تعامل مؤيدو فتح ووسائل الاعلام الفتحاوية الرسمية وغير الرسمية بالكثير من الشك مع الأخبار التي ترددت بداية الشهر الحالي حول الخلافات المتصاعدة بين محمد دحلان ومحمود عباس، والتي وصلت إلى إغلاق فضائيته "فلسطين الغد" وسحب الحراسات من حول منزله وتشكيل لجنة تحقيق معه ومع عدد كبير من المقربين إليه.
كما سخروا من تقارير أخبارية لمواقع مقربة من حماس تكلمت عن تفاصيل الخلاف بين الرجلين؛ مثل تقرير فلسطين الآن في 6/12/2010م والذي تكلم عن اعتقال 20 من مؤيدي دحلان في مخيم بلاطة وضبط مخزن للسلاح، وتقرير أجناد الأخباري في 8/12/2010م والذي تكلم عن تدريبات للأمن الوطني في مدينة نابلس من أجل التصدي لأي محاولة استيلاء لمجموعات دحلان على المقرات الأمنية.
واليوم بعد أكثر من ثلاث أسابيع على هذه التقارير والأخبار، والتي قوبلت بقدر كبير من السخرية والتشكيك، بدأنا نسمع تقارير من الجزيرة والبي بي سي ووكالات أنباء محايدة أخرى عن مؤامرة دحلان، وعن قيام محمود عباس وسلام فياض بتغيير طاقم حراستهم بناء على معلومات سرية وصلتهم من أحد مخابرات الدول العربية تتعلق بمخططات دحلان.
وأصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح يوم أول أمس الثلاثاء قراراً بتجميد عضوية محمد دحلان في اللجنة و"إيقاف إشرافه على مفوضية الثقافة والإعلام بحركة فتح" وتعيين نبيل أبو ردينة مكانه، كما "طالبت اللجنة المركزية بالإسراع بالتحقيق مع محمد دحلان موضحة أن التهم المنسوبة إليه هي: تسليح عناصر خارج الأجهزة الأمنية الرسمية، شق الصف الوطني، وحول مصادر ثرائه"، مثلما نقلت وكالة (أ ف ب) عن بيان اللجنة المركزية.
فبعد أسابيع من الإنكار اعترفت حركة فتح أخيراً بوجود المشكلة وقررت أن محمد دحلان هو سببها، وفجأة اكتشفت أن لديه مصادر ثراء مشبوهة وأنه خطر على الصف الوطني وأنه شخص متآمر من الطراز الأول، ويمكن القول أن محمد دحلان قد انتهى دوره في حركة فتح وأن قرار تجميد عضويته هو بمثابة الرصاصة السياسية القاضية.
لكن حتى لا تمر الأمور بكل سهولة وكأن فتح صححت خطأ وجود مثل هذا الرجل داخل صفوفها، أو تعتبر أنها مجرد خلافات داخلية خاصة بها ولا يحق لأحد من خارج صفوفها التدخل بها، نتساءل: ألم تتذمر حركة حماس من وجود هذا الرجل ومن ممارسته أكثر من مرة؟ ألم تقل حماس في عام 2007م أنّ مليشيا دحلان هي التي اضطرت حماس للقيام بالحسم ضد حركة فتح؟ ألم تقل حماس يومها أن مشكلتها مع دحلان وليس مع حركة فتح؟ لماذا قيل يومها أن كلام حماس مجرد محاولة لبث الفرقة في صفوف فتح؟
عندما وصلت محادثات المصالحة بين فتح وحماس إلى نقطة مناقشة إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية في غزة قبل أشهر قليلة، اشترطت حماس أن لا يكون دحلان أو أي شخص من رجاله جزءاً من هذه الترتيبات الجديدة، ويومها اتهمت حماس بأنها تضع العصي في الدواليب وأنها تريد إفشال المصالحة.
اليوم تصل اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس السلطة محمود عباس إلى نفس النتيجة التي وصلت إليها حماس عام 2007م، وإذا كانت حركة فتح المعتادة على الصراعات الداخلية لم تحتمل درجة تآمر دحلان على محمود عباس وقررت التخلص منه وهو ابنها الذي دافعت عنه بشدة وبعد أن كان مؤيدو فتح في المنتديات يصفونه بقاهر الظلاميين، فهل يمكن لوم حماس على عدم تحملها تجاوزات هذا الرجل؟ وهل ما زال قادة فتح يعتبرونها انقلابية بعد أن تصدت لعصابات تتبع لرجل يقولون اليوم أنه شخص متآمر ومشبوه؟
الآن حركة فتح ولجنتها المركزية أمام لحظة الحقيقة: إما أن محمد دحلان كان شخصية متآمرة ومخربة منذ زمن طويل وكانوا "غافلين عنه" واكتشفوا حقيقته فجأة، وإما أنهم كانوا يعلمون حقيقته لكنهم سكتوا عنه ما دام أذاه لا يطال حركة فتح ورموزها وعندما تجاوز الخطوط الحمراء وحاول المس بعباس قرروا وقفه عند حده، وإما أن ما ينسب إليه فيه مبالغة وكذب وأن كل ما في الأمر أنه سخر من محمود عباس في أحد المجالس الخاصة واتهمه وأولاده بالتكسب المادي من السلطة وبالتالي توضع حركة فتح على كف عفريت من أجل مصالح وصراعات شخصية لا أكثر ولا أقل.
نحن اليوم أمام أسئلة مطروحة على اللجنة المركزية لحركة فتح وهي: بعد عزلكم لرجل كان المتسبب الأول بالصراع مع حركة حماس وحالة الانقسام الفلسطيني ألم يأن الأوان لمراجعة سياستكم تجاه حركة حماس؟ ولماذا السكوت عنه طوال هذه السنوات وقد تذمر منه القريب والبعيد؟ وبعد ما قيل هل ستقبلون بعودة دحلان إلى اللجنة المركزية وإلى داخل حركة فتح ليواصل مسيرته وكأن شيئاً لم يحصل؟
نحن لا نتكلم عن صراع داخلي يخص حركة فتح، بل نتكلم عن رجل تآمر على ياسر عرفات وحرض على تمرد مسلح ضده وقوّى موقف الصهاينة وهم يحاصرون عرفات وكان بطريقة أو بأخرى سبباً في استشهاده، ثم تآمر على حماس وحمل السلاح ضدها وشكل فرق الموت في غزة وكان سبباً أساسياً للانقسام الفلسطيني، واليوم يتآمر ليخرب الضفة الغربية ويقود تمرداً ضد محمود عباس ومثلما قال المحلل السياسي بلال الحسن فالدور المطلوب من دحلان كان التخلص من عباس في حال اصراره على عدم اكمال المفاوضات مع الصهاينة، فهل هذا شأن فتحاوي داخلي أم شأن فلسطيني عام؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق