نشرت صحيفة الراية القطرية خبراً عن فتوى أصدرتها لجنة الفتوى بالأزهر تحرم الدخول على موقع الفيسبوك وتعتبر زائريه آثمين شرعاً، وذلك بناءً على دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وثار جدل ولغط كبير حول الفتوى في الإعلام خلال الأيام الأخيرة.
عضو مجمع البحوث في الأزهر عبد المعطي بيومي نفى أن تكون الفتوى صادرة عن لجنة الفتوى، ناسباً إياها إلى رئيس اللجنة السابق عبد الحميد الأطرش، والذي نفى بدوره لاحقاً أن يكون قد قال هذا الكلام، مؤكداً على أن كلامه أسيء فهمه، وسواء كانت صادرة عن لجنة الفتوى نفسها أم عن رئيسها السابق، فإنها اعتمدت على دراسة أعدها مركز حكومي تابع للنظام المصري، وجاءت على أثر سلسلة فتاوى مسيسة أشهرها فتوى الأزهر التي اعتبرت الجدار على الحدود بين مصر ورفح "حلال"، مما أثار الدوافع حول هذه "الفتوى" والتي تكلمت فقط عن خطر الفيسبوك دون غيره.
واستهداف الفيسبوك بالذات ليس مستغرباً نظراً لما يمثله من إزعاج للنظام المصري، حيث بات مكاناً لتجمع معارضي النظام ولنشر المقالات والصور المناهضة له، بل ولتنسيق نشاطات المعارضة مثلما فعلت مجموعة 6 أبريل، وإن كان صاحب الفتوى "مجهول" في ظل تنصل الجميع منها، فإن البحث الذي أعده مركز البحوث يعبر بشكل أو آخر عن رغبات النظام، وقد دارت بالفعل قبل فترة مداولات ونقاشات في الأوساط السياسية المصرية حول حظر الفيسبوك وكان الكلام وقتها صريحاً حول ما يمثله الموقع من إزعاج للنظام.
وفي تاريخنا الإسلامي الكثير من الحالات والتجارب التي شهدت تدخل الدولة في الفتوى والمؤسسات الدينية لفرض توجهات معينة أو لتحقيق مآرب خاصة، ابتداء من محنة الإمام أحمد ومحاولة المأمون ومن بعده المعتصم والواثق فرض مذهب الاعتزال بالقوة، وليس انتهاء بالأنظمة العلمانية في تركيا وتونس التي لم تتردد يوماً عن التدخل في الشؤون الدينية لتمرير مفاهيمها العلمانية مثل ما فعل أتاتورك عند منع الأذان باللغة العربية وحظر الحجاب، أو مثلما فعل النظام التونسي عندما منع الحجاب وصادر الدمية "فلة" لأنها محجبة، وفي هذه الحالات وجدنا النظام العلماني يوظف "مفتين" يبررون خطوات النظام من ناحية إسلامية ودينية.
لكن شهدنا مؤخراً تدخلاً فجاً للدولة لاستحضار فتاوى ليس في سبيل فرض مذهب فقهي أو عقائدي، وليس في سبيل فرض تصورات أيديولوجية أو اجتماعية معينة، بل من أجل مكاسب سياسية مؤقتة، في يمكن اعتباره ردات فعل على أزمات النظام، وردات فعل غير مدروسة، فكانت فتوى الأزهر التي أباحت الجدار، وكانت محاولة أوقاف سلطة رام الله فرض خطبة موحدة على خطباء الجمعة تهجو القرضاوي وتهاجمه ثأراً لما قيل أنها إهانة وجهها لمحمود عباس. فكانت الخطوتين أداة لتلويث سمعة الأزهر وسمعة أئمة المساجد الذين التزموا بقرار السلطة.
إلا أنه في حالة الفيسبوك الوضع مختلف قليلاً، فللمواقع الاجتماعية على الانترنت وجهها السيء، كما لها وجهها الحسن، لكن لا يوجد عاقل يذهب إلى ما ذهبت إليه الفتوى ويقول: "دخول الفيسبوك حرام ومن يدخله فهو آثم." ويبدو أن السلطات تريد الدخول من الوجه السيء للفيسبوك، حتى تسوق ما تريده دون أن تعلن ذلك أو تجاهر به.
لذا تحرض الدولة جهةٍ مل مثل مركز البحوث القومية لتصدر هذه الأبحاث المضحكة التي جزمت أن 20% من حالات الطلاق في مصر سببها الفيسبوك تحديداً (دون غيره من وسائل التواصل الالكتروني)، والتي لم تقارن لنا نسب الطلاق قبل ظهور الفيسبوك وبعد ظهوره، فالطلاق ظاهرة قديمة، وإذا أردنا أن نتكلم عن أثر الفيسبوك فيجب أن نقارن قبل وبعد الفايسبوك ونربطها بعوامل مثل النمو السكاني وغيره.
كما تعمل أجهزة الإعلام الحكومية على شيطنة الفيسبوك، مثلما حصل تماماً مع جدار رفح الفولاذي عندما بدأت تتكلم عن تهريب المخدرات وتهريب البشر، وهي أمور تتم حقيقة لكن ليس على الحدود مع رفح، بل على الحدود بين الكيان الصهيوني ومصر، وعلى نفس النسق يدور الكلام عن الفيسبوك حول آثاره الاجتماعية السيئة، في حين أن ما هو مستهدف هي قدرات الفيسبوك السياسية على إرباك النظام وازعاجه.
تعتبر وسائل الاتصال عبر الانترنت من مواقع اجتماعية أو منتديات أو المدونات أو حتى البريد الالكتروني، والمواقع مثل فيسبوك وتويتر أدوات بيد المعارضة في البلدان التي لا يتاح فيها التعبير الحر عن الرأي وهي تمثل تهديداً على المدى الطويل على هذه الأنظمة، نظراً لقدرتها على الحشد الهائل، وقد رأينا كيف استخدمتها المعارضة الإيرانية في تنظيم المظاهرات عقب الانتخابات الرئاسية وإيصال صوتها للعالم الخارجي.
ربما يحد من قوة هذه المواقع قلة انتشار الانترنت بين الناس، والصغر النسبي لأعمار رواد هذه المواقع، لكن مع نزول أسعار الاتصال بالانترنت، ومع مرور الوقت فإن الأجيال الصغير عمرياً اليوم ستصبح كبيرة، وصاحبة قوة ونفوذ في المجتمع، سيكون للانترنت انتشاراً أوسع في المجتمع ليشمل جميع الطبقات الاقتصادية والمراحل العمرية، وعندها يجب أن تقلق الأنظمة المستبدة.
إذا أردنا أن نعرف ما يقلق النظام المصري فيجب أن نتابع فتاوى الأزهر، وما دام الفيسبوك يقلق النظام، فهذا يعني أنه وسيلة فعالة وعلى المعارضة وعلى أحرار العالم العربي والإسلامي استخدام هذه المنابر في عملية التغيير داخل مجتمعاتهم وفي إيصال رسائل إيجابية وبناءة بدلاً من تركها منابر مستباحة لتضييع الأوقات والدردشة بلا طائل.
أما النظام المصري فأنصحه بأن لا يكتفي بتحريم الفيسبوك لأن هنالك ماي سبيس وتويتر وآلاف المنتديات والمدونات، من الأفضل له استصدار فتوى تحرم الانترنت من أصله، كما أنصحه بقطع الانترنت عن المواطنين، قبل أن يأتي يوم يكون الانترنت فيه من أساسيات الحياة، وعندها لن يستطيع قطعه أو تحريمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق