تعتبر يافا ومحيطها أكثر منطقة فلسطينية نكبت وتأثرت بالمشروع الصهيوني، إلا أن أبناءها الصامدين ينتفضون هذه الأيام في وجه الاحتلال الذي يحاول عبثًا محو الوجود الفلسطيني من يافا الذبيحة.
كانت يافا الميناء الرئيسي في فلسطين، ومن خلاله كان يصل أغلب المهاجرين اليهود إلى فلسطين، فاستقروا في محيطها وبنوا المستوطنات التي حاصرتها وأطبقت عليها من كل الجهات.
في حرب النكبة عام 1948م تعرضت يافا لهجمات إجرامية وحصار قاتل ومذابح عديدة، بدأت بتفجير العصابات الصهيونية لمبنى السرايا الحكومي في 4/1/1948م واستشهد ما يقارب المئة.
وازدادت بعدها الهجمات وبدأ الحصار وكان القناصة الصهاينة يقتلون أهالي المدينة في شوارعها وطرقها، وشنت عصابتي الأرغون والليحي عدة اقتحامات لأحياء المدينة مع ارتكاب المجازر والقتل بطرق وحشية، بما فيه استخدام الفؤوس والسكاكين.
لا توجد إحصائيات واضحة لعدد الذين استشهدوا في يافا أثناء حصارها أو هجمات العصابات الصهيونية، ومؤخرًا اكتشفت احدى القبور الجماعية ويحتوي على مئات الشهداء.
وفي 26/4/1948م وبحماية الاحتلال البريطاني قامت العصابات الصهيونية بهجومها الأخير على المدينة واحتلتها، مرتكبة المجازر ومجبرة الأهالي على الهروب عن طريق البحر، ومما رواه بعض أهل يافا أن الجنود الصهاينة كانوا يطلقون النار على الأهالي في الميناء لكي يحثوهم على الإسراع في الخروج، مما أدى لاستشهاد العديد منهم.
كان يسكن يافا قبل النكبة ما يزيد عن المئة ألف فلسطيني، تم تهجير أغلبهم وعددهم يقدر بمليون تقريبًا، أما القلة التي بقيت ومنهم لاجئون من القرى المجاورة فقد جمعهم الاحتلال في حي العجمي.
يبلغ عدد الفلسطينيون اليوم في يافا عشرون ألفًا فقط، ويشكلون 2% من التعداد السكاني لمنطقة تل أبيب الكبرى، والتي يعيش فيها حوالي 1.3 مليون مستوطن، وقد تمددت تل أبيب وضواحيها (رمات غان وحولون وهرتسيليا وبني براك) على قرى وضواحي يافا ومسحت كل أثر للوجود الفلسطيني تقريبًا.
وهذا ما لا نجده في باقي فلسطين، ففي الضفة الغربية أكثر من 90% من السكان الفلسطينيون، أما الشمال الفلسطيني (الجليل وعكا والناصرة) فالفلسطينيون 53% من السكان، وفي حيفا 25% من السكان، وفي النقب أقل من النصف بقليل، وفي القدس (الشرقية والغربية) أكثرمن الثلث.
إلا أن يافا الفلسطينية ترفض الموت وتقاومه منذ 69 عامًا، واستطاع أهلها ترميم وصيانة مسجد حسن بيك، الذي يقف شامخًا متحديًا تل أبيب الدخيلة، وكذلك مطعم أبو العافية الذي نجا من مذبحة النكبة واستمر ينبض بالحياة حتى يومنا هذا.
ورغم استطاعة الصهاينة تحويل منطقة تل أبيب الكبرى إلى قطعة من أوروبا، وهو ما فشلوا به في باقي مناطق فلسطين، إلا أن أهل يافا ما زالوا يحملون راية المقاومة المصرة على عروبة وإسلامية المدينة.
واليوم يسطر أبناء يافا الذبيحة حلقة جديدة من ملحمتهم البطوليةفي وجه المشروع الصهيوني، وذلك في انتفاضتهم التي اندلعت إثر استشهاد الشاب مهدي السعدي برصاص شرطة الاحتلال.
ورغم أن هذه الحادثة هي الشرارة إلا أن حجم الغضب والانتفاض يقف وراءه عدد من التراكمات أهمها سعي الاحتلال للاستيلاء على مساكن قسم من أهل يافا وبيعها في المزاد، سعيًا لتهويدها.
وحتى تكونوا في الصورة فالكثير من أهل يافا اليوم هم لاجئون إما من أحياء يافا المهجرة او القرى المجاورة، وهم يسكنون في منازل يملكها لاجئون آخرون خرجوا إلى غزة ولبنان والضفة والشتات الفلسطيني، وحسب القانون الصهيوني فالمسؤول عن هذه الأملاك هي مؤسسة حكومية صهيونية تسمى "حارس أملاك الغائبين".
وهذه المؤسسة قررت بيع قسم من هذه الأملاك، وتعتبر سكانها مجرد دخلاء، وفي نفس الوقت تمنعهم من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هجر أهلهم منها.
القضية الأخرى التي أشعلت الوضع في يافا هي أحداث المسجد الأقصى، ولهذا لم يكن صدفةً اندلاع المواجهات في هذه الأيام، فحادثة قتل الشاب كانت الشرارة التي فجرت الاحتقان المتراكم.
يافا الفلسطينية قوية وتقاوم وحدها، لكن لا تتركوها وحدها، فهل تدركون معنى أن يقاتل 20 ألف شخص يحاصرهم 1.3 مليون مستوطن؟ ويضاف إليهم حوالي مليوني مستوطن في ما تسمى بمنطقة الشارون المحيطة بيافا وتل أبيب.
لا تتركوا يافا في هذه الحرب وحدها وادعموها ولو بكلمة ولا تكونوا أعوانًا لتل أبيب رأس الشر والإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق