فجأة وفي يوم وليلة اكتشف أكثر الناس أن هنالك فساد في رأس هرم السلطة وفي مؤسسة الرئاسة تحديداً، وكأن ما سمعناه ورأيناه وما ثبت عنها لم يكن كافياً، وفقط كانت صور رجل عجوز عار من ملابسه أيقظت كل هذا الورع لدى الناس، أما عري المواقف والمبادئ فلا تهم الناس وليست ذات صلة.
أريد أن أتوجه بكلماتي إلى صنفين من الناس، وهنالك صنف ثالث سأخاطبه في النهاية، فهذه الأصناف تؤرخ لتاريخ فلسطين بما قبل الحسيني وما بعد الحسيني، الصنف الأول: أولئك الناس الذين يعتبرون أن السياسة تياسة ولا يهتمون بالشأن العام ويعتبرون أنهم أكثر حكمة وذكاء من الانحدار لعالم السياسة ويتعالون عن الخوض في تفاهات فتح وحماس، والصنف الآخر الطفيليات السياسية التي تعيش على تصيد الأخطاء والعثرات، أصحاب شعار "إذا عثرت بغلة في العراق فحماس وفتح تتقاسمان المسؤولية لأننا نحن الصح وما دوننا باطل".
لا أعلم سبب فرحكم بفضيحة السلطة فرحاً لم يفرحه ضحاياها والذين عانوا الويلات منها؟ كما لا أفهم أين كنتم من فضائح السلطة السابقة، أليس قتل هيثم عمرو فضيحة؟ أليس قتل محمد الحاج فضيحة؟ أليس تسليم خلية صوريف للاحتلال فضيحة؟ أليس تسليم مقاومي القسام وابطال العمليات الاستشهادية في القدس وتل أبيب في سجن بيتونيا إلى الاحتلال فضيحة؟ أليس تأجيل تقرير غولدستون فضيحة؟
طيب تريدون الابتعاد عن حماس والتعالي عن إثم الانقسام وتلويث ألسنتكم به، أليس قتل محمود الجميل وثقب أيديه وأرجله بالدريل فضيحة؟ محمود الجميل لم يكن حمساوياً في حياته وكان فتحاوياً أباً عن جد، وقتلته من أجهزة السلطة معروفين ويصولون ويجولون بدون حساب، ومرت على قضيته سنوات دون حساب أو محاسبة؟ أليس إفلات القتلة من الحساب فضيحة بحد ذاتها؟
فضيحة الحسيني ليست قصة فضائح على الصفحات الخلفية للصحف اليومية نتسلى بها، ما حصل هو فضيحة وعار بحق الشعب الفلسطيني، ويجب أن يحاسب الكل ابتداء من اللصوص والساقطين أخلاقياً مروراً بمن صور الرذيلة ووثقها على أشرطة فيديو ووزعها على أنحاء العالم، وانتهاء بمن علم بهذه الفضائح قبل أكثر من عام وأصر على دفن رأسه بالرمال كالنعامة، وما زال ينكر ويدعي أنه مؤامرة من الاحتلال ضده.
لا يوجد ما يفرح في الفضيحة، لقد تمت إهانة الشعب الفلسطيني على يد الحسيني وعلى يد من صوره ونشر صوره وعلى يد من تستر عليه طوال هذه المدة، فقصة الشريط معروفة منذ أكثر من عام، ولم نجد علاجاً لها سوى الإنكار من عصابة الرئاسة الذين يبدو أنهم نسوا أن من تربى في أحضان أجهزتهم الأمنية يملك مستوى أخلاقي متدني لدرجة تسمح له بعرض أعراض الناس على شاشات الفضائيات ليكون الشعب الفلسطيني عرضة لألسنة العالمين.
وأما متابعي سبيس تون من الطفيليات السياسية فما زالوا يبحثون عن الرابط الذي يربط "تعثر الحسيني في العراق" وحركة حماس، وأكيد ساءهم ترفع الحركة عن الخوض في الأمر، وحاول البعض أن يتهمها بالتستر على الفساد لأنها رفضت عرض شريطاً يظهر عورات الناس على فضائيتها، حسناً يوجد فرق بين التستر على عورة الرجال والتستر على الفساد، لكن عندما تكون العقول بحجم أشرطة الفيديو فمن الصعب أن تستوعب الفروق.
وهنا نصل إلى الصنف الثالث فهم بعض مؤيدي حماس ممن يمكن أن نطلق عليهم حماس موديل 2020، لم يتربوا في المساجد ولم يدخلوا سجون الاحتلال أو سجون دايتون ولم يعرفوا حماس إلا من خلال شاشات الفضائيات، وليثبتوا ولاءهم تجدهم "حمساويين" أكثر من حماس، يعتقدون أنفسهم أفهم وأعلم وأكثر حرصاً من قيادة حركتهم.
لسنا مع عبادة القادة والأشخاص، ونحن مع من قال: "إذا رأينا فيك إعوجاجاً قومناك بحد السيف"، لكن المصيبة والطامة أن نقول لقادة حماس عندما يتخذوا قراراً بمنع عرض الفضائح على فضائية الأقصى لقد أسأتم وأخطأتم وأنكم لا تفهمون بالسياسة ولا الدعوة ولا الفقة.
ما حصل هو خلاف بين السلطة جناح فياض وجناح عباس، يقتتلان ويفضحان بعضهما البعض، وما شأن حماس لتزج نفسها في تصفية الحسابات هذه؟ حماس مشروعها أكبر من عورة فلان أو شتمه لعرفات أو أبي مازن، حماس لديها معايير شرعية تلتزم بها ولا تؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، حماس بح صوتها وهي تقول الفساد الفساد، وهي تقول أحذروا التنسيق الأمني، لم يصدقها الناس وقالوا هو الكرسي وهو السلطان وهو شهوة السلطة، وهي المكيدة لحركة فتح، فإن كان عقول بعض الناس بحجم شريط الفيديو فليتفاهموا مع خبير الفيديو شبانة، ولنر كيف سيعيدوا الحق المسلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق