لست من الذين يشمتون بأعدائهم حتى لو كان الكلام يدور عن من قتل وهجر أبناء شعبي، ولست من الذين يفرحون عندما تحل مصيبة أو مأساة على عدوي، وإن كنت أفرح لعمل المقاومة الفلسطينية فذلك لأنها تسرع في عودة الحق المسلوب وفي خلاص الشعب الفلسطيني، وإن كنت أؤيد قتل الصهاينة فذلك لأن الصهاينة لم يتركوا لنا مجالاً سوى ذلك، فالمسلم لا يحارب ولا يقاتل حباً في رؤية دماء الآخرين، بل لأجل استعادة الحق ودفع العدوان.
لكن لحريق جبل الكرمل وضع خاص، ولأسباب كثيرة ففي مدينة حيفا بدأ اللاجئون الفلسطينيون الأوائل بالتوافد أوائل عشرينات القرن الماضي عندما طردهم الانجليز من قراهم حتى تقام المستوطنات لصالح الصهاينة اليهود قبل أن تطردهم مرة أخرى العصابات الصهيونية عام 1948م، وعلى قمة جبل الكرمل كانت قرية الدامون الفلسطينية والتي دمرها الاحتلال الصهيونية وطرد أهلها وما زال حتى يومنا هذا يرفض عودتهم إلى قريتهم مثلهم مثل ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من أجل الحفاظ على نقاء الدولة العبرية وطابعها اليهودي.
وأقاموا مكان قرية الدامون المدمرة سجن الدامون سيء السمعة، وقد كان في الأساس مصنعاً للتبغ وتم تحويله إلى سجن، وأغلقته سلطات الاحتلال الصهيوني عام 1999م بعد تقرير حكومي بأنه لا يصلح للاستعمال الادمي، لتعيد افتتاحه دون ترميمات جوهرية بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، بعد أن امتلأت سجون الاحتلال بالاف الفلسطينيين.
ومن عاش فيه من الأسرى الفلسطينيين يعرف معنى كلمة "لا يصلح للاستعمال الادمي"، غرف قديمة تتساقط قطع من الجدران والأسقف على رؤوس الأسرى، ورطوبة خانقة، وشبابيك مغلقة لمنع الأسرى من رؤية الغابات الجميلة المحيطة بالسجن، وعند أحد الشبابيك هنالك ثغرة صغيرة في قطعة الحديد التي تغلقه تتيح للأسير رؤية شجرة عملاقة من بعيد، ربما الان تحولت هذه الشجرة إلى رماد.
وقريباً من سجن الدامون هنالك مركز تحقيق الجلمة، والذي يحتجز فيه الأسرى الفلسطينيون في زنازين ضيقة لفترات تصل إلى شهر أو شهرين أو ثلاث شهور، معزولين تماماً عن العالم الخارجي، ويمارس فيه ضباط المخابرات الصهيونية كافة أشكال التعذيب النفسي والبدني، وأكثرها شيوعياً هو المنع من النوم لأيام وليالي متواصلة مع اجبار الأسير على الجلوس مكبلاً على كرسي طوال هذه الفترة.
كان من بين قتلى الحريق حوالي 40 سجاناً صهيونياً في طريقهم لنقل سجناء من سجن الدامون إلى سجن آخر، من بينهم أسرى وأسيرات فلسطينيون، وإن كان الموت حرقاً هو من أصعب الأمور والتي لا يملك الإنسان إلا أن يحزن لضحاياه، إلا أنه يصعب على من ضرب يوماً على أيدي سجاني الاحتلال الصهيوني أن يتعاطف مع جلاده، ومن الصعب على من ضربه رجال قوة النحشون (قوة الحراسة في سجون الاحتلال) أن يتسامح وأن يتناسى آلامه ويتعاطف مع الوحوش البشرية التي ابدعت في ساديتها واجرامها اثناء تنقله من سجن إلى آخر.
السجانون الصهاينة يتم تدريبهم على اشعار السجين الفلسطيني بالمهانة بكافة الطرق والوسائل، كي لا ينسى أنه في السجن، أما قوة النحشون فبمجرد ذكر اسمهم أمام أسير فلسطيني حتى تسري القشعريرة في بدنه، فلا احترام له أو لادميته أثناء نقله من مكان لآخر، وأسهل شيء عند رجال النحشون هو الضرب والضرب والضرب، ولاتفه الاسباب، فاذا كان الاسير مصاباً ويمشي ببطء وهو مكبل فهذا ذنب لا يغتفر يستحق عليه الضرب والصراخ والاهانة، وإذا طلب الذهاب إلى المرحاض في الطريق فلا يستحق إلا الصراخ واذا اعترض أو احتج فالضرب، وضربهم لا حدود له، وكم من أسير فقد السمع في احدى اذنيه، أو كسرت يده أو رجله لأنه تباطئ بالاستجابة لأوامر قوات النحشون.
نحن لا نشمت ولا نتمنى الشر لغيرنا، لكن من الصعب على الضحية أن تتعاطف مع جلادها، خاصة عندما تعلم علم اليقين أنه بمجرد زوال مصيبته سيعود للتنكيل به، ربما يتمنى الكثير من الفلسطينيين أن تدوم الحرائق، ليس حقداً ولا كراهيةً، بل كي يخف الظلم عنهم ولو لبضعة أيام.
يصعب علينا كفلسطينيين أن نرى دولاً عربية واسلامية وأوروبية وهي تساعد المحتل الصهيوني، والسجان الصهيوني، والجلاد الصهيوني، ليس لأننا نتمنى الشر ولا لأننا نحب الموت والدمار لغيرنا، لكن يحز في نفسنا أن يهب العالم أجمع لمساعدة من سرق أرضنا وشرد شعبنا وسجن أبناءنا، وبعدها تعود الأمور لطبيعتها ونبقى ممنوعين من دخول أرضنا وبلدنا، ويعود السجان ليعذب السجناء والأسرى، وكأن شيئاً لم يكن، فإلى متى نتحسر على بلدنا التي نمنع من دخولها وإلى متى نحرم من أسرانا؟ لكننا ندرك النفس الإنساني الذي يحكم العالم ويوجههم، لذا نوجه تساءلنا للمحتل الصهيوني هل أدركت بعد أن الظلم لا يدوم؟ هل أدركت أن الأرض لا تقبل بك وترفضك؟ هل أدركت أنه إن عجز جنود الأرض عن هزيمتك فإن جنود السماء أقوى منك وأقدر عليك؟
يعرف الصهاينة باستعداداتهم الأمنية الدائمة، وحرصهم على اتخاذ الاحتياطات المختلفة، والتدريبات لمواجهة المقاومة الفلسطينية ولمواجهة الكوارث الطبيعية، ومن عايش المجتمع الصهيوني عن قرب يدرك حجم الهوس الأمني لديهم، وهوسهم المبالغ به في اتخاذ اجراءات الأمن والأمان، لكن كل هذا تهاوى وتساقط في لحظة واحدة أمام غضب السماء، أدرك أن الصهاينة لن يلقوا لكلامي بالاً فأنا مجرد "فلسطيني"، ويعتقدون أنه يمكنهم تجنب كوارث مستقبلية بشراء المزيد من طائرات اطفاء الحرائق والمزيد من المواد والمزيد من الأسباب المادية، لكن مهما اشتروا وجهزوا من الأسباب الأرضية، إلا أن عدالة السماء لهم بالمرصاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق