يعتبر إلغاء حركة حماس للمسيرة التي كانت مقررة اليوم الجمعة في مدينة نابلس مؤشراً على عجزها المزمن عن النهوض في الضفة الغربية والعودة إلى سابق حيويتها وعنفوانها بالرغم من الأجواء الإيجابية التي رافقت التوقيع على المصالحة مع فتح.
جاء إلغاء المسيرة بعد رفض محافظ نابلس إعطاءها الإذن والتهديد بقمعها، ومما يلفت النظر في التصريح الصادر عن الحركة هو اللغة الإلزامية حيث أكدت على "جميع أبنائها ومناصريها للالتزام بقرار التأجيل"، حيث كنا نتمنى صدور بيان عن الحركة في الضفة بهذه اللهجة والإلزامية تمنع كوادرها من الاستجابة لقرارات الاستدعاء أو تطلب منهم مقاومة الاعتقال السياسي.
التسويغ لإلغاء المسيرة كان الحفاظ على العلاقة مع السلطة وعدم الدفع بها إلى الهاوية، ونتساءل هل قدمت قيادة حركة حماس في نابلس أو غيرها من مناطق الضفة شيئاً لحماية أبنائها؟ هل استغل النواب علاقاتهم مع السلطة من أجل اطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟ هل تقدم أحد من نواب حماس في نابلس واحتج على اعتقال عبد الرحمن هندية بطل رفض الاستدعاءات؟
إذا ما هي فوائد "عدم الصدام" المفترض مع السلطة؟ وما هي مشاريع قيادة حماس للنهوض بواقع الحركة في الضفة؟ طوال السنوات الأربعة الماضية كانت الذريعة هي قمع السلطة والإنقسام والوضع السياسي العام، أما وقد زال هذا الوضع لماذا لا نرى تحركات واسعة لأبناء وقيادات الحركة من أجل التواصل مع المجتمع الفلسطيني ومع بعضهم البعض؟ لماذا ما زالت الحركة تعيش نفس حالة الشلل والعجز؟
ما كشفت عنه المصالحة الفلسطينية أن المشكلة أعمق من مجرد الاستهداف المتكرر للحركة في الضفة الغربية، بل يتعداه إلى عقول ونفسيات الكثيرين وتفشي السلبية بين أبناء الحركة ومؤيديها ومناصريها، وهذا له أسبابه تبدأ من الخطاب الإعلامي للحركة الذي خلق جو من الترهيب والتخويف عندما كان يركز على جرائم السلطة، ولا تنتهي عند غياب حماس عن الميدان طوال السنوات الأربع الماضية.
فمن أكبر الأخطاء التي أرتكبتها حركة حماس في الضفة بعد الحسم هو الأختفاء عن ساحة العمل الجماهيري وعدم تواصلها مع قواعدها الشعبية ومؤيديها ومناصريها، تحت مسمى الإنحناء أمام العاصفة لأن طول الإنحناء أدى إلى نشوء التشوهات الخلقية وهذا ما نراه في واقع الحركة اليوم، صحيح أن الحركة كانت تتعرض لقمع ومحاربة وإقصاء إلا أن السكوت بحجة تقليل الخسائر لم يؤد إلا إلى المزيد من الضربات والتضييق.
كان الأجدر بحركة حماس البقاء في الميدان والحرص على التواصل مع شبابها وأن لا تنسحب من ميدانها الرئيسي في الجامعات، وبدلاً من سياسة الحرد ومقاطعة انتخابات مجلس الطلبة كان الأجدر بها أن تخوضها بالرغم من التزوير والتضييق حتى تبقى في الميدان وتحافظ على تواصلها مع الطلبة ومع شباب الكتلة.
يجب أن نفهم أنّ مظلومية حماس في الضفة تجلب تعاطف الناس لكنها لا تزرع الثقة، فالناس تبحث عن "المؤمن القوي"، والانكفاء والفشل ليست من مظاهر القوة. ولنا أن نتذكر الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر فالكل تعاطف معها عندما ألغيت الانتخابات لكن أين هي اليوم؟ لقد كان نتاج غيابها 20 عاماً أن أصبحت مجرد ذكرى من الماضي.
وفي التجربة التركية مثال آخر أكثر وضوحاً: نجم الدين أربكان أول رئيس وزراء إسلامي أجبر على الاستقالة عام 1997م بعد عام عاصف ضيق عليه الجيش العلماني، فشل أربكان ولم يعد الشعب يثق به لأنه ببساطة غير قادر على النجاح، وجاء أردوغان ونجح وتكررت ثقة الشعب به مرة تلو الأخرى، والفرق بين أربكان وأردوغان كان: الأول فشل والثاني نجح.
ولا يعني أن أربكان شخص سيء بل على العكس هو من أفضل وأذكى وأكثر القادة الإسلاميين احتراماً في تركيا لكن العمل العام يحتاج لمن يقدم النجاح، والناس تعاطفت معه عندما تآمر عليه العلمانيون والجيش لكنها تريد المؤمن القوي القادر على النجاح، وفي الضفة الغربية نفس الشيء فالناس تبحث عن القوي المخلص القادر على إيصال رسالته، وبما أن السلطة باعت ما فوقها وتحتها وسلمت كل شيء للصهاينة فالناس فقدوا الأمل بها منذ زمن، أما حماس فكانت طوال الوقت غائبة عن الميدان سواء كان بالقوة والقهر أو بالاختيار (اتقاءً لشرٍّ مرتقب)، والنتيجة غياب حماس عن قلوب الناس وحياة أبنائها ومؤيديها، لتترك الساحة فارغة في الضفة الغربية.
وبدلاً من أن تستغل قيادة حماس ونوابها في المجلس التشريعي الفرصة بعد توقيع المصالحة من أجل إعادة التواصل مع الناس وتبني هموم ومشاكل شباب الحركة نجد تردداً واضحاً وجليا وعدم إقدام، في حين أن هنالك قطاعات شبابية داخل الحركة قد فهمت المطلوب في المرحلة القادمة، وجعلت هدفها انتزاع الحقوق بدلاً من انتظار المجهول الذي لن يأتي، ورأينا مبادرات لشباب الحركة من أجل الخروج في مسيرات بأكثر من مناسبة ومبادرة عدد من شباب الحركة بعدم الذهاب إلى الاستدعاءات وأنشأوا لذلك صفحة على الفيسبوك.
كنا نتمنى أن نرى دعماً من قيادة الحركة لهذه المبادرات الشبابية، وكنا نتمنى من النواب أن يحملوا هموم الشباب الذي يعاني الأمرين من الاستدعاءات المتكررة، وكنا نتمنى أن نراهم يتدخلون لاطلاق سراح المختطف عبد الرحمن هندية وبدلاً من ذلك ألغيت المظاهرة نزولاً عند رغبة محافظ نابلس، ولم يكلف القيادي الذي أصدر الأوامر الحازمة بإلغاء المسيرة أن يشكر الشباب الذين سهروا الأيام والليالي وهم يعدون لها ولم يجرؤ أن يشير صراحةً إلى أوامر المحافظ بإلغاءها.
هنالك بعض القيادات والكتاب الذين قدموا الدعم لهذه التحركات الشبابية، وأذكر منهم الكاتبة لمى خاطر والوزير السابق وصفي قبها والقياديين نزيه أبو عون وحسين أبو كويك الذين أعلنوا عن دعمهم لحملة "شباب الضفة يريدون اسقاط الاستدعاءات"، إلا أن النواب لم يدعموا هذه الحملة بالرغم من تمتعهم بالحصانة البرلمانية، ونتساءل هل يوجد لديهم مخططات أخرى لا نعلمها أم أنهم ينتظرون ما تنتجه جلسات الحوار في القاهرة وموسكو؟
طوال الوقت كنت تسمع من الشباب: "نريد التحرك لكن ننتظر الأوامر من القيادة"، أما القيادة فتقول "لا يوجد أحد ليلتزم بالأوامر" لنفاجئ بأن الأمر الوحيد الذي وصل بعد طول صيام هو لإلغاء المسيرة!! شباب الحركة يتحرقون للعمل ويحتاجون لمن يحضتنهم ويوجههم، وحماس لا تتحمل غياباً أكثر عن الشارع، أفلا نرى قيادة على مستوى التحدي؟ وفي المقابل يجدر بالشباب المتحمس أن يتقدم وأن لا ينتظر التوجيهات والتعليمات بل ليبادر ويعمل (مع التفريق بين التمرد والمبادرة)، وليكن من رواد المرحلة مثل ما هم مهند الهيموني ومحمود الجربوع وعبد الرحمن هندية وعمران المظلوم، فبمثل هؤلاء تنهض حماس في الضفة وتعود إلى حيويتها التي نعرف.
إنها ليست مجرد مسيرة ألغيت بل هي حالة عامة، وأبناء الحركة يجب أن يغتنموا الفرصة ليتحركوا وليكسروا الظلم الواقع عليهم وليتواصلوا مع الناس وليواجهوا الإحتلال، فقد طال زمن الإنحناء أمام العاصفة وآن أوان التحدي والإقدام.
هناك تعليق واحد:
بارك اللهف يك اخي الكريم ياسين مقال معبر ويجيز مطالبنا في ان تكسر حاجز الخوف حماس وترفع رأسها عاليا لتواجه الامر بدل من الانحناء والطبطبة هنا وهناك..
نرفض السلبية التي قتلتنا واضاعت لعينا الكثير في كل امور حياتنا..
زادك الله من فضله
إرسال تعليق