خرج علينا اليوم عبد الباري عطوان بافتتاحية تحت عنوان "الخيار المر بين الاستبداد والاستعمار"، ليصف الوضع في ليبيا وما يتردد عن طلب الثوار المساعدة من العالم (غربه وعربه) من أجل فرض منطقة حظر طيران، لمساعدتهم في تعديل موازين القوى المختل لصالح هذا المستبد المجنون.
أول خطأ ارتكبه الأستاذ عبد الباري عطوان عندما صور الأمر وكأنه اختيار بين مستبد ومستعمر، فالمستبد لا يحكم بقوته الذاتية بل يستعين بالاستعمار نفسه، وماذا نسمي المرتزقة الأجانب (وهم يشكلوا حوالي 80% من كتائب القذافي حسب بعض التقارير)، أليس هذا استعماراً من نوع آخر؟ وماذا يسمي تحريض القذافي للغرب على الثورة الليبية ووعده بأن يحمي الغرب من اللاجئين الأفارقة الذي يريدون الهجرة إلى أوروبا، وأن وجوده في الحكم ضروري لأمن الكيان الصهيوني؟
ألا يعتبر كلام القذافي استقواءً بالغرب؟ ألا يعتبر طلبه من الغرب أن يأتي لليبيا من أجل محاربة القاعدة كما حصل في أفغانستان والعراق استعماراً جديداً يدعو له القذافي؟ لماذا نسمح لتخوفاتنا من الدعم الغربي الذي قد يقدم للثوار أن يستولي علينا ونرى الصورة مجتزأة بهذا الشكل؟
اتمنى من كل قلبي أن يحسم الثوار المعركة بقوتهم الذاتية بدون دعم غربي ولا خارجي، لكن تطورات الأحداث على الأرض واستقواء القذافي بالمرتزقة الأجانب (الاستعمار المقنع) قد لا يترك للثوار خيارات كثيرة.
ويتكلم عن تخلي الشعوب العربية عن دعمها للثورة الليبية في حال قام الغرب بالتدخل، ولماذا نطلب من الثوار أن لا يستعينوا بأحد في الوقت الذي لا يجدون أي بديل؟ قدم لهم البديل، وهم بالتأكيد وطنيون وأعلنوا عن رفضهم المطلق لأي احتلال غربي لليبيا أو قوات برية تطأ أرض ليبيا تحت أي مسمى (على عكس القذافي)، لماذا لم يطالب عبد الباري عطوان الدول العربية لكي تفرض هي بقواتها الجوية منطقة الحظر الجوي؟
أليس من الأجدى أن تقوم مصر والجزائر وهي أقرب الدول لليبيا وتمتلكان قوات جوية معتبرة، بفرض منطقة حظر الطيران فوق ليبيا وليكن ذلك بغطاء دولي؟ لماذا وجدت كل هذه الجيوش والأسلحة؟ أليس استخدامها لإنقاذ شعب من حاكم مجنون سبباً وجيهاً لاستخدامها، أليس استخدامها أفضل من أن يأتي الأمريكان ويفرضوا شروطهم أو يقصفوا بشكل عشوائي لا يفرق بين المدنيين وكتائب القذافي، والأهم لكي لا يشارك الأمريكان بمجد الانتصار للثورة الليبية.
الثورة الليبية هي ثورة شرعية دعمها من دعمها وتخلى عنها من تخلى، ويوجد فرق كبير بين أن تحرض أمريكا على ثورة وأن تخطط لها وبين أن تأتي لدعم ثورة قامت بمبادرة ذاتية، وخصوصاً عندما يكون هذا الدعم في المراحل الأخيرة للثورة، لا نستطيع منع الأمريكان من دعمها وإن كان كل الدعم لحد الآن ما زال كلاماً و"الحكي ما عليه جمرك". وهذا لا يلوث الثوار المخلصين ولا يجب أن ينسينا أنها ثورة عربية في صميمها ومبتدئها ومنتهاها.
إن كان هنالك من يجب لومه فهو ذلك الشيطان الأخرس الذي لا يتحرك لنصرة الثورة الليبية، هذا من يجب أن يوجه إليه سهام الانتقاد، لا الثوار الليبيين الذين يحاربوا طاغية عصره سواء دعمتهم أمريكا أم لم تدعمهم.
كنت قد حذرت الثوار من خطر الدعوة للتدخل الأجنبي، وما زلت متوجساً من هذا التدخل ودوافعه ونتائجه، لكني لا أرهن تأييدي للثورة بهذا التدخل، ولن أغير رأيي بالثوار، وأكثر من ذلك فالثورة لا يضيرها أي دعم ما لم يكن مشروطاً.
وللدكتور عزمي بشارة رأي بأن الدعم بحد ذاته لا مشكلة فيه، لأنه يمكن وبكل بساطة أن نقول لمن دعمنا هنا أو هناك شكراً لك لكن لا تفرض شروطك علينا، وأن المشكلة كانت طوال الوقت في الحكام العرب الذين كانوا يشعرون بأن وجودهم مرتبط بالوفاء للأمريكان وخدمتهم.
إذن يا أستاذ عبد الباري عطوان الشعب الليبي أمام خيارين: إما مستبد ومستعمر وبلد مفكك وفاشل وإما ثورة واستعانة بأي مساعدة غير مشروطة، وإن كنا نتمنى أن يكون الانتصار بأيد ليبية وعربية صرفة لكن بكل تأكيد فالخيار الثاني يجب أن نقبله جميعاً، ولنتذكر دوماً أن الطاغية الذي يقبل بتقسيم بلده أو يدعو المستعمر للقدوم إلى بلده من أجل أن يحافظ على بقاء أسرته بالسلطة هو وحده من يتحمل مسؤولية كل ما يحصل في ليبيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق