في خضم الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال
الصهيوني، يبرز الخلاف حول الأحقية التاريخية والدينية بالمسجد الأقصى (أو ما يدعي
اليهود أنه جبل الهيكل) بحيث تبدو الأمور كلها مرتبطة بهذا التناقض الكبير الذي لا
يمكن الوصول فيه إلى حلول وسط.
أريد تناول هذا الموضوع من زاوية مختلفة
عن الذي يتناوله أكثر الناس اليوم، بحيث تكون إجابتي بحسب معتقد الشخص السائل.
أولًا: لو كنت
مسلمًا أو تؤمن بأن الإسلام هو ديانة سماوية أوحى بها الخالق سبحانه وتعالى إلى
النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن تؤمن بأن هذا المكان هو ثالث أقدس مسجد
لدى المسلمين بأمر من خالق البشر ومن الإله الواحد الأحد.
وأن المسلمين قد اتفقوا فيما بينهم أن المكان الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم،
هو الذي ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا أمر متفق عليه منذ الفتح
الإسلامي لمدينة القدس، ولم يختلف عليه الصحابة الذين فتحوا القدس أو من جاء بعدهم
من المسلمين.
فلا قدسية الأقصى بقرار رباني مختلف عليها بين المسلمين ولا مكانه، وبالتالي لا
قيمة لأي كلام حول أنه كان قديمًا هنالك هيكل (معبد يهودي) على هذه البقعة أم لا،
لأن هنالك قرار سماوي بذلك.
فضلًا عن أن أسلافنا من صحابة الرسول لم يعتدوا على أي معابد أو يحولوها عن وجهتها، فهيكل سليمان قد دمر ومسح من الوجود قبل فتح المسلمين للقدس بأكثر من 600 عام، فشبهة التعدي على ملكية تعود لدين آخر منتفية.
فضلًا عن أن أسلافنا من صحابة الرسول لم يعتدوا على أي معابد أو يحولوها عن وجهتها، فهيكل سليمان قد دمر ومسح من الوجود قبل فتح المسلمين للقدس بأكثر من 600 عام، فشبهة التعدي على ملكية تعود لدين آخر منتفية.
ثانيًا: لو كنت
ملحدًا أو مسيحيًا أو يهوديًا أو غير ذلك من المعتقدات التي لا تؤمن بنبوة محمد
عليه الصلاة والسلام، أو حتى من الذين يعتقدون أن محمد مجرد شخصية خيالية ابتكرها
المسلمون في العصر الأموي ليبرروا وجودهم كديانة، فالسؤال الذي أطرحه عليك: كيف
عرفت أنه يوجد في هذا المكان هيكل سليمان؟
هل وجود مسجد للمسلمين فيه دليلك؟ لكن أنت تؤمن بأن ديانتهم كاذبة وأنها مجرد حفنة
من الأساطير والخرافات؟ فهل دليلك الخرافة؟
صحيح بعض المفسرين للقرآن وبعض المسلمين
يعتقدون أن هيكل سليمان كان في مكان المسجد الأقصى، وذلك لأننا نحن المسلمون نؤمن
بأن الديانات السماوية كلها تأتي من نبع واحد، وأننا نؤمن بأن سليمان وموسى وعيسى كلهم
أنبياء لنفس الرسالة والمعتقد الرباني.
وأننا نعتبر أنفسنا ورثة الأنبياء كلهم
وبالتالي كان استنتاج بعض العلماء المسلمين والمفسرين بأن المسجد الأقصى والذي
قدسه الله منذ آلاف السنين (قبل مجيء الإسلام وقبل مجيء اليهودية) هو المكان
المقدس للمؤمنين برسالة التوحيد، فكان مسجدًا لسليمان عليه السلام ولمن جاء قبله
وبعده من الموحدين، إلى أن جاءت رسالة الإسلام التي نؤمن بأنها جاءت بديلًا لكل
الديانات التوحيدية التي سبقت.
لكن هذا المعتقد الذي نؤمن به نحن
المسلمون لا يبرهن على أن الأقصى موجود مكان هيكل سليمان، لأن المسلمين بنوا
الأقصى بعد 600 عام من هدمه ومسح أي أثر له، فكيف عرفوا مكانه؟ إلا إذا كنتم
تؤمنون بأن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يتلقى الوحي من السماء.
نحن نؤمن بأن هذا هو المكان الصحيح لأنه
المكان الذي أخبرنا عنه الرسول وأخبر صحابته الذين ذهبوا إليه وبنوا مكانه الأقصى،
وكما تذكر بعض كتب التاريخ الإسلامي أن مكانه كان مكب نفيات في ذلك الوقت، لكنكم
لا تؤمنون بأن محمد كان يوحى إليه، وأنه مجرد شخص كاذب أو حتى شخصية خيالية.
فكيف يمكن لكاذب أو واهم أن يعرف مكان
هيكل سليمان؟ وعلى فرض أن ما يقوله بعض المؤرخين الغربيين بأن المسجد الأقصى بني
في وقت لاحق في العهد الأموي (أي بعد 700 عام من هدم الهيكل) فهل نصدق أن الذي
أخترع هذا الوهم (كما يزعمون) كان يعلم مكان الهيكل؟
إذن نتكلم عن بناء مقدس بناه المسلمون
واختاروا جبلًا في القدس (وهنالك العشرات من الجبال الشبيهة به في فلسطين وبعضها
في القدس نفسها)، وقالوا هذا المكان أخبرنا ربنا أنه المكان المقدس المسمى المسجد
الأقصى، فهل رفضتم كل ما جاء به الإسلام وقبلتم فقط بدقة اختيار المكان المقدس؟
إن تقديس اليهود للمسجد الأقصى واعتبارهم
بأنه هو الهيكل يعود إلى القرن السادس عشر ميلادي كما أوضح الدكتور عبد الوهاب
المسيري، عندما بدأت زيارة الحائط الغربي للمسجد الأقصى والمسمى بحائط المبكى،
والذي يعتقدون أنه من بقايا الهيكل، ودليلهم فيه أن حجارة أساسات الحائط الغربي
قديمة وتعود لعهود سابقة.
وحسب فهمي للأمور فاليهود في ذلك الوقت
كانوا متأثرين بالفكر الإسلامي وبالأخص يهود الأندلس (السفارديم) ومن أبرز الأمثلة
على ذلك الحاخام موسى بن ميمون أبرز مفكري اليهودية في القرون الوسطى.
كما أن الاعتقاد بأماكن تواجد قبور
الأنبياء والأماكن الدينية في فلسطين كان يتقبله أبناء الديانات المختلفة في ذلك
الزمن بدون نقاش أو جدل علمي، فمجرد أن يقول أحدهم هنا مكان دفن نبي حتى يصدقه
الجميع بما فيه أبناء الديانات الأخرى، وقد نرى هذا القبر أصبح مقدسًا لديانة أو
اثتين أو أكثر.
وبالتالي إيمان اليهود بأن الهيكل مكانه
هو المسجد الأقصى يأتي من تأثرهم بالفكر الإسلامي، وليس لأن لديهم دليل مادي ملموس
أو وصف جغرافي دقيق جاء في التوراة أو غيرها من النصوص التاريخية، وبالتالي نسأل
هل يعقل أن يبنى الاعتقاد اليهودي على "خرافة إسلامية"؟ لماذا لا
تتركونا نحن المسلمون نؤمن بخرافتنا ونقدسها؟ أم أن الأيدولوجيا العمياء هي التي
تقود دولة الاحتلال الصهيوني؟ ولأنها صاحبة القوة والبطش فكل العالم يجاريها
ويدافع عنها وعن عدوانها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق