مع دخولنا عصر الثورات في العالم العربي بدأ الكل يروج لقضايا يؤمن بها، وبات الانترنت والفيسبوك مجالاً رحباً لهذه الدعوات، فهذه وسائل اتصال العصر التي لا تحدها قيود والتي أثبتت دوراً مهماً بنجاح الثورات العربية، فنجد على الساحة الفلسطينية من يحرض أهل غزة للثورة على حماس، ومن يحرض أهل الضفة للثورة على فتح، ومن يحرض أهل الضفة وغزة للثورة على حماس وفتح معاً، ومن يحرض الشعب للثورة على شركة جوال.
إلا أن أهم دعوة وأكثرها جدية هي ثورة اللاجئين، حيث أنها توحد الشعب الفلسطيني على هدف لا خلاف عليه، وما كانت الثورات في مصر وليبيا وتونس لتنجح لولا إجماع الشعوب في هذه البلدان على أن الإصلاح لا يأتي إلا برحيل الطغاة والأصنام.
ولا يوجد قضية يجمع عليها الشعب الفلسطيني مثل حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وبالرغم من مرور أكثر من ستين عاماً على قضية اللاجئين إلا أن الشعب الفلسطيني بعمومه ما زال متمسكاً وبقوة بحق العودة، وهي لب الصراع مع الكيان الصهيوني، ولذا يجمع الصهاينة على موقف أنه لن يسمحوا برجوع ولو لاجئ فلسطيني واحد لأن هذا يعني عملياً نهاية الكيان الصهيوني.
كانت عودة اللاجئين مجرد حلم لسنوات طويلة، والكثيرين أصيبوا باليأس التام، إلا أن ثورات تونس ومصر وليبيا أعادت بث الأمل بين الناس، بأنه يمكن ترجمة هذا الحلم إلى حقيقة، فبدأت الدعوات لثورة اللاجئين بالظهور على الفيسبوك وبدأ الترويج لهذه الفكرة على الانترنت.
ويجب التأكيد هنا على أن الفيسبوك والانترنت ليست إلا وسائل اتصال وتواصل وتنسيق لا أكثر، ولا يجب أن نقع بوهم قدرة هذه الوسائل وحدها أن تغير موازين القوى على الأرض، لذا لا بد من وجود جهات وأفراد في الميدان يتبنون الفكرة وإلا فلن يكتب لها النجاح.
كما يجب أن ندرك اختلاف الحالة الفلسطينية عن الحالات العربية، فإن كان الشعب الليبي يعاني الأمرين من بضع آلاف من المرتزقة الذي يلتفون حول القذافي ففي فلسطين هنالك خمسة ملايين ونصف المليون مرتزق، هم الصهاينة الذين يقوم عليهم المشروع الصهيوني.
لذا يجب أن نتوقع عقبات كبيرة أمام فكرة ثورة اللاجئين، ولا نقول هذا بثاً للإحباط بل لنكون على علم بما يواجهنا، وفي المقابل فنجاح الفكرة ونجاح ثورة اللاجئين ستقلب معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني رأساً على عقب، ولا نقول ستحرر فلسطين فهذه مهمة أكبر من أن نحققها من خلال ثورة أو انتفاضة، لكنها ستكون قفزة مهمة وكبيرة باتجاه هذا الهدف، وتجعل الكلام عن تحرير فلسطين أمراً واقعياً وليس مجرد حلم.
المعوقات أمام ثورة اللاجئين:
1- قوة الاحتلال الصهيوني: فجيش الاحتلال مستعد لاستخدام أعلى درجات القوة لقمع أي مسيرات لعودة اللاجئين، مهما كانت سلمية، فالجندي الصهيوني لا توجد لديه أي روادع أخلاقية تمنعه من قتل متظاهر فلسطيني أو عربي أعزل، والحجة دائماً جاهزة أنه يدافع عن نفسه ضد الإرهاب.
2- النزاع الحزبي: هنالك مخاوف من أن يصبح هنالك تشكيك بهذه الثورة من قبل فتح (أو حماس) في حال تبناها الطرف الآخر، ولذا من الضروري أن تبقى الدعوة لهذه الثورة بعيدة عن حماس وفتح في المراحل الأولى، وبعد أن يتبناها الجميع فليكن تنافساً بينهم من أجل خدمة الثورة.
3- خوف الناس وعدم اقتناعهم: الكثير من الناس لن يقتنع بالفكرة، وذلك لطول الأمد الذي مر على عدم حل قضية اللاجئين، و لطبيعة العدو الصهيوني واستعداده لاستخدام القوة الوحشية من أجل قمع الثورة، ولذا يجب توعية الناس بأهمية الثورة وما هي الإمكانيات التي يمكن أن تحققها بشكل واقعي وبعيداً عن لغة الأماني والخطابات العاطفية.
4- كلام المثبطين: إلى جانب غير المقتنعين أو المترددين سنجد مجموعات من المثبطين، التي تريد إفشال الثورة لأنها تتعارض مع أجنداتهم الخاصة، فسنجد من أبواق الأنظمة العربية أو الإعلام الغربي أو الصهاينة أنفسهم من يعمل على التثبيط من همم الناس، وسنجد طروحات كثيرة مثل: "كيف سيقبل اللاجئون بحمل هويات صهيونية في حال عادوا إلى أرضهم؟ وفلسطين لا يوجد فيها متسع لكل هؤلاء البشر؟ والصهاينة لن يقبلوا بعودة أحد ولا أحد يستطيع إجبارهم"، وما إلى ذلك.
مثل هذا الكلام سمعناه أثناء المطالبة بسقوط مبارك، وقيل الدستور لا يسمح وأمريكا لن تقبل، والناس كان جوابها واضح: "لا يهمنا كيف يرحل مبارك المهم أن يرحل"، وجوابنا يجب أن يكون واضحاً: "لا يهم كيف يعود اللاجئون المهم أن يعودوا".
الخطوات التي يجب السير عليها:
لكي تنجح ثورة اللاجئين يجب الأخذ بعين الاعتبار عدة خطوات نعرض أبرزها:
1- تبني فكرة واضحة وبسيطة: الشعب يريد عودة اللاجئين، لا نريد تعقيد الطرح، ولا الدخول بقرارات الأمم المتحدة التي ستدخلنا في نقاش بين مؤيد لتبنيها ومعارض لها، ولا نريد الكلام عن الانقسام أو من كان سبباً بتضييع قضية اللاجئين، فقط نريد عودة اللاجئين الذين طردوا ظلماً وعدواناً من أرضهم.
2- يجب أن تكون الفكرة متجاوزة للحزبية: لا نريد أن تكون مجداً لحماس ولا لفتح ولا لتنظيمات اليسار الفلسطيني أو غيرهم، هذه فكرة يتبناها الجميع من أجل مصلحة الجميع، ومثلما توحد كل الشعب التونسي وكل الشعب المصري وكل الشعب الليبي على تناقضاتهم واختلافاتهم الشديدة، يجب أن نتوحد من أجل هدف واحد ووحيد وهو عودة اللاجئين. إما ننجح جميعاً أو نفشل جميعاً.
3- تجذير الفكرة في نفوس الناس: يجب الخروج من فضاء الانترنت، والضغط على الفضائيات الفلسطينية والعربية لعرض الفكرة والترويج لها، والضغط على التنظيمات السياسية لقبولها (مع التأكيد على حرمة اختطاف أي تنظيم للفكرة)، والترويج لها بين الناس حتى يتبنى الفكرة أوسع قاعدة شعبية ممكنة، ولا يجب أن تقتصر الدعوة للمشاركة على اللاجئين أو على الفلسطينيين بل يجب أن تمتد إلى الشعوب العربية وكافة المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، فالمعركة أكبر من طاقة الشعب الفلسطيني وحده.
4- بعد تبني الفكرة يتولى الجميع تنظيم فعاليات وكل من موقعه ووفق الإمكانيات المتاحة له، مع الاتفاق على خطوط عامة تكون دستوراً للجميع لا يخرج عنها أحد، مثل توحيد الشعارات حول حق العودة، وتحديد تاريخ التحركات (في 15/5 مثلاً)، ورفع العلم الفلسطيني وحده.
5- يجب فتح أكبر عدد ممكن من الساحات: تنظيم مظاهرات أمام السفارات الصهيونية في أوروبا والغرب والمطالبة بحق عودة اللاجئين. زحف اللاجئون إلى فلسطين المحتلة انطلاقاً من الضفة والقطاع، وربما تكون تحركات من داخل الضفة تجاه المستوطنات في الضفة، والانطلاق من لبنان والأردن وسوريا تجاه فلسطين المحتلة، مع وضع خطط بديلة في حال كان هنالك ممانعة رسمية وحكومية في هذه البلدان للتحرك.
ترتيب تحركات داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مثل أن يذهب أهلنا هناك إلى القرى المهجرة وبناء وحدات سكنية للاجئين (للعلم يوجد ربع مليون لاجئ يعيشون داخل الكيان الصهيوني ويمنعوا من العودة إلى قراهم)، وأخيراً هنالك العودة من خلال أسطول السفن ومن المقرر أن تتحرك قافلة الحرية 2 إلى قطاع غزة في هذا التاريخ، ومن المجدي دراسة فكرة تحويل مسار القافلة (أو جزء منها) للعودة إلى فلسطين المحتلة حاملة عدداً من اللاجئين.
لا يجب أن تقتصر الثورة على الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن قدرات أهل الضفة والقطاع وصلت إلى حدودها القصوى في الصراع مع الكيان الصهيوني، يجب فتح جبهات جديدة مع الكيان ترهقه وتستنزفه.
6- البناء على التحرك وإدامته: لا يجب أن يكون التحرك ليوم واحد وينتهي الأمر، يجب أن يكون هذا التحرك بداية لثورة حقيقية، وإلا فلن يكون أكثر من مجرد احتفالية للتذكير بحق عودة اللاجئين، يجب أن تكون البداية لسلسلة فعاليات وأن يكون واضحاً للقاصي والداني أن التحركات لن تنتهي إلا بحل مشكلة اللاجئين وبشكل نهائي، لا نريد وعود ولا مفاوضات ولا مجلس أمن، لن تنتهي التحركات إلا بعد حل مشكلة اللاجئين.
7- خطوات عملية: حتى يشعر العالم بالثورة ويتحرك للضغط على الكيان الصهيوني، وحتى يشعر الكيان بالمأزق، لا يقبل الاكتفاء بالاعتصام عند الحدود، يجب اقتحامها وتحطيم الجدران والأسلاك الشائكة والدخول إلى فلسطين ولو لوقت مؤقت، فبدون أن يشعر الكيان بأزمة تقلقه وتهزه فلن نكون قد حققنا شيء.
الفرص التي تفتحها ثورة اللاجئين:
حتى لا نكون متفائلين أكثر من اللزوم، أو نكون واقعيين إلى حد الإحباط سنحاول رسم الآفاق التي تفتحها مثل ثورة اللاجئين في حال نجحت وتبناها الناس ومضوا إلى أقصى ما يمكنهم تحقيقه:
• إعادة الصراع مع الكيان إلى جذوره: أي فتح قضية اللاجئين، وبدلاً من أن تكون جهود العالم والوسطاء والإعلام منصباً على إنهاء الاحتلال للضفة والقطاع ستصبح قضية اللاجئين هي قضية العالم التي يريد إنهاءها، وحل قضية اللاجئين يعني موت المشروع الصهيوني العنصري.
• فتح آفاق جديدة للحراك: بدلاً من وجود جبهتي الضفة والقطاع والتي تنضم لهم بين الحين والآخر جبهة الداخل الفلسطيني، يصبح أمام الصهاينة جبهات جديدة تستنزفهم، وإن كان فتح جبهات خارجية في السنوات الأخيرة يسبب حرجاً للتنظيمات الفلسطينية بسبب عدم الرغبة بالدخول في صدام مع الأنظمة العربية فاليوم تغيرت المعادلة.
فالأنظمة العربية لم تعد تجرؤ على طرح نفس مطالبها المتعجرفة إياها، وربما نشهد تغييراً في بعض الأنظمة المجاورة لفلسطين حتى تاريخ 15/5 فتتابع الأحداث أسرع مما يمكن توقعها، والشعوب العربية أصبح سقف مطالبها مرتفع، وحلفاء الكيان الصهيوني في المنطقة بدؤوا بالتساقط وأبرزهم نظام حسني مبارك.
• توحيد الشعب الفلسطيني: فمثلما وحدت انتفاضة الأقصى الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية، فمن الممكن جداً أن تنهي ثورة اللاجئين الخلافات الفلسطينية الداخلية في حال استطاعت كسر قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني.
• تخفيف الضغوط الغربية والدولية على الشعب الفلسطيني: فكما نرى اليوم غزة محاصرة والسلطة في الضفة تخضع لضغوط تجبرها على السير وفق خطوات مرسومة أمريكياً، وفي حال استطاعت ثورة اللاجئين كسر قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني فسيزول الحصار ولن يعود مجدياً الضغط على سلطة الضفة.
في الختام:
ثورة اللاجئين اليوم مجرد فكرة وفرصة، تحتاج لمن يحملها ويتبناها، وتحتاج لأن تتفاعل معها جموع الشعب الفلسطيني، وإلا فإن مصيرها الفشل مثل باقي الأفكار التي ولدت وماتت على الانترنت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق