يخوض الأسرى اليوم السبت 25/9/2010م اضراباً عن الطعام تحذيري في أغلب سجون الاحتلال، ضمن سلسلة خطوات تصعيدية ضد ما تسمى مصلحة السجون الصهيونية، وهو حدث ليس بالجديد على أسرى المقاومة الفلسطينية والذين يخوضون صراع ارادات لا ينتهي منذ بدء الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م.
حيث أراد المحتل الصهيوني أن يجعل من السجون مكاناً لقمع المقاوم والمناضل الفلسطيني وإخافته بحيث يصبح غير راغب في العودة للعمل المقاوم وتحييده عن ساحة النضال. بينما في المقابل يواجه الأسرى هذه الإجراءات بتحدي، ويصرون على عدم الخضوع لقوانين السجن والسجان في تحد صارخ وصريح للقمع الصهيوني، مما يساهم بالإبقاء على معنويات عالية للمعتقلين، بحيث لا يخرجون من السجن إلا لكي يكملوا مسيرة الجهاد ومقاومة المحتل.
يأتي الإضراب والخطوات التصعيدية رداً على تصعيد مصلحة السجون الصهيونية ضد الأسرى، من خلال المداهمات الليلية لغرفهم والتفتيش العاري وإهانتهم وتخريب أغراضهم أثناء حملات التفتيش، وحجة إدارة السجون البحث عن الهواتف الخليوية التي يهربها الأسرى إلى السجون لكي يتمكنوا من التواصل مع أهلهم، حيث تمنعهم إدارة السجون من الاتصال بالأهل وأكثرهم لا يزوره أهله إلا مرة كل بضعة أشهر والبعض لم يزره أهله لمدة وصلت إلى تسع سنوات.
فالأسير يرفض الاستسلام، وإن كان محجوزاً بين أربعة جدران، إلا أنه يقوم بما يقدر عليه ليكسر ظلمة السجن وظلمة الحصار والتضييق، فكان تهريب أجهزة الاتصال الخليوية وسيلة للتحدي وسلاحاً يستخدمه الأسرى في معركة كسر الإرادة مع سلطة السجون الصهيونية.
وحتى نفهم خلفية المواجهات الحالية في سجون الاحتلال سنرجع إلى تاريخ تهريب الهواتف الخليوية إلى داخل سجون الاحتلال، فقد بدأ ادخالها في معتقل مجدو التابع لجيش الاحتلال أواخر عام 1997م وأوائل عام 1998م ثم بدأت تنتقل الظاهرة إلى باقي سجون الاحتلال بما فيه السجون شديدة الحراسة مثل سجن هداريم.
بدأت سلطات الاحتلال بالتململ من ظاهرة الهواتف الخليوية داخل السجون، خاصة وأنها تخفف عن الأسرى وتفرج بعضاً من همومهم بالإضافة لاستخدام الأسرى الهواتف الخليوية وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي ومع الصحافة واصدار المواقف السياسية والتعبوية، فبدأت سلطات السجون بالتضييق على هذه الظاهرة من خلال حملات التفتيش المكثفة ومنع الأهل من إحضار الطعام لأبنائهم الأسرى وتحديد الملابس التي يمكنهم احضارها كما ونوعاً (لأنه كان يتم تهريب الأجهزة الخليوية من خلال زيارات الأهل).
الخطوة التالية كانت خلال الاضراب المفتوح عن الطعام بداية عام 2004م والذي استمر 18 يوماً، حيث استغلت مصلحة السجون الأمر وقامت بحملة مداهمات واسعة النطاق في السجون المركزية واستولت على كميات كبيرة من الأجهزة الخليوية.
وأخيراً كانت خطوة تحويل المعتقلات العسكرية من سيطرة جيش الاحتلال إلى سيطرة مصلحة السجون الصهيونية (وهي النقب ومجدو وعوفر)، حيث كانت هذه السجون هي المصدر الأساسي لتهريب الأجهزة الخليوية إلى داخل السجون نظراً إلى أن الجيش لم يكن خبيراً بإدارة السجون ولم يكن يستطيع السيطرة على الوضع داخل المعتقلات، فتمت عملية التحويل خلال عامي 2005م و2006م، وبدت الأمور وقتها أن عهد الهواتف الخليوية انتهى في سجون الاحتلال.
إلا أن الأسرى لم يكونوا ليستسلموا بسهولة وبدأوا بالبحث عن طرق تهريب جديدة، وفي المقابل كانت ادارة السجون تسعى بشكل مستمر لقمع الأسرى ومفاجئتهم ليلاً حيث يخرجون عادةً الأجهزة الخليوية المهربة من مخابئها، وحصلت في سجن النقب مواجهة بداية عام 2008م عندما حاولت قوات خاصة تفتيش أحد الأقسام ليلاً بشكل فجائي، واستشهد أحد الأسرى وأصيب العشرات فيما احترق أحد الأقسام.
وكانت نتيجة الجولة هذه استطاعة الأسرى استيعاب الضربة والتكيف مع القوانين الجديدة، وعادت الأجهزة الخليوية لتنتشر في سجون الاحتلال بعدما اختفت من أغلب سجون الاحتلال عامي 2007م و2008م حيث تمكن الأسرى من ابتكار طرق جديدة في التهريب وابتكار مخابئ جديدة لها في الغرف والزنازين، وألقت سلطات الاحتلال على عدد من السجانين في قضايا مختلفة بتهمة أخذ رشاوى من الأسرى مقابل تهريب أجهزة خليوية لهم.
فعادت الأجهزة الخليوية لتشكل أزمة بالنسبة لسلطات الاحتلال وسلطة السجون الصهيونية، فالمطلوب أن تكون السجون وسيلة للتنكيد على الأسرى وعزلهم عن العالم الخارجي، فيما وسائل الاتصال الحديثة لم تعد توفر لهم فقط خدمة الاتصال الهاتفي مع الأهل، بل فرصة للوصول إلى الانترنت ومشاهدة الفضائيات المحظورة داخل السجن (مثل فضائية الأقصى والجزيرة).
وبدأت مصلحة السجون بالانتباه لخسارتها المعركة، وبدأت تخطط لحملات تفتيش واسعة النطاق، وبدأت بتصعيد إجراءات التضييق (المشددة أصلاً)، وجاءت مقابلة أجراها بعض الأسرى عبر الهاتف مع صحيفة يديعوت أحرنوت نهاية شهر حزيران الماضي لتشكل مؤشر خطر بالنسبة لمصلحة السجون، صحيح أنهم كانوا متنبهين لما يحصل، ويخططون للتضييق على الأسرى، لكن عندما تنشر المقابلة في الصحافة الصهيونية فهذا سيؤدي لضغوط من الحكومة الصهيونية على سلطة السجون، وسيقولون لهم "لماذا ندفع لكم الأموال الطائلة؟ لإدارة الفنادق للمخربين؟"
مثل هذه الحادثة للأسف نموذج على الاستهتار الأمني لدى بعض الأسرى، وهي انعكاس للاستهتار الأمني الموجود في المجتمع الفلسطيني، وكله استهتار تحت مسمى "ما هو اليهود بيعرفوا كل شيء"، ويمارس المقاوم أو المواطن الثرثرة على الهاتف والانترنت وفي الجلسات الخاصة والعامة، وبعدما تحصل عملية اغتيال أو اعتقال أو تقع الواقعة يبدأ التساؤل لماذا حصل هذا، ويبدأ الكلام عن العملاء والجواسيس، فيما الكل يتجاهل العدو الأول للمقاوم (وللأسير أيضاً) ألا وهو آفة الثرثرة وقلة الحرص.
فبعد هذه المقابلة وعدة حوادث مماثلة، وبعد انتهاء التجهيزات لدى مصلحة السجون، بدأت حملة مداهمات واسعة للسجون، وتضييق على الأسرى بشكل غير مسبوق، يصاحبها حملة تنقلات دائمة للأسرى، بحيث لا يستقر الأسير طويلاً في مكان واحد كي لا يشعر بالاستقرار ولا يتاح للأسرى ابتكار مخابئ وتجهيزها لأن ذلك يحتاج لوقت طويل ويحتاج لاستقرار عدد من الأسرى في نفس المكان لفترة سنة أو سنتين أقل شيء.
الأسرى لم يسكتوا ولن يسكتوا وقبل أسبوع كان هنالك اقتحام ليلي في سجن رمون (وسط صحراء النقب)، وقام الأسرى بالتصدى للقوات الخاصة المدججة بالسلاح وأدوات القمع، ووقعت اصابات وجرحى، فالتفتيش الليلي بالنسبة للأسرى خط أحمر لأنه يهدد الأجهزة الخليوية ويهدد معركتهم الخاصة مع سلطة سجون الاحتلال. وفي سجن هداريم شديد الحراسة قامت ادارة السجن بنقل الأسرى من أحد الأقسام، لتبدأ بهدم جدران القسم حيث تشك أنه يتم تخبئة الأجهزة الخليوية في جدران الزنازين.
ويأتي اضراب اليوم ضمن سلسلة اجراءات التصعيد للأسرى، ليوصلوا رسالة لإدارة السجون أنهم لن يسكتوا على القمع، وسيتصدون لكل اجراءاتها، وعادة فإن الإضرابات عن الطعام في سجون العالم تدفع ادارات السجون للتفاوض مع الأسرى من أجل تحسين شروطهم المعيشية، لكن سلطة السجون الصهيونية لا تستجيب وهي ترفع شعار وزير الأمن الداخلي الصهيوني السابق (تساحي هنغبي) "لو مات كل الأسرى في الاضراب فلن نستجيب لطلباتهم".
بالتالي ولكي يتحرك ملف الأسرى وتحسين ظروفهم المعيشية يجب أن يكون هنالك تحرك خارجي، وأن تخرج المسيرات وأن تمارس الضغوط بكافة أشكالها على سلطات الاحتلال، ومطالب الأسرى بسيطة وأساسية: وقف سياسة التفتيش العاري، ووقف سياسة منع زيارات الأهل لعدد كبير من الأسرى، وقف اجراءات التنكيل والتضييق في الحياة اليومية للأسير، ووقف التفتيشات الليلية الفجائية. وهذا يتطلب منا التحرك للتضامن مع الأسرى من أجل تشكيل قوة ضاغطة على الكيان الصهيوني لتوفير شروط حياة مقبولة للأسرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق