها فرنسا
وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهذه القوى لا تملك موقفًا واحدًا تجاه الثورات
العربية، ولفهم المواقف الغربية تجاه الثورات العربية سأقسمها إلى ثلاثة تيارات
رئيسية:
الأول: اللوبي الصهيوني واليمين الغربي بجناحيه المحافظ
والفاشي العنصري، بحيث نلمس تحالفًا غريبًا بين اللوبي الصهيوني والجماعات الفاشية
ضد ما يعتبرونه الخطر الإسلامي، ورفضهم بالتالي أي تفاهم مع تحالف الثورات العربية
وبالتحديد الجماعات الإسلامية بما فيه المعتدلة، وهم يلتقون هنا مع صقور الأنظمة
العربية التقليدية (الثورة المضادة).
وتحالف اللوبي الصهيوني مع الجماعات الفاشية
غريب لأنه تحالف بما يخص العالم العربي والإسلامي فقط، بينما في السياسات الداخلية
بالدول الغربية فالجماعات الفاشية معادية للوجود اليهودي، و لمسنا هذا التناقض في
الانتخابات الأمريكية الأخيرة فمن ناحية كان اللوبي الصهيوني يدعم بكل قوة ترمب
بسبب دعمه اللامحدود للكيان الصهيوني، ومن ناحية أخرى كانت الجماعات اليهودية
الأمريكية متوجسة من ترمب خوفًا من الجماعات العنصرية المعادية لليهود في أمريكا
والمتحالفة مع ترمب.
ويمثل ترمب اليوم رأس حربة هذا التيار الذي
تحركه بالدرجة الأولى مصلحة الكيان الصهيوني، والقائمة على ثلاثة ركائز: معاداة
الجماعات الإسلامية بكافة أشكالها، ورفض الديموقراطية في العالم العربي، وإدامة
الحروب والصراعات العربية الداخلية بدون أي حسم.
الثاني: وتمثله المؤسسة الرسمية في أمريكا والغرب عمومًا، وهو
تيار يميل إلى الحذر والمحافظة في التعامل مع الوضع في المنطقة العربية، فهو يدعم
الكيان الصهيوني ويدعم الأنظمة العربية التقليدية، لكنه لا يحبذ التغيرات المفاجئة
ويؤمن بأن السياسات التقليدية هي الأفضل.
وهذا التيار وإن كان يرفض الجماعات الإسلامية
ويتوجس من الثورات العربية، لكنه لا يعتبرها تهديدًا وجوديًا (باستثناء القاعدة
وداعش والجماعات السلفية الجهادية).
وكان هذا التيار يفضل انتظار نتيجة الثورات
العربية قبل اتخاذ مواقف نهائية وحاسمة، إلا أن تعثر الثورات وصعود داعش وجبهة
النصرة في سوريا، جعله أكثر ميلًا لمعاداة الثورات ودعم الأنظمة العربية
التقليدية.
ويعتبر أوباما أبرز ممثلي هذا التيار
بالإضافة لكبار الموظفين في المؤسسة الحاكمة الأمريكية، وأغلب الأحزاب الحاكمة في
أوروبا.
الثالث: وكانت تمثله هيلاري كلنتون أثناء وجودها في وزارة
الخارجية، والسيناتور الأمريكي جون ماكين، وقسم من الأحزاب اليسارية الأوروبية
وعلى رأسها حزب العمال البريطاني تحت قيادة جيرمي كوربن.
ويؤمن هذا التيار بأنه ليست من مصلحة الغرب
معاداة الشعوب العربية وخياراتها المختلفة، وأنه يجب التكيف مع نتائج الثورات
العربية، وأنه هنالك مجال للتفاهم مع قسم من الجماعات الإسلامية المعتدلة، وأنه لا
داعي للاستماتة في الدفاع عن الأنظمة العربية التقليدية الفاسدة حتى لا
يتحمل الغرب وزر ذلك كراهية وعداء من المجتمعات العربية.
وأن الأموال التي تضيع بسبب الفساد في الدول
العربية يمكن استثمارها وتحسين الوضع الاقتصادي في هذه الدول، وبالتالي تخف أسباب
"انتشار التطرف" كما يعتقد هذا التيار، وتخف معدلات الهجرة غير الشرعية
إلى الغرب.
وتضاءلت قوة هذا التيار بعد اندلاع الثورة
السورية وصعود جبهة النصرة وداعش للواجهة، وخروج كلينتون من وزارة الخارجية.
الدور القطري:
يعد دور قطر محيرًا للكثيرين فمن ناحية توجد
فيها قواعد عسكرية أمريكية، ومن ناحية أخرى لها علاقات تحالف قوية مع الجماعات
الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين.
اختارت قطر لعب دور الوسيط بين الجماعات
الإسلامية والغرب، وقدمت نفسها على أنها قادرة على تهذيب هذه الجماعات، ومن
الناحية الأخرى تؤمن قطر بأن المستقبل لهذه الجماعات في المنطقة العربية وبالتالي
لا بد من مجاراتها بدلًا من عدائها.
وحاولت تسويق نظرتها هذه في الغرب بالتعاون
مع التيار الذي يؤمن بالقدرة على التعايش مع الجماعات الإسلامية (المذكور أعلاه)
ولاقت نجاحًا إلى حد ما، كما أنها تعمل بالتناغم مع تركيا (أردوغان).
ولم تقتصر تحالفاتها مع الإخوان المسلمين بل
امتدت لطالبان والجماعات السلفية الجهادية مثل جبهة النصرة، وتستضيف عباسي مدني
الرئيس الأسبق لجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر.
بل حاولت في فترة معينة احتواء داعش
والاستفادة منها، إلا أن عبثية وعدمية داعش واختيارها مواجهة تركيا وقبل ذلك
محاربة الجيش السوري الحر وجميع التشكيلات الثورية السورية بما فيه جبهة النصرة،
أفشلت محاولة الاحتواء هذه.
ولهذا كانت النظرة تجاه الدور القطري جدلية
بين من يرى قطر تخدم أمريكا والغرب عبر احتواء الحركات الإسلامية
و"تدجينها"، ومن يراها تقدم خدمة لهذه الحركات من خلال الدعم المادي
وتوفير المأوى لبعض قادتها ورموزها ومساعدتها في تقبل العالم لها.
ولا شك أن الأحداث الأخيرة ومحاصرة قطر تثبت
أن الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان وحماس، كانت الأكثر استفادة من هذه
العلاقة، خاصة من وجهة نظر اللوبي الصهيوني واليمين المحافظ في الغرب اللذان يضعان
على رأس الشروط الاعتراف بالكيان الصهيوني ومحاربة الفكر الإسلامي.
وهنا التقت وجهة نظر ترمب واللوبي الصهيوني
مع أنظمة الثورات المضادة، فهم لا يريدون أن توفر قطر أي إسناد أو دعم للجماعات
الإسلامية أو الثورات العربية، حتى يتمكنوا من القضاء عليها في ليبيا واليمن
وإعادة احتلال غزة، وضمان عدم استعادة إخوان مصر لنشاطهم وقوتهم.
لماذا استهداف الإخوان المسلمين؟
والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو لماذا
استهداف الإخوان المسلمين، خاصة وأنها مجرد جماعة متناثرة في عدة دول عربية؟
يلخص الإجابة رئيس الشاباك الصهيوني السابق
آفي ديختر في محاضرة ألقاها عام 2015م بأن الإخوان المسلمين أخطر من تنظيم داعش،
لأن الإخوان أكثر تجذرًا من تنظيم داعش الذي اعتبره تنظيمًا مستجدًا ولم يستقر على
أيديولوجيا ثابتة.
وأهمية كلام ديختر أنه يمثل التيار السياسي
الحاكم في الكيان الصهيوني واللوبي الصهيوني في الغرب، كما أنه يعبر عن لسان حال
أغلب خصوم الإخوان المسلمين.
فمشكلتهم مع الإخوان المسلمين هي شبكة علاقات
الإخوان المتشعبة، وشعبيتها الواسعة، وماكنة الإخوان التنظيمية وقدرتها على بناء
هياكل تنظيمية فعالة، فلو ترك للإخوان المسلمين حرية العمل فستتضاعف قوتهم بحيث لا
يتمكن خصومهم من مجاراتهم.
ولهذا يفضل التحالف الإيراني (المذكور أعلاه)
الأنظمة العربية التقليدية على الإخوان، لأن هذه الأنظمة ضعيفة وهشة من الداخل.
ولهذا تعتبر أنظمة الثورات المضادة معركتها
مصيرية ضد الإخوان، لأنها لا تستطيع مجاراتها في العمل المؤسسي أو الانتشار
الجماهيري، وسرعان ما ستجد نفسها خارج اللعبة.
صحيح أن هنالك أوجه قصور في العمل المؤسساتي
داخل الإخوان المسلمين (وبدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى)، إلا أنهم متقدمين
بفارق كبير مقارنة بالقوى السياسية المافسة في عالمنا العربي، حيث أن هذه القوى
المنافسة ما زالت تعيش في عصر القبيلة والعلاقات العشائرية، بما فيه القوى التي
تعتبر نفسها تقدمية وحداثية.
وهذا ما مكن حماس من إدارة قطاع غزة واحتواء
عدد كبير من الفصائل العسكرية بكافة ألوانها (ابتداء بالسلفية الجهادية عند لجان
المقاومة الشعبية وانتهاء بالماركسية اللينية عند الجبهة الديموقراطية)، ومكن
الإخوان (حزب الإصلاح) في اليمن من المناورة والصمود وسط الاستهداف من جانب
الحوثيين والإمارات في آن واحد، ومكنهم من الصمود في ليبيا عبر شبكة تحالفات جعلت
لهم الكلمة العليا في مناطق حكومة الوفاق رغم أن رأسها ليس منهم.
القدرة التنظيمية العالية للإخوان المسلمين،
وشبكة تحالفاتهم، والقبول الجماهيري لفكرهم الوسطي، يضاعف من قوتهم في وجه خصومهم،
لهذا لجأ اللوبي الصهيوني وأنظمة الثورات المضادة، إلى حرمان الإخوان من نقاط
قوتهم: فلا عمل مؤسسي، ولا تمويل، ولا انتخابات.
وإن كان الإخوان يمتلكون مهارات مناورة عالية
إلا أنهم ارتكبوا بعض الأخطاء، ولعل أكبرها كانت في الثورة المصرية، عندما اعتقدوا
أن النظام (الدولة العميقة) سيقبل التخلي عن تحكمه بالمجتمع والدولة من خلال
الوسائل السلمية (الانتخابات والمظاهرات) بدون تقديم الإخوان تنازلات كبيرة للدولة
العميقة.
كما يفتقر الإخوان لنظرية ثورية لمواجهة
الواقع الجديد الذي يفرض عليهم، ويريد حرمانهم من العمل المؤسسي والجماهيري، ويريد
ضربهم باستخدام كافة وسائل القوة.
في ضوء المعادلة السابقة فإن ترك الإخوان
بدون القضاء عليهم سيعطيهم دفعة قوية للأمام تفقد خصومهم الأمل في الانتصار، وفي
المقابل فوضع الإخوان الحالي هش ويغري بالقضاء عليهم، ثم التفرغ لملء الفراغ من
بعدهم.
المنطقة العربية إلى أين؟
يبدو أن الإمارات والسعودية واللوبي الصهيوني
تسرعوا في خطواتهم ضد قطر وحماس، وهذا أحرج المؤسسة الرسمية في أمريكا التي لا
تريد الدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج.
وتتصرف أطراف الثورة المضادة بعقلية المقامر
الذي يريد المراهنة بكل شيء، من أجل انتصار حاسم يجعلهم يحصدون كل شيء، كما
يأملون.
إلا أن التصريحات المتعجلة للجبير والتي فضحت
نوايا السعودية والإمارات عندما اشترط علنًا وقف دعم قطر لحماس، واحتفال الصهاينة
وترمب بالحصار القطري، قد خرب كثيرًا على هجومهم.
وقد نرى تغيرًا من جانب التحالف الإيراني في
طبيعة التحالفات، فإن كانت إيران لا ترغب برؤية الإخوان منافسين لها في الساحة
العربية، إلا أنها ترتعد خوفًا من أن تكون الهدف التالي لقطر، خاصة وأن ترمب
توعدها مرارًا.
ما زالت المواجهة غير محسومة لحد الآن وهنالك
نقاط قوة لصالح قطر، ويقابلها نقاط قوة لصالح الدول التي تهاجمها، لكن مجال
المناورة أمام قطر واسع نسبيًا خاصة أنه لا يوجد اجماع غربي على هذه الهجمة ضدها.
في حال استطاع تحالف الثورات المضادة الإضرار بقطر بشكل كبير، فهذا
سينعكس سلبًا على الإخوان المسلمين وحماس، ويدفع المؤسسة الرسمية في الغرب لتبني
هذا الخيار وسيصبح أمرًا واقعًا، كما سينعكس بشكل مدمر على القضية الفلسطينية،
ويعزز من قبول الكيان الصهيوني في المنطقة العربية.
وفي حال فشل الهجوم على قطر من إحداث أضرار ملموسة سيكون وضع تحالف
الثورات المضادة هشًا، لأنه حرق أوراقه وكشف نفسه عندما جاهر بمحالفته للوبي
الصهيوني، وفي هذه الحالة مثلما استغل أردوغان الانقلاب الفاشل ليتخلص
من خصومه داخل تركيا، فيجب استغلال أخطاء تحالف الثورات المضادة من أجل شن هجوم
معاكس، ونحن نتكلم عن عمل على مستويات عدة: إعلامية وسياسية وثورية.
فنحن أمام تحالف شرس وضع نصب عينيه تصفية قطر
وتركيا والإخوان المسلمين وشبكة تحالفاتهم بأكملها مهما كان الثمن، وبالتالي ليس
المطلوب فقط امتصاص الصدمة حاليًا، بل التفكير برد الهجوم لأن الطرف المقابل لن
ييأس وسيعاود الكرة وربما تكون على شكل حرب ضد غزة، فهنالك في حكومة الاحتلال من
يؤمن بالقدرة على احتلال غزة.
ومن المهم أيضًا أن يصيغ الإخوان المسلمون
نظرية ثورية للتصدي لأنظمة هي امتداد للاستعمار الغربي، كما أنها غير قابلة للإصلاح
أو التغيير السلمي أو الحلول الوسط، وأتكلم بشكل خاص عن النظام المصري وأنظمة
الثورة المضادة عمومًا.
كما يجب عليهم ابتكار وسائل عمل بديلة في ظل
حظر مؤسساتهم والحصار المالي والسياسي المفروض عليهم، حتى لا يبقوا رهائن لوسائل
عملهم التقليدية التي أصبحت محل استهداف أنظمة الثورة المضادة.
هناك تعليق واحد:
الخطأ الأكبر هو التنازل عن المبادئ والركون إلى الظالمين من أجل مكاسب مرحلية. وإذا كانت فتح تتعرض للانتقاد من أجل ذلك وهي تحت الاحتلال فانتقاد الثوار عندما كانوا في مجلس الشعب وعند تولي محمد مرسي الرئاسة وانتقاد تركيا وقطر أولى. فالعدو لن يثق بأن هذه التنازلات حقيقية، وسيعتبرها من باب التقية أو "تمسكن حتى تتمكن"، وهو في نفس الوقت يحاسب على الماضي والتاريخ حتى لو كانت التنازلات حقيقية، ولا يتوقف عن المطالبة بمزيد من التنازلات. أما الصديق فسيجد صعوبة في التوفيق بين المبادئ التي نشأ عليها وبين التنازل عنها، فقد يتحول مبررا للأمر ونقيضه، أو يترك المتنازلين، ربما لمن هو أسوأ منهم خاصة إذا كان عاجزا عن العمل الفردي والتفكير المستقل.
وفي كل الأحوال فإن من يؤيد ظالما واحدا خوفا أو طمعا قد يصيبه جزاؤه من ذات الظالم الذي أيده أو من نفس جنس الظلم الذي سانده. لا فرق في ذلك بين من وقف مع حاكم البحرين ضد اعتصام شعبي بحجة أنه شيعي، أو وقف مع حاكم مصر ضد اعتصام شعبي بحجة أنه إخواني، أو وقف مع من يقصف مدنيين في حلب أو إدلب أو غزة أو الموصل أو سيناء أو دارفور أو الباب أو صنعاء أو بنغازي أو قندز، بحجة أنهم كانوا دروعا بشرية أو أنهم أصيبوا بغير قصد. أو وقف مع حاكم تركيا الذي وصف حركة الخدمة بالإرهابية، أو وقف مع حكام مصر والسعودية والإمارات والبحرين الذين وصفوا جماعة الإخوان وحماس بالإرهابية، بحجة أنه يثق بالحاكم وسياسته؛ فلا مصداقية في محاربة الإرهاب لمن لا يعتبر الصهاينة وحلفاءهم إرهابيين.
فإن أشد الظلم هو الإرهاب الصهيوني. ومن يتحالف معه أو مع النظام الأمريكي أكبر مموليه فلينتظر عقوبته، وليبحث عند حلولها عليه عن ولي أو نصير. وهي إن حلت عليه فلا حل له حينئذ إلا إيقاف التنازلات والعودة إلى سبيل الحق ووضع الصهاينة وحلفائهم في رأس قوائم الإرهاب.
إرسال تعليق