حقق المختطفون المضربون عن الطعام نجاحاً كبيراً عندما تمكنوا من جعل قضيتهم قضية رأي عام تجندت لها مؤسسات حقوق الإنسان وتناولها الإعلام المحلي والعربي والعالمي بشكل موسع، كما تمكنوا من دفع قيادة حركة حماس على إعطاء قضيتهم الأولوية رقم واحد وتعليق جلسات المصالحة مع حركة فتح حتى تحل قضيتهم.
وبعد أن كانت السلطة تنكر لفترات طويلة احتجازها لأي معتقلين سياسيين اضطرت للاعتراف بوجودهم تحت ضغط الإضراب عن الطعام وتحرك الجمعيات الحقوقية والحملة الإعلامية، وبدأت السلطة تحت الضغط الهائل بالتحرك من أجل إنهاء أزمة الإضراب، الأمر الذي يثبت أمرين أساسيين:
1- ما حك جلدك مثل ظفرك، قضية المعتقلين السياسيين لم يكن لها أن تتحرك لولا إضرابهم عن الطعام، وبعدها تجند أهاليهم وحركة حماس والإعلام والمؤسسات الحقوقية من أجل قضيتهم، وهذا درس لأي صاحب حق: إذا أردت مساعدة الآخرين فيجب أن تتحرك أولاً وأن ترفع من صوتك، وإلا فلن يساعدك أحد ولو كان أقرب المقربين.
2- التحرك على الصعيد الإعلامي والحقوقي أثبت أنه يمكن أن يحدث الفرق الكبير، فالأزمة التي عاشتها وما زالت تعيشها السلطة للآن ليست بالهينة، ويمكن بمزيد من التفاعل الشعبي والإعلامي والعمل الحقوقي أن نرى نتائج حقيقية على أرض الواقع.
في بداية الاضراب حرصت السلطة على كسر الإضراب بالقوة والتنكيل بالمضربين عن الطعام وقمعهم إلى سجون مختلفة، وعمدت إلى إهانتهم وتعريتهم من ملابسهم، إلا أنها وبعد فشلها بقمعهم وفي ظل تصاعد الحملة الإعلامية انتقلت للمرحلة التالية مرحلة الخديعة والهاءنا بقضايا ثانوية.
وضمن هذا الإطار جاء سماح الأجهزة الأمنية للنواب الإسلاميين بزيارة المضربين في سجني جنين وبيت لحم، ولم يكن هذا السماح احتراماً للنواب ودورهم المفترض في المجتمع، لأنه ومنذ اليوم الأول لنتائج انتخابات التشريعي وأجهزة السلطة المدنية والعسكرية تحارب نواب التغيير والإصلاح وتحاصرهم وتحرص على إفشالهم، وتزايدت الحملة هذه بعد الحسم عام 2007م، وطوال السنوات الثلاث الماضية منع النواب دخول المجلس التشريعي، بل إن بعض الاجتماعات التي عقدت مؤخراً لنواب في التشريعي بالضفة الغربية اقتصرت على نواب منظمة التحرير فيما استثني النواب الإسلاميين منها بشكل مطلق.
وبالتالي لا يمكن فهم التعامل المفاجئ مع النواب والسماح لهم بمثل هذه الزيارات التي كانت طوال الوقت من المحرمات إلا في إطار الخديعة ومحاولة تخفيف الضغط الإعلامي عن السلطة، ويعزز هذا الرأي اصرار الأجهزة الأمنية على مرافقة ناصر اللحام مدير وكالة معاً (المعروفة بانحيازها للسلطة) للنائبين أنور زبون ومحمود الخطيب والتقاط الصور مع الأسرى.
برز التلاعب والخداع عندما أخذت وكالة معاً وأجهزة السلطة الإعلامية مقاطع محددة من بيان النائبين زبون والخطيب والتي تكلمت عن وضع المختطفين الجيد نسبياً وعن وجود بوادر اتفاق لحل مشكلتهم، وحذفت الفقرات التي تتكلم عن استمرار الاضراب أو عن إصابة المعتقلين بالهزال نتيجة الاضراب عن الطعام، فكل ما تريده السلطة هو تهدئة الإعلام وتقوية موقفها أمام المؤسسات الحقوقية، من خلال الإيهام بأن المشكلة حلت وانهت معاناة المختطفين وتحققت مطالبهم.
تحاول السلطة إماتة قضية المخطتفين من خلال تحويلها إلى قضية مطلبية تتمثل بنقلهم إلى سجون قريبة من أماكن سكنهم، مع وعد بدراسة الافراج عنهم خلال شهر، ولا أفهم سبباً لمهلة الشهر إلا إماتة القضية والمماطلة حتى ينسى الجميع وبالتالي تتملص الأجهزة من الإفراج عنهم؛ لأنه يوجد قرار من المحكمة العليا وقرار آخر من النائب العام بالإفراج الفوري عنهم، وهذه القرارات صدرت منذ حوالي العام، فاحتجازهم أصلاً مخالف لقانون السلطة.
وهنا أريد أن أوجه همسة في أذن النواب الأربعة الذين زاروا المختطفين وأقول أن زيارتهم والاهتمام بهم أمر جيد ومطلوب، لكن الخروج على الإعلام والقول بأن المشكلة في طريقها للحل هو خطأ قاتل، لأننا تعودنا الغدر وعدم الالتزام بالوعود من السلطة، فالضغط الاعلامي على السلطة هو نقطة ضعفها الذي يدفعها لمحاولة حل الأزمة وأي تصريح يخفف عنها يقوي موقفها وعندها لن تعود القضية تهمهم من قريب أو من بعيد، وما طلب مهلة الشهر إلا دليل على نيتهم المبيتة بالغدر وعدم الالتزام، كما أن عدم خروج أي من مسؤولي السلطة لتأكيد وجود وعد بالإفراج عنهم بعد شهر يعني أن السلطة ستتملص وبكل سهولة من التزامها، وبعد شهر ستقول السلطة وبكل بجاحة "لم نلتزم لأحد بأي شيء".
وهنا أذكر موقف المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا عندما أفرج عنه نظام الفصل العنصري في بداية التسعينات كبادرة حسن نية ولاثبات رغبته بإنهاء التمييز العنصري، وعندما سأله الصحافيون وهو على باب السجن عن رأيه بخطوة الإفراج عنه لم يشكر سجانيه ولا نظام الفصل العنصري الذي سجنه لأكثر من عشرين عاماً بل حتى لم يقل أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، كل ما قاله أن نضاله ضد نظام الفصل العنصري لم ينته بل سيستمر حتى زوال النظام. وأوضح في وقت لاحق أنه كان خائفاً من أن يستغل النظام الإفراج عنه من أجل تحسين صورته.
لذا كان من الضروري عدم إعطاء السلطة هذه المكافأة المجانية، لأنها عملياً لم تقدم شيء حقيقي للمعتقلين ولم تلتزم بشيء، وكان بالإمكان أن يكتفي النواب بالقول أنه يجب الإفراج الفوري عن المعتقلين، أو حتى رفض الادلاء بتصريحات من الأصل، لأن كل مراد السلطة الحصول على تصريحات بأن كل شيء انتهى والمشكلة حلت وأصبحت من الماضي، وبما أنها حصلت على هذا التصريح فكل الخطوات التي وعدت بها لن تنفذ.
يجب مواصلة النضال والكفاح حتى كسر الاعتقال السياسي، ويجب الإبقاء على الزخم الإعلامي الضاغط على سلطة، وكان قرار حماس بوقف لقاءات المصالحة مع فتح حتى حل قضية المعتقلين السياسيين في مكانه والمهم أن تتمسك به حتى النهاية، لأنه حصل سابقاً وأن قبلت الاجتماع مع فتح مقابل وعود مصرية بإنهاء قضية المعتقلين لكن سرعان ما تم التهرب منها. لتأتي فتح وتنهي قضية المعتقلين السياسيين أو لا داعي للاجتماع معها، وعندها ستبدأ الدول العربية بالتواسط والضغط على السلطة، وموقف حماس والمختطفين هذه المرة قوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق