تعامل مؤيدو فتح ووسائل الاعلام الفتحاوية الرسمية وغير الرسمية بالكثير من الشك مع الأخبار التي ترددت بداية الشهر الحالي حول الخلافات المتصاعدة بين محمد دحلان ومحمود عباس، والتي وصلت إلى إغلاق فضائيته "فلسطين الغد" وسحب الحراسات من حول منزله وتشكيل لجنة تحقيق معه ومع عدد كبير من المقربين إليه.
كما سخروا من تقارير أخبارية لمواقع مقربة من حماس تكلمت عن تفاصيل الخلاف بين الرجلين؛ مثل تقرير فلسطين الآن في 6/12/2010م والذي تكلم عن اعتقال 20 من مؤيدي دحلان في مخيم بلاطة وضبط مخزن للسلاح، وتقرير أجناد الأخباري في 8/12/2010م والذي تكلم عن تدريبات للأمن الوطني في مدينة نابلس من أجل التصدي لأي محاولة استيلاء لمجموعات دحلان على المقرات الأمنية.
واليوم بعد أكثر من ثلاث أسابيع على هذه التقارير والأخبار، والتي قوبلت بقدر كبير من السخرية والتشكيك، بدأنا نسمع تقارير من الجزيرة والبي بي سي ووكالات أنباء محايدة أخرى عن مؤامرة دحلان، وعن قيام محمود عباس وسلام فياض بتغيير طاقم حراستهم بناء على معلومات سرية وصلتهم من أحد مخابرات الدول العربية تتعلق بمخططات دحلان.
وأصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح يوم أول أمس الثلاثاء قراراً بتجميد عضوية محمد دحلان في اللجنة و"إيقاف إشرافه على مفوضية الثقافة والإعلام بحركة فتح" وتعيين نبيل أبو ردينة مكانه، كما "طالبت اللجنة المركزية بالإسراع بالتحقيق مع محمد دحلان موضحة أن التهم المنسوبة إليه هي: تسليح عناصر خارج الأجهزة الأمنية الرسمية، شق الصف الوطني، وحول مصادر ثرائه"، مثلما نقلت وكالة (أ ف ب) عن بيان اللجنة المركزية.
فبعد أسابيع من الإنكار اعترفت حركة فتح أخيراً بوجود المشكلة وقررت أن محمد دحلان هو سببها، وفجأة اكتشفت أن لديه مصادر ثراء مشبوهة وأنه خطر على الصف الوطني وأنه شخص متآمر من الطراز الأول، ويمكن القول أن محمد دحلان قد انتهى دوره في حركة فتح وأن قرار تجميد عضويته هو بمثابة الرصاصة السياسية القاضية.
لكن حتى لا تمر الأمور بكل سهولة وكأن فتح صححت خطأ وجود مثل هذا الرجل داخل صفوفها، أو تعتبر أنها مجرد خلافات داخلية خاصة بها ولا يحق لأحد من خارج صفوفها التدخل بها، نتساءل: ألم تتذمر حركة حماس من وجود هذا الرجل ومن ممارسته أكثر من مرة؟ ألم تقل حماس في عام 2007م أنّ مليشيا دحلان هي التي اضطرت حماس للقيام بالحسم ضد حركة فتح؟ ألم تقل حماس يومها أن مشكلتها مع دحلان وليس مع حركة فتح؟ لماذا قيل يومها أن كلام حماس مجرد محاولة لبث الفرقة في صفوف فتح؟
عندما وصلت محادثات المصالحة بين فتح وحماس إلى نقطة مناقشة إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية في غزة قبل أشهر قليلة، اشترطت حماس أن لا يكون دحلان أو أي شخص من رجاله جزءاً من هذه الترتيبات الجديدة، ويومها اتهمت حماس بأنها تضع العصي في الدواليب وأنها تريد إفشال المصالحة.
اليوم تصل اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس السلطة محمود عباس إلى نفس النتيجة التي وصلت إليها حماس عام 2007م، وإذا كانت حركة فتح المعتادة على الصراعات الداخلية لم تحتمل درجة تآمر دحلان على محمود عباس وقررت التخلص منه وهو ابنها الذي دافعت عنه بشدة وبعد أن كان مؤيدو فتح في المنتديات يصفونه بقاهر الظلاميين، فهل يمكن لوم حماس على عدم تحملها تجاوزات هذا الرجل؟ وهل ما زال قادة فتح يعتبرونها انقلابية بعد أن تصدت لعصابات تتبع لرجل يقولون اليوم أنه شخص متآمر ومشبوه؟
الآن حركة فتح ولجنتها المركزية أمام لحظة الحقيقة: إما أن محمد دحلان كان شخصية متآمرة ومخربة منذ زمن طويل وكانوا "غافلين عنه" واكتشفوا حقيقته فجأة، وإما أنهم كانوا يعلمون حقيقته لكنهم سكتوا عنه ما دام أذاه لا يطال حركة فتح ورموزها وعندما تجاوز الخطوط الحمراء وحاول المس بعباس قرروا وقفه عند حده، وإما أن ما ينسب إليه فيه مبالغة وكذب وأن كل ما في الأمر أنه سخر من محمود عباس في أحد المجالس الخاصة واتهمه وأولاده بالتكسب المادي من السلطة وبالتالي توضع حركة فتح على كف عفريت من أجل مصالح وصراعات شخصية لا أكثر ولا أقل.
نحن اليوم أمام أسئلة مطروحة على اللجنة المركزية لحركة فتح وهي: بعد عزلكم لرجل كان المتسبب الأول بالصراع مع حركة حماس وحالة الانقسام الفلسطيني ألم يأن الأوان لمراجعة سياستكم تجاه حركة حماس؟ ولماذا السكوت عنه طوال هذه السنوات وقد تذمر منه القريب والبعيد؟ وبعد ما قيل هل ستقبلون بعودة دحلان إلى اللجنة المركزية وإلى داخل حركة فتح ليواصل مسيرته وكأن شيئاً لم يحصل؟
نحن لا نتكلم عن صراع داخلي يخص حركة فتح، بل نتكلم عن رجل تآمر على ياسر عرفات وحرض على تمرد مسلح ضده وقوّى موقف الصهاينة وهم يحاصرون عرفات وكان بطريقة أو بأخرى سبباً في استشهاده، ثم تآمر على حماس وحمل السلاح ضدها وشكل فرق الموت في غزة وكان سبباً أساسياً للانقسام الفلسطيني، واليوم يتآمر ليخرب الضفة الغربية ويقود تمرداً ضد محمود عباس ومثلما قال المحلل السياسي بلال الحسن فالدور المطلوب من دحلان كان التخلص من عباس في حال اصراره على عدم اكمال المفاوضات مع الصهاينة، فهل هذا شأن فتحاوي داخلي أم شأن فلسطيني عام؟
شباب من أجل فلسطين تحاول أن تستثير همة الشباب وتتفاعل مع أفكارهم، فأي فكرة مهما كانت بسيطة نحتاجها ما دامت تخدم القضية الفلسطينية.
الجمعة، 31 ديسمبر 2010
زيارة النواب للمختطفين وألاعيب السلطة
حقق المختطفون المضربون عن الطعام نجاحاً كبيراً عندما تمكنوا من جعل قضيتهم قضية رأي عام تجندت لها مؤسسات حقوق الإنسان وتناولها الإعلام المحلي والعربي والعالمي بشكل موسع، كما تمكنوا من دفع قيادة حركة حماس على إعطاء قضيتهم الأولوية رقم واحد وتعليق جلسات المصالحة مع حركة فتح حتى تحل قضيتهم.
وبعد أن كانت السلطة تنكر لفترات طويلة احتجازها لأي معتقلين سياسيين اضطرت للاعتراف بوجودهم تحت ضغط الإضراب عن الطعام وتحرك الجمعيات الحقوقية والحملة الإعلامية، وبدأت السلطة تحت الضغط الهائل بالتحرك من أجل إنهاء أزمة الإضراب، الأمر الذي يثبت أمرين أساسيين:
1- ما حك جلدك مثل ظفرك، قضية المعتقلين السياسيين لم يكن لها أن تتحرك لولا إضرابهم عن الطعام، وبعدها تجند أهاليهم وحركة حماس والإعلام والمؤسسات الحقوقية من أجل قضيتهم، وهذا درس لأي صاحب حق: إذا أردت مساعدة الآخرين فيجب أن تتحرك أولاً وأن ترفع من صوتك، وإلا فلن يساعدك أحد ولو كان أقرب المقربين.
2- التحرك على الصعيد الإعلامي والحقوقي أثبت أنه يمكن أن يحدث الفرق الكبير، فالأزمة التي عاشتها وما زالت تعيشها السلطة للآن ليست بالهينة، ويمكن بمزيد من التفاعل الشعبي والإعلامي والعمل الحقوقي أن نرى نتائج حقيقية على أرض الواقع.
في بداية الاضراب حرصت السلطة على كسر الإضراب بالقوة والتنكيل بالمضربين عن الطعام وقمعهم إلى سجون مختلفة، وعمدت إلى إهانتهم وتعريتهم من ملابسهم، إلا أنها وبعد فشلها بقمعهم وفي ظل تصاعد الحملة الإعلامية انتقلت للمرحلة التالية مرحلة الخديعة والهاءنا بقضايا ثانوية.
وضمن هذا الإطار جاء سماح الأجهزة الأمنية للنواب الإسلاميين بزيارة المضربين في سجني جنين وبيت لحم، ولم يكن هذا السماح احتراماً للنواب ودورهم المفترض في المجتمع، لأنه ومنذ اليوم الأول لنتائج انتخابات التشريعي وأجهزة السلطة المدنية والعسكرية تحارب نواب التغيير والإصلاح وتحاصرهم وتحرص على إفشالهم، وتزايدت الحملة هذه بعد الحسم عام 2007م، وطوال السنوات الثلاث الماضية منع النواب دخول المجلس التشريعي، بل إن بعض الاجتماعات التي عقدت مؤخراً لنواب في التشريعي بالضفة الغربية اقتصرت على نواب منظمة التحرير فيما استثني النواب الإسلاميين منها بشكل مطلق.
وبالتالي لا يمكن فهم التعامل المفاجئ مع النواب والسماح لهم بمثل هذه الزيارات التي كانت طوال الوقت من المحرمات إلا في إطار الخديعة ومحاولة تخفيف الضغط الإعلامي عن السلطة، ويعزز هذا الرأي اصرار الأجهزة الأمنية على مرافقة ناصر اللحام مدير وكالة معاً (المعروفة بانحيازها للسلطة) للنائبين أنور زبون ومحمود الخطيب والتقاط الصور مع الأسرى.
برز التلاعب والخداع عندما أخذت وكالة معاً وأجهزة السلطة الإعلامية مقاطع محددة من بيان النائبين زبون والخطيب والتي تكلمت عن وضع المختطفين الجيد نسبياً وعن وجود بوادر اتفاق لحل مشكلتهم، وحذفت الفقرات التي تتكلم عن استمرار الاضراب أو عن إصابة المعتقلين بالهزال نتيجة الاضراب عن الطعام، فكل ما تريده السلطة هو تهدئة الإعلام وتقوية موقفها أمام المؤسسات الحقوقية، من خلال الإيهام بأن المشكلة حلت وانهت معاناة المختطفين وتحققت مطالبهم.
تحاول السلطة إماتة قضية المخطتفين من خلال تحويلها إلى قضية مطلبية تتمثل بنقلهم إلى سجون قريبة من أماكن سكنهم، مع وعد بدراسة الافراج عنهم خلال شهر، ولا أفهم سبباً لمهلة الشهر إلا إماتة القضية والمماطلة حتى ينسى الجميع وبالتالي تتملص الأجهزة من الإفراج عنهم؛ لأنه يوجد قرار من المحكمة العليا وقرار آخر من النائب العام بالإفراج الفوري عنهم، وهذه القرارات صدرت منذ حوالي العام، فاحتجازهم أصلاً مخالف لقانون السلطة.
وهنا أريد أن أوجه همسة في أذن النواب الأربعة الذين زاروا المختطفين وأقول أن زيارتهم والاهتمام بهم أمر جيد ومطلوب، لكن الخروج على الإعلام والقول بأن المشكلة في طريقها للحل هو خطأ قاتل، لأننا تعودنا الغدر وعدم الالتزام بالوعود من السلطة، فالضغط الاعلامي على السلطة هو نقطة ضعفها الذي يدفعها لمحاولة حل الأزمة وأي تصريح يخفف عنها يقوي موقفها وعندها لن تعود القضية تهمهم من قريب أو من بعيد، وما طلب مهلة الشهر إلا دليل على نيتهم المبيتة بالغدر وعدم الالتزام، كما أن عدم خروج أي من مسؤولي السلطة لتأكيد وجود وعد بالإفراج عنهم بعد شهر يعني أن السلطة ستتملص وبكل سهولة من التزامها، وبعد شهر ستقول السلطة وبكل بجاحة "لم نلتزم لأحد بأي شيء".
وهنا أذكر موقف المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا عندما أفرج عنه نظام الفصل العنصري في بداية التسعينات كبادرة حسن نية ولاثبات رغبته بإنهاء التمييز العنصري، وعندما سأله الصحافيون وهو على باب السجن عن رأيه بخطوة الإفراج عنه لم يشكر سجانيه ولا نظام الفصل العنصري الذي سجنه لأكثر من عشرين عاماً بل حتى لم يقل أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، كل ما قاله أن نضاله ضد نظام الفصل العنصري لم ينته بل سيستمر حتى زوال النظام. وأوضح في وقت لاحق أنه كان خائفاً من أن يستغل النظام الإفراج عنه من أجل تحسين صورته.
لذا كان من الضروري عدم إعطاء السلطة هذه المكافأة المجانية، لأنها عملياً لم تقدم شيء حقيقي للمعتقلين ولم تلتزم بشيء، وكان بالإمكان أن يكتفي النواب بالقول أنه يجب الإفراج الفوري عن المعتقلين، أو حتى رفض الادلاء بتصريحات من الأصل، لأن كل مراد السلطة الحصول على تصريحات بأن كل شيء انتهى والمشكلة حلت وأصبحت من الماضي، وبما أنها حصلت على هذا التصريح فكل الخطوات التي وعدت بها لن تنفذ.
يجب مواصلة النضال والكفاح حتى كسر الاعتقال السياسي، ويجب الإبقاء على الزخم الإعلامي الضاغط على سلطة، وكان قرار حماس بوقف لقاءات المصالحة مع فتح حتى حل قضية المعتقلين السياسيين في مكانه والمهم أن تتمسك به حتى النهاية، لأنه حصل سابقاً وأن قبلت الاجتماع مع فتح مقابل وعود مصرية بإنهاء قضية المعتقلين لكن سرعان ما تم التهرب منها. لتأتي فتح وتنهي قضية المعتقلين السياسيين أو لا داعي للاجتماع معها، وعندها ستبدأ الدول العربية بالتواسط والضغط على السلطة، وموقف حماس والمختطفين هذه المرة قوي.
وبعد أن كانت السلطة تنكر لفترات طويلة احتجازها لأي معتقلين سياسيين اضطرت للاعتراف بوجودهم تحت ضغط الإضراب عن الطعام وتحرك الجمعيات الحقوقية والحملة الإعلامية، وبدأت السلطة تحت الضغط الهائل بالتحرك من أجل إنهاء أزمة الإضراب، الأمر الذي يثبت أمرين أساسيين:
1- ما حك جلدك مثل ظفرك، قضية المعتقلين السياسيين لم يكن لها أن تتحرك لولا إضرابهم عن الطعام، وبعدها تجند أهاليهم وحركة حماس والإعلام والمؤسسات الحقوقية من أجل قضيتهم، وهذا درس لأي صاحب حق: إذا أردت مساعدة الآخرين فيجب أن تتحرك أولاً وأن ترفع من صوتك، وإلا فلن يساعدك أحد ولو كان أقرب المقربين.
2- التحرك على الصعيد الإعلامي والحقوقي أثبت أنه يمكن أن يحدث الفرق الكبير، فالأزمة التي عاشتها وما زالت تعيشها السلطة للآن ليست بالهينة، ويمكن بمزيد من التفاعل الشعبي والإعلامي والعمل الحقوقي أن نرى نتائج حقيقية على أرض الواقع.
في بداية الاضراب حرصت السلطة على كسر الإضراب بالقوة والتنكيل بالمضربين عن الطعام وقمعهم إلى سجون مختلفة، وعمدت إلى إهانتهم وتعريتهم من ملابسهم، إلا أنها وبعد فشلها بقمعهم وفي ظل تصاعد الحملة الإعلامية انتقلت للمرحلة التالية مرحلة الخديعة والهاءنا بقضايا ثانوية.
وضمن هذا الإطار جاء سماح الأجهزة الأمنية للنواب الإسلاميين بزيارة المضربين في سجني جنين وبيت لحم، ولم يكن هذا السماح احتراماً للنواب ودورهم المفترض في المجتمع، لأنه ومنذ اليوم الأول لنتائج انتخابات التشريعي وأجهزة السلطة المدنية والعسكرية تحارب نواب التغيير والإصلاح وتحاصرهم وتحرص على إفشالهم، وتزايدت الحملة هذه بعد الحسم عام 2007م، وطوال السنوات الثلاث الماضية منع النواب دخول المجلس التشريعي، بل إن بعض الاجتماعات التي عقدت مؤخراً لنواب في التشريعي بالضفة الغربية اقتصرت على نواب منظمة التحرير فيما استثني النواب الإسلاميين منها بشكل مطلق.
وبالتالي لا يمكن فهم التعامل المفاجئ مع النواب والسماح لهم بمثل هذه الزيارات التي كانت طوال الوقت من المحرمات إلا في إطار الخديعة ومحاولة تخفيف الضغط الإعلامي عن السلطة، ويعزز هذا الرأي اصرار الأجهزة الأمنية على مرافقة ناصر اللحام مدير وكالة معاً (المعروفة بانحيازها للسلطة) للنائبين أنور زبون ومحمود الخطيب والتقاط الصور مع الأسرى.
برز التلاعب والخداع عندما أخذت وكالة معاً وأجهزة السلطة الإعلامية مقاطع محددة من بيان النائبين زبون والخطيب والتي تكلمت عن وضع المختطفين الجيد نسبياً وعن وجود بوادر اتفاق لحل مشكلتهم، وحذفت الفقرات التي تتكلم عن استمرار الاضراب أو عن إصابة المعتقلين بالهزال نتيجة الاضراب عن الطعام، فكل ما تريده السلطة هو تهدئة الإعلام وتقوية موقفها أمام المؤسسات الحقوقية، من خلال الإيهام بأن المشكلة حلت وانهت معاناة المختطفين وتحققت مطالبهم.
تحاول السلطة إماتة قضية المخطتفين من خلال تحويلها إلى قضية مطلبية تتمثل بنقلهم إلى سجون قريبة من أماكن سكنهم، مع وعد بدراسة الافراج عنهم خلال شهر، ولا أفهم سبباً لمهلة الشهر إلا إماتة القضية والمماطلة حتى ينسى الجميع وبالتالي تتملص الأجهزة من الإفراج عنهم؛ لأنه يوجد قرار من المحكمة العليا وقرار آخر من النائب العام بالإفراج الفوري عنهم، وهذه القرارات صدرت منذ حوالي العام، فاحتجازهم أصلاً مخالف لقانون السلطة.
وهنا أريد أن أوجه همسة في أذن النواب الأربعة الذين زاروا المختطفين وأقول أن زيارتهم والاهتمام بهم أمر جيد ومطلوب، لكن الخروج على الإعلام والقول بأن المشكلة في طريقها للحل هو خطأ قاتل، لأننا تعودنا الغدر وعدم الالتزام بالوعود من السلطة، فالضغط الاعلامي على السلطة هو نقطة ضعفها الذي يدفعها لمحاولة حل الأزمة وأي تصريح يخفف عنها يقوي موقفها وعندها لن تعود القضية تهمهم من قريب أو من بعيد، وما طلب مهلة الشهر إلا دليل على نيتهم المبيتة بالغدر وعدم الالتزام، كما أن عدم خروج أي من مسؤولي السلطة لتأكيد وجود وعد بالإفراج عنهم بعد شهر يعني أن السلطة ستتملص وبكل سهولة من التزامها، وبعد شهر ستقول السلطة وبكل بجاحة "لم نلتزم لأحد بأي شيء".
وهنا أذكر موقف المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا عندما أفرج عنه نظام الفصل العنصري في بداية التسعينات كبادرة حسن نية ولاثبات رغبته بإنهاء التمييز العنصري، وعندما سأله الصحافيون وهو على باب السجن عن رأيه بخطوة الإفراج عنه لم يشكر سجانيه ولا نظام الفصل العنصري الذي سجنه لأكثر من عشرين عاماً بل حتى لم يقل أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، كل ما قاله أن نضاله ضد نظام الفصل العنصري لم ينته بل سيستمر حتى زوال النظام. وأوضح في وقت لاحق أنه كان خائفاً من أن يستغل النظام الإفراج عنه من أجل تحسين صورته.
لذا كان من الضروري عدم إعطاء السلطة هذه المكافأة المجانية، لأنها عملياً لم تقدم شيء حقيقي للمعتقلين ولم تلتزم بشيء، وكان بالإمكان أن يكتفي النواب بالقول أنه يجب الإفراج الفوري عن المعتقلين، أو حتى رفض الادلاء بتصريحات من الأصل، لأن كل مراد السلطة الحصول على تصريحات بأن كل شيء انتهى والمشكلة حلت وأصبحت من الماضي، وبما أنها حصلت على هذا التصريح فكل الخطوات التي وعدت بها لن تنفذ.
يجب مواصلة النضال والكفاح حتى كسر الاعتقال السياسي، ويجب الإبقاء على الزخم الإعلامي الضاغط على سلطة، وكان قرار حماس بوقف لقاءات المصالحة مع فتح حتى حل قضية المعتقلين السياسيين في مكانه والمهم أن تتمسك به حتى النهاية، لأنه حصل سابقاً وأن قبلت الاجتماع مع فتح مقابل وعود مصرية بإنهاء قضية المعتقلين لكن سرعان ما تم التهرب منها. لتأتي فتح وتنهي قضية المعتقلين السياسيين أو لا داعي للاجتماع معها، وعندها ستبدأ الدول العربية بالتواسط والضغط على السلطة، وموقف حماس والمختطفين هذه المرة قوي.
الجمعة، 17 ديسمبر 2010
بعد مهرجان انطلاقة حماس: متى "انطلاقة" المسجد الأقصى؟
تمكنت حركة حماس من حشد مئات الألوف لمهرجان ذكرى انطلاقتها الثلاثة والعشرين، في استعراض للقوة للتأكيد على قوتها وشعبيتها المتماسكة، وكجزء من الحرب النفسية في مواجهة الكيان الصهيوني وحكومته التي تحاصر غزة أملاً في اسقاط تجربة حكومة المقاومة الإسلامية، وتدجين قطاع غزة كما دجنت من قبل الضفة الغربية بمساعدة حكومة دايتون – مولر.
وقد نجحت حركة حماس في رفع معنويات عشرات الملايين من مؤيديها على امتداد العالم العربي والإسلامي، وطمأنتهم بأنها ما زالت قوية ولم يزدها الحصار إلا قوة وثباتاً، كما نجحت بتوجيه رسالة قوية لكل من راهن ويراهن على انهيارها وتركها للحكومة أو تخلي الشعب عنها أو القدرة على تدجينها وادخالها بيت الطاعة الأمريكي بأن هذه مجرد أوهام لا تزداد إلا بعداً عن التحقق، وأن عامل الزمن الذي يراهنون عليه لا يلعب في صالحهم.
إلا أننا نطرح هنا تساؤلاً لماذا يقتصر حشد حماس الجماهيري الضخم على هذه المناسبة فقط؟ لماذا لا يكون الحشد مخصصاً للمسجد الأقصى ونصرته؟ لقد استطاع مهرجان الانطلاقة لفت أنظار ملايين البشر الذين اهتموا وتابعوا هذا الحدث، بينما يعاني المسجد الأقصى من الإهمال وعدم الاهتمام الاعلامي والجماهيري والشعبي، لماذا لا تستغل حماس قدرتها على الحشد والتنظيم من أجل عمل مهرجان ضخم على مستوى حشدها لمهرجان الانطلاقة لكن هذه المرة من أجل المسجد الأقصى.
والهدف هو حشد الرأي العام وراء قضية المسجد الأقصى، وتحريك الجماهير من أجل الاهتمام بالأقصى الذي يتعرض لحملة تهويد ممنهجة، وصلت إلى بناء الكنس اليهودية على مقربة منه بل وتحت جداره الغربي، وغداً سنجدها وسط المسجد الأقصى دون أن يحرك أحداً ساكناً.
من البديهيات أنه لا يمكن الحشد لهذه المهرجانات كل يوم والآخر، لذا تلجأ حماس لادخار جهدها وإمكانياتها من أجل مهرجان الانطلاقة، فالاعداد لمثل هذا المهرجان يحتاج لأسابيع طويلة من التحضير، والجماهير لا تستطيع حضور مهرجان بهذا الحجم كل بضعة أشهر، لذا الأمر يحتاج أن تستبدل حماس مهرجان انطلاقتها السنوي بمهرجان آخر لنصرة المسجد الأقصى ومخصص لنصرة المسجد الأقصى، على غرار ما تفعله الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر.
فالمسجد الأقصى يستحق أكثر من مهرجان، وحماس لديها من قدرات الحشد والقدرة على جذب وسائل الاعلام والحرية في التصريحات واتخاذ المواقف ما لا تملكه الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر. صحيح أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية ذكر في خطابه المسجد الأقصى والقدس وشدد على هويتهما الإسلامية، بل وأكد على أن الاحتلال لا مستقبل له في فلسطين، "كل فلسطين من بحرها إلى نهرها" كما قال حرفياً قاطعاً الطريق على المشككين بمواقفه ومواقف حركة حماس، لكن هنالك فرق بين مهرجان حزبي - فصائلي ومهرجان مكرس لقضية الأقصى، وأكثر الناس تهتم بالعناوين أكثر من اهتمامها بالمضمون، وبالتالي عندما يكون العنوان انطلاقة حماس فسيذهب فكرها لحماس التنظيم والحركة و"حماس منافسة حركة فتح"، أما عندما يخصص مهرجان عن المسجد الأقصى فسيتوجه كل الانتباه والاهتمام إلى المسجد الأقصى.
لقد وصل الوضع الداخلي الفلسطيني إلى مرحلة تعتبر فيها انطلاقة الفصائل والتنظيمات بأنها المناسبات المفصلية التي تحرك الشارع الفلسطيني، وهذا وضع غير صحي اطلاقاً، خاصة وفي ظل حالة الانقسام الداخلي وتحول اهتمام الجميع عن محاربة الاحتلال إلى محاربة "الخصم الفلسطيني"، فالبوصلة انحرفت منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم يعد الكيان الصهيوني هو العدو الأول في نظر الكثيرين، وخاصة عندما نتكلم عن القواعد الشعبية وبكل أسف.
أدرك أن قيادة حماس تحاول إبقاء البوصلة في اتجاه العدو الصهيوني، ولذا تحاول عقد المصالحة مع حركة فتح بالرغم من تجاوزات فتح وجرائمها، لكن من الواضح أن المصالحة ليست قريبة ولا حتى شبه قريبة، ولن تكون كذلك على المدى المنظور، ومحادثات المصالحة أصبحت مجرد مناوة عند سلطة فتح تلجأ لها كلما تأزم الموقف التفاوضي مع الكيان الصهيوني، ومناورات إعلامية لا أكثر ولا أقل، وبالتالي يجب على قيادة حماس أن تفكر بطرق أخرى للخروج من دوامة الصراع الداخلي الذي يجر الجميع برغبتهم أو بدون رغبتهم.
طبيعي أن مهرجان جماهيري من أجل المسجد الأقصى لن يحرره ولن يطرد الصهاينة من المدينة المقدسة، لكنه ضروري من أجل توجيه أنظار الناس، ومن حشدهم وراء قضية هامة ومصيرية بدلاً من الحشد حول الصراع الداخلي الفلسطيني، ومثل هذا المهرجان يمكن أن يكون مناسبة لتوحد فصائل المقاومة وأتكلم تحديداً عن حركة الجهاد الإسلامي وغيرها من فصائل المقاومة التي يمكن أن تقبل بمثل هذا الحشد؛ للأسف هنالك فصائل ليست جريئة لأن تنتظم في تحالف من أجل الأقصى.
ولا يجدر بحماس أن تستخف بغيرها أو أن تظن أنه يمكن الاستغناء عنهم، صحيح أن عدد مناصريها أكبر بكثير من مناصري الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية – القيادة العامة أو حركة فتح الانتفاضة أو لجان المقاومة الشعبية، لكن عندما تقف هذه الفصائل مجتمعة على منصة واحدة ويعلنون غضبة من أجل الأقصى ويعلنون بدء الحشد والنفير من أجل المسجد الأقصى، فسينضم الالاف من المستقلين (وربما بعض مؤيدي حركة فتح) إلى مثل هذا الحلف، فمتى نفكر بما هو جديد؟ ومتى نفكر بتغيير طريقة تعاملنا مع الانقسام الفلسطيني؟ حماس ليست كغيرها من الفصائل وهي عودتنا على المبادرة والابداع، لذا ننتظر منها ما يفاجئنا كما عودتنا.
وقد نجحت حركة حماس في رفع معنويات عشرات الملايين من مؤيديها على امتداد العالم العربي والإسلامي، وطمأنتهم بأنها ما زالت قوية ولم يزدها الحصار إلا قوة وثباتاً، كما نجحت بتوجيه رسالة قوية لكل من راهن ويراهن على انهيارها وتركها للحكومة أو تخلي الشعب عنها أو القدرة على تدجينها وادخالها بيت الطاعة الأمريكي بأن هذه مجرد أوهام لا تزداد إلا بعداً عن التحقق، وأن عامل الزمن الذي يراهنون عليه لا يلعب في صالحهم.
إلا أننا نطرح هنا تساؤلاً لماذا يقتصر حشد حماس الجماهيري الضخم على هذه المناسبة فقط؟ لماذا لا يكون الحشد مخصصاً للمسجد الأقصى ونصرته؟ لقد استطاع مهرجان الانطلاقة لفت أنظار ملايين البشر الذين اهتموا وتابعوا هذا الحدث، بينما يعاني المسجد الأقصى من الإهمال وعدم الاهتمام الاعلامي والجماهيري والشعبي، لماذا لا تستغل حماس قدرتها على الحشد والتنظيم من أجل عمل مهرجان ضخم على مستوى حشدها لمهرجان الانطلاقة لكن هذه المرة من أجل المسجد الأقصى.
والهدف هو حشد الرأي العام وراء قضية المسجد الأقصى، وتحريك الجماهير من أجل الاهتمام بالأقصى الذي يتعرض لحملة تهويد ممنهجة، وصلت إلى بناء الكنس اليهودية على مقربة منه بل وتحت جداره الغربي، وغداً سنجدها وسط المسجد الأقصى دون أن يحرك أحداً ساكناً.
من البديهيات أنه لا يمكن الحشد لهذه المهرجانات كل يوم والآخر، لذا تلجأ حماس لادخار جهدها وإمكانياتها من أجل مهرجان الانطلاقة، فالاعداد لمثل هذا المهرجان يحتاج لأسابيع طويلة من التحضير، والجماهير لا تستطيع حضور مهرجان بهذا الحجم كل بضعة أشهر، لذا الأمر يحتاج أن تستبدل حماس مهرجان انطلاقتها السنوي بمهرجان آخر لنصرة المسجد الأقصى ومخصص لنصرة المسجد الأقصى، على غرار ما تفعله الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر.
فالمسجد الأقصى يستحق أكثر من مهرجان، وحماس لديها من قدرات الحشد والقدرة على جذب وسائل الاعلام والحرية في التصريحات واتخاذ المواقف ما لا تملكه الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر. صحيح أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية ذكر في خطابه المسجد الأقصى والقدس وشدد على هويتهما الإسلامية، بل وأكد على أن الاحتلال لا مستقبل له في فلسطين، "كل فلسطين من بحرها إلى نهرها" كما قال حرفياً قاطعاً الطريق على المشككين بمواقفه ومواقف حركة حماس، لكن هنالك فرق بين مهرجان حزبي - فصائلي ومهرجان مكرس لقضية الأقصى، وأكثر الناس تهتم بالعناوين أكثر من اهتمامها بالمضمون، وبالتالي عندما يكون العنوان انطلاقة حماس فسيذهب فكرها لحماس التنظيم والحركة و"حماس منافسة حركة فتح"، أما عندما يخصص مهرجان عن المسجد الأقصى فسيتوجه كل الانتباه والاهتمام إلى المسجد الأقصى.
لقد وصل الوضع الداخلي الفلسطيني إلى مرحلة تعتبر فيها انطلاقة الفصائل والتنظيمات بأنها المناسبات المفصلية التي تحرك الشارع الفلسطيني، وهذا وضع غير صحي اطلاقاً، خاصة وفي ظل حالة الانقسام الداخلي وتحول اهتمام الجميع عن محاربة الاحتلال إلى محاربة "الخصم الفلسطيني"، فالبوصلة انحرفت منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم يعد الكيان الصهيوني هو العدو الأول في نظر الكثيرين، وخاصة عندما نتكلم عن القواعد الشعبية وبكل أسف.
أدرك أن قيادة حماس تحاول إبقاء البوصلة في اتجاه العدو الصهيوني، ولذا تحاول عقد المصالحة مع حركة فتح بالرغم من تجاوزات فتح وجرائمها، لكن من الواضح أن المصالحة ليست قريبة ولا حتى شبه قريبة، ولن تكون كذلك على المدى المنظور، ومحادثات المصالحة أصبحت مجرد مناوة عند سلطة فتح تلجأ لها كلما تأزم الموقف التفاوضي مع الكيان الصهيوني، ومناورات إعلامية لا أكثر ولا أقل، وبالتالي يجب على قيادة حماس أن تفكر بطرق أخرى للخروج من دوامة الصراع الداخلي الذي يجر الجميع برغبتهم أو بدون رغبتهم.
طبيعي أن مهرجان جماهيري من أجل المسجد الأقصى لن يحرره ولن يطرد الصهاينة من المدينة المقدسة، لكنه ضروري من أجل توجيه أنظار الناس، ومن حشدهم وراء قضية هامة ومصيرية بدلاً من الحشد حول الصراع الداخلي الفلسطيني، ومثل هذا المهرجان يمكن أن يكون مناسبة لتوحد فصائل المقاومة وأتكلم تحديداً عن حركة الجهاد الإسلامي وغيرها من فصائل المقاومة التي يمكن أن تقبل بمثل هذا الحشد؛ للأسف هنالك فصائل ليست جريئة لأن تنتظم في تحالف من أجل الأقصى.
ولا يجدر بحماس أن تستخف بغيرها أو أن تظن أنه يمكن الاستغناء عنهم، صحيح أن عدد مناصريها أكبر بكثير من مناصري الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية – القيادة العامة أو حركة فتح الانتفاضة أو لجان المقاومة الشعبية، لكن عندما تقف هذه الفصائل مجتمعة على منصة واحدة ويعلنون غضبة من أجل الأقصى ويعلنون بدء الحشد والنفير من أجل المسجد الأقصى، فسينضم الالاف من المستقلين (وربما بعض مؤيدي حركة فتح) إلى مثل هذا الحلف، فمتى نفكر بما هو جديد؟ ومتى نفكر بتغيير طريقة تعاملنا مع الانقسام الفلسطيني؟ حماس ليست كغيرها من الفصائل وهي عودتنا على المبادرة والابداع، لذا ننتظر منها ما يفاجئنا كما عودتنا.
اتفاقية سايكس بيكو في ظل وثائق ويكيليكس
سمع الكثير منا باتفاقية سايكس بيكو وكيف كانت المقدمة لتقسيم البلدان العربية إلى كيانات ودول قطرية، وهي العلاقة التي يعلق العرب شماعة فشلهم بالوحدة حتى يومنا هذا، بالرغم من الاستقلال "الظاهري" للدول العربية، إلا أننا نود تسليط الضوء على بعض الجوانب التي يجهلها الكثير من الناس (لكنها معروفة جيداً للمؤرخين ودارسي التاريخ).
نظرة سريعة على اتفاقية سايكس بيكو:
الأطراف الموقعة لهذه الاتفاقية ليست بريطانيا وفرنسا كما تعلم أغلبنا، بل هي أربع دول: بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا القيصرية، وهي عبارة عن مراسلات وتفاهمات بين وزراء خارجية هذه الدول لبحث تقسيم تركة الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب، وجرت هذه المباحثات خلال عامي 1915م و1916م وسط معمعان الحرب العالمية الأولى.
اتفقت الأطراف أن تأخذ روسيا القيصرية أقساماً واسعة من شرق تركيا، فيما يأخذ البريطانيون العراق وتكون البصرة وبغداد تحت حكمهم المباشر، فيما المناطق الداخلية تقام فيها دولة عربية تتبع للتاج البريطاني، أما الفرنسيون فكانت حصتهم بلاد الشام والموصل ومناطق تقع اليوم جنوب تركيا (محافظات مرسين وأضنة والاسكندرونة)، وترك للايطاليين السيطرة على جنوب غرب تركيا، فيما أعطي لليونان الشواطئ الغربية لتركية.
أما فلسطين فقد تقرر أن تكون تحت إدارة دولية، نظراً لأهميتها الدينية ورغبة جميع الإطراف أن تكون تابعة لهم، مع إعطاء البريطانيين مدينة حيفا لتكون ميناء لهم، إلا أن الثورة البلشفية في روسيا أواخر عام 1917م أخرجت روسيا من الحرب العالمية ومن الاتفاقية.
كيف خرجت الوثيقة للعلن:
وكان من بين ما قام به البلاشفة بعد ثورتهم واستيلاءهم على وثائق وزارة خارجية روسيا القيصرية في مدينة بتروجراد، هو نشر هذه الوثائق من أجل فضح الحلفاء والدول الاستعمارية الامبريالية، وكان من بين الوثائق اتفاقية سايكس بيكو، والتي أرسلوها للأتراك العثمانيين، والذين بدورهم نشروها، وأوصلوها للشريف حسين قائد "الثورة العربية" حتى يقولوا له هؤلاء من تتحالف معهم يتآمرون عليك أيضاً، وحاول والي بيروت جمال باشا عرض الصلح مع الشريف حسين في بدايات عام 1918م مستدلاً باتفاقية سايكس بيكو.
إلا أن الشريف حسين كان أخذ قراره وانتهى، وركن إلى مراسلاته مع ممثل حكومة بريطانيا العظمى السير مكامهون والتي أجريت في وقت قريب من اتفاقية سايكس بيكو (عام 1915م)، واكتفى بالاستفسار من بريطانيا حول صحة الاتفاقية والتي اكتفت بدورها بالالتزام بما اتفق عليه في المراسلات بينهما، وكان هذا كافياً بالنسبة للشريف حسين وقادة الثورة لكي يدفنوا رؤوسهم بالرمال ويمضوا قدماً في ثورتهم. بالرغم من أن تصرفات الفرنسيين على الأرض تشير لصحة ما جاء في الوثيقة ، فقد بدأوا باحتلال مدن ساحل بلاد الشام منذ عام 1918م، في مخالفة واضحة لما اتفق عليه مع البريطانيين.
كان الشريف حسين يأمل بقيام دولة عربية على المشرق العربي، وهي المنطقة التي تضم الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وأن ينصب ملكاً عليها، وهكذا ضمنت له بريطانيا (أو هكذا ظن أن بريطانيا وعدته)، لكن عندما عقد الحلفاء المنتصرون مؤتمر فرساي عام 1919م لتقاسم الغنائم، لم يتحقق أي من أحلامه، بل وأكثر من ذلك بدأ الفرنسيون يهددون ما كسبه من أرض.
وجه الفرنسيون إنذاراً لابن الشريف حسين بالخروج من دمشق (لأنها من "حصتهم") وبعد معركة سريعة في ميسلون عام 1920م قبل الملك فيصل وخرج من سوريا، وأوجد له البريطانيون حلاً وسطاً عندما نصبوه ملكاً على العراق، فيما أنشئت إمارة شرق الأردن لترضية شقيقه الأصغر الملك عبد الله، وهنا نرى كيف فشل الشريف حسين بإقامة دولته العربية، ليس فقط لأن القوى الاستعمارية تآمرت عليه، بل حتى أبناءه لم يساعدوه وذهب كل واحد منهم لإقامة دولته الخاصة، ونقلت بعض المصادر التاريخية عن الشريف وصفه لأبنائه بالأفاعي.
ما بعد سايكس بيكو:
من المفارقات أن الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو لم يلتزم بها، فجاءت اتفاقية سان ريمو عام 1920م لترسم الحدود كما نعرفها اليوم، فرنسا تولت الحكم المباشر لساحل الشام والمنطقة الداخلية أيضاً، باستثناء فلسطين وإمارة شرق الأردن، فيما تنازلت عن حصتها في الموصل لصالح بريطانيا ودولة العراق التي أنشئت كمكافئة للملك فيصل، أما فلسطين فقد وضعت بريطانيا الجميع تحت الأمر الواقع عندما احتلتها خلال الحرب العالمية الأولى ولم تقبل بتحويلها لإدارة دولية.
أما في تركيا فعقدت معاهدة سيفر عام 1920م والتي قسمت تركيا بطريقة مشابهة، وأعطي للأكراد دولتهم وللأرمن دولتهم، وجعلت اسطنبول منطقة تحت الإدارة الدولية، وبدأت جيوش اليونان بغزو الساحل التركي، فقام كمال اتاتورك بجمع شتات الجيش العثماني وبدأ بخوض حرب عصابات ضد الاستعمار الفرنسي في جنوب تركيا، وضد الهجوم اليوناني في غربها، وأحرز انتصاراً كبيراً على اليونانيين عند مدينة أزمير عام 1920م، وكان نصراً مؤزراً خلده أمير الشعراء أحمد شوقي بالقصيدة التي يقول مطلعها:
الله أكبر كم في الفتح من عجب ....... يا خالد الترك جدد خالد العرب
وبينما كان أتاتورك يخوض حربه ضد القوى الاستعمارية وقف السلطان العثماني ضده، وأصدر علماء السلطان فتاوي تحرم قتال القوى الاستعمارية بدعوى حرمة خرق الاتفاقيات التي عقدها ولي الأمر، وهذا كان أحد المبررات التي دفعت أتاتورك لمحاربة الخلافة وإلغائها والانسلاخ عن التاريخ والإرث الإسلامي لتركيا، مع الإشارة إلى خلفيته العلمانية متأثراً ببعثته الدراسية إلى فرنسا في مطلع حياته.
استطاع أتاتورك أن يفشل معاهدة سيفر، وعقد اتفاقية لوزان عام 1923م التي أعادت لتركيا وحدتها، وانسحب الفرنسيون من محافظات أضنة ومرسين، وفي وقت لاحق من الاسكندرونة، ولم تعد اسطنبول مدينة تحت الإدارة الدولية، أما من كان يقود العرب (الأسرة الهاشمية) فقد رضوا باتفاقية سايكس بيكو وسان ريمو، والباقي معروف لديكم.
التاريخ يعيد نفسه بطرق عديدة:
ما يلفت الانتباه في هذه اللمحة التاريخة هي توفر الوثائق والمعلومات للعرب والأتراك، لكن كما اليوم دفن قادة الثورة العربية رؤوسهم في الرمال، بل وحتى بعد الخديعة بقي من يبرر لهم، فنرى المؤرخ القومي جورج أنطونيوس يبرر للبريطانيين إصدار وعد بلفور ملقياً اللوم على تعنت الفرنسيين، فحسب زعمه كان البريطانيون ينوون الوفاء بعهدهم للشريف حسين، لكن الفرنسيين تمسكوا باتفاقية سايكس بيكو التي تجعل فلسطين تحت إدارة دولية، فيما البريطانيون يحتاجونها لحماية قناة السويس، فاضطر البريطانيون لإصدار وعد بلفور حتى يتهربوا من الإدارة الدولية وتعنت الفرنسيين.
تبدو اليوم رواية أنطونيوس عجائبية، لكنها لا تختلف في شيء عن تبريرات صحافي وكتاب الأنظمة في أيامنا هذه، الذين يخترعون قصص وروايات لا يقبلها عقل ولا منطق حتى يقنعونا بأن القيادة السياسية حكيمة وتعلم ما تفعل، فيما نفس الأخطاء التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى يعاد صنعها وبنسخ عصرية.
نرى اليوم هذه الشريحة على رأس المشككين بوثائق ويكيليكس، وبطريقة مثيرة للسخرية تظهر وطنيتهم فجأة ويستنكروا الاستشهاد بوثائق أمريكية، مع أنهم طوال الوقت من المبشرين بالعدل الأمريكي، والنزاهة الأمريكية، والذكاء الأمريكي، وبدأت تساؤلاتهم" لماذا الآن" و"ما الهدف من نشرها"، لكن نسألهم أليست حقيقية؟ وبغض النظر عن نية من نشرها أو توقيتها، ألا تكشف لكم أموراً تتعامون عنها؟
كان للبلاشفة السوفيات أسبابهم الخاصة، لكن لم نصدقهم لأن من أوصل إلينا المعلومة كانوا الأتراك العثمانيين، وكانوا أصحاب مصلحة "بالكذب" في هذا الشأن، وفيما كانت الشواهد تتوالى على الملك فيصل وعلى الشريف حسين بصدق المؤامرة: احتلال الفرنسيين لساحل الشام، والاحتلال الانجليز لكامل فلسطين، وصدور وعد بلفور، لكن لم يهمهم لا الوثيقة ولا الشواهد التي تؤكدها، فقد كان خيارهم محسوماً مسبقاً.
وثائق ويكيليكس:
وثائق ويكيليكس لم تكشف أموراً مجهولة، على الأقل عندما التكلم بالعموميات، هي كشفت لنا أموراً ندركها ونلمسها ونشعر بها، لكنها جاءت لتوثقها ولتقولها بشكل صريح لا يقبل التأويل، ولطالما استمر كتاب وصحافيو الأنظمة بدفن رؤوسهم في الرمال، وهم يقولوا لنا هذه مجرد تكهنات ومجرد تخمينات، فلا الأدلة على الأرض تقنعهم ولا الوثائق المكتوبة تقنعهم لأنهم حسموا خياراتهم مسبقاً، ومثل أسلافهم أغلقوا عقولهم.
سايكس بيكو جاءت لتقسم العالم العربي وتركيا، في العالم العربي لم تكن هنالك مقاومة ومضت المؤامرة وأصبحنا أكبر المدافعين عن الحدود القطرية التي رسمها لنا الاستعمار، وأصبحنا نقدس الحواجز التي رسموها لنا، واليوم تبين لنا وثائق ويكيليكس (وهي وثائق مسربة مثلها مثل اتفاقية سايكس بيكو) أن الحكام الذين يحكموننا هم من طينة الشريف حسين والملك فيصل، عطلوا عقولهم وارتموا في حضن الاستعمار.
في المقابل أتاتورك لم يقبل بما رسمه الاستعمار له، وحارب وانتصر وحقق ما فيه مصلحة لبلده، وبالرغم من علمانيته الشديدة ومن محاربته للدين فإن تركيا التي أسسها هي أفضل حالاً من عالمنا العربي الذي أسس له أسلاف الزعماء العرب المعاصرين، وهي أقرب لمصالح الإسلام والمسلمين من الأنظمة العربية المعاصرة، فما يجب أن ندركه أننا هزمنا لأننا عطلنا عقولنا ولأننا قبلنا بتفوق الغرب علينا واستسلمنا لمخططاته.
نظرة سريعة على اتفاقية سايكس بيكو:
الأطراف الموقعة لهذه الاتفاقية ليست بريطانيا وفرنسا كما تعلم أغلبنا، بل هي أربع دول: بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا القيصرية، وهي عبارة عن مراسلات وتفاهمات بين وزراء خارجية هذه الدول لبحث تقسيم تركة الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب، وجرت هذه المباحثات خلال عامي 1915م و1916م وسط معمعان الحرب العالمية الأولى.
اتفقت الأطراف أن تأخذ روسيا القيصرية أقساماً واسعة من شرق تركيا، فيما يأخذ البريطانيون العراق وتكون البصرة وبغداد تحت حكمهم المباشر، فيما المناطق الداخلية تقام فيها دولة عربية تتبع للتاج البريطاني، أما الفرنسيون فكانت حصتهم بلاد الشام والموصل ومناطق تقع اليوم جنوب تركيا (محافظات مرسين وأضنة والاسكندرونة)، وترك للايطاليين السيطرة على جنوب غرب تركيا، فيما أعطي لليونان الشواطئ الغربية لتركية.
أما فلسطين فقد تقرر أن تكون تحت إدارة دولية، نظراً لأهميتها الدينية ورغبة جميع الإطراف أن تكون تابعة لهم، مع إعطاء البريطانيين مدينة حيفا لتكون ميناء لهم، إلا أن الثورة البلشفية في روسيا أواخر عام 1917م أخرجت روسيا من الحرب العالمية ومن الاتفاقية.
كيف خرجت الوثيقة للعلن:
وكان من بين ما قام به البلاشفة بعد ثورتهم واستيلاءهم على وثائق وزارة خارجية روسيا القيصرية في مدينة بتروجراد، هو نشر هذه الوثائق من أجل فضح الحلفاء والدول الاستعمارية الامبريالية، وكان من بين الوثائق اتفاقية سايكس بيكو، والتي أرسلوها للأتراك العثمانيين، والذين بدورهم نشروها، وأوصلوها للشريف حسين قائد "الثورة العربية" حتى يقولوا له هؤلاء من تتحالف معهم يتآمرون عليك أيضاً، وحاول والي بيروت جمال باشا عرض الصلح مع الشريف حسين في بدايات عام 1918م مستدلاً باتفاقية سايكس بيكو.
إلا أن الشريف حسين كان أخذ قراره وانتهى، وركن إلى مراسلاته مع ممثل حكومة بريطانيا العظمى السير مكامهون والتي أجريت في وقت قريب من اتفاقية سايكس بيكو (عام 1915م)، واكتفى بالاستفسار من بريطانيا حول صحة الاتفاقية والتي اكتفت بدورها بالالتزام بما اتفق عليه في المراسلات بينهما، وكان هذا كافياً بالنسبة للشريف حسين وقادة الثورة لكي يدفنوا رؤوسهم بالرمال ويمضوا قدماً في ثورتهم. بالرغم من أن تصرفات الفرنسيين على الأرض تشير لصحة ما جاء في الوثيقة ، فقد بدأوا باحتلال مدن ساحل بلاد الشام منذ عام 1918م، في مخالفة واضحة لما اتفق عليه مع البريطانيين.
كان الشريف حسين يأمل بقيام دولة عربية على المشرق العربي، وهي المنطقة التي تضم الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وأن ينصب ملكاً عليها، وهكذا ضمنت له بريطانيا (أو هكذا ظن أن بريطانيا وعدته)، لكن عندما عقد الحلفاء المنتصرون مؤتمر فرساي عام 1919م لتقاسم الغنائم، لم يتحقق أي من أحلامه، بل وأكثر من ذلك بدأ الفرنسيون يهددون ما كسبه من أرض.
وجه الفرنسيون إنذاراً لابن الشريف حسين بالخروج من دمشق (لأنها من "حصتهم") وبعد معركة سريعة في ميسلون عام 1920م قبل الملك فيصل وخرج من سوريا، وأوجد له البريطانيون حلاً وسطاً عندما نصبوه ملكاً على العراق، فيما أنشئت إمارة شرق الأردن لترضية شقيقه الأصغر الملك عبد الله، وهنا نرى كيف فشل الشريف حسين بإقامة دولته العربية، ليس فقط لأن القوى الاستعمارية تآمرت عليه، بل حتى أبناءه لم يساعدوه وذهب كل واحد منهم لإقامة دولته الخاصة، ونقلت بعض المصادر التاريخية عن الشريف وصفه لأبنائه بالأفاعي.
ما بعد سايكس بيكو:
من المفارقات أن الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو لم يلتزم بها، فجاءت اتفاقية سان ريمو عام 1920م لترسم الحدود كما نعرفها اليوم، فرنسا تولت الحكم المباشر لساحل الشام والمنطقة الداخلية أيضاً، باستثناء فلسطين وإمارة شرق الأردن، فيما تنازلت عن حصتها في الموصل لصالح بريطانيا ودولة العراق التي أنشئت كمكافئة للملك فيصل، أما فلسطين فقد وضعت بريطانيا الجميع تحت الأمر الواقع عندما احتلتها خلال الحرب العالمية الأولى ولم تقبل بتحويلها لإدارة دولية.
أما في تركيا فعقدت معاهدة سيفر عام 1920م والتي قسمت تركيا بطريقة مشابهة، وأعطي للأكراد دولتهم وللأرمن دولتهم، وجعلت اسطنبول منطقة تحت الإدارة الدولية، وبدأت جيوش اليونان بغزو الساحل التركي، فقام كمال اتاتورك بجمع شتات الجيش العثماني وبدأ بخوض حرب عصابات ضد الاستعمار الفرنسي في جنوب تركيا، وضد الهجوم اليوناني في غربها، وأحرز انتصاراً كبيراً على اليونانيين عند مدينة أزمير عام 1920م، وكان نصراً مؤزراً خلده أمير الشعراء أحمد شوقي بالقصيدة التي يقول مطلعها:
الله أكبر كم في الفتح من عجب ....... يا خالد الترك جدد خالد العرب
وبينما كان أتاتورك يخوض حربه ضد القوى الاستعمارية وقف السلطان العثماني ضده، وأصدر علماء السلطان فتاوي تحرم قتال القوى الاستعمارية بدعوى حرمة خرق الاتفاقيات التي عقدها ولي الأمر، وهذا كان أحد المبررات التي دفعت أتاتورك لمحاربة الخلافة وإلغائها والانسلاخ عن التاريخ والإرث الإسلامي لتركيا، مع الإشارة إلى خلفيته العلمانية متأثراً ببعثته الدراسية إلى فرنسا في مطلع حياته.
استطاع أتاتورك أن يفشل معاهدة سيفر، وعقد اتفاقية لوزان عام 1923م التي أعادت لتركيا وحدتها، وانسحب الفرنسيون من محافظات أضنة ومرسين، وفي وقت لاحق من الاسكندرونة، ولم تعد اسطنبول مدينة تحت الإدارة الدولية، أما من كان يقود العرب (الأسرة الهاشمية) فقد رضوا باتفاقية سايكس بيكو وسان ريمو، والباقي معروف لديكم.
التاريخ يعيد نفسه بطرق عديدة:
ما يلفت الانتباه في هذه اللمحة التاريخة هي توفر الوثائق والمعلومات للعرب والأتراك، لكن كما اليوم دفن قادة الثورة العربية رؤوسهم في الرمال، بل وحتى بعد الخديعة بقي من يبرر لهم، فنرى المؤرخ القومي جورج أنطونيوس يبرر للبريطانيين إصدار وعد بلفور ملقياً اللوم على تعنت الفرنسيين، فحسب زعمه كان البريطانيون ينوون الوفاء بعهدهم للشريف حسين، لكن الفرنسيين تمسكوا باتفاقية سايكس بيكو التي تجعل فلسطين تحت إدارة دولية، فيما البريطانيون يحتاجونها لحماية قناة السويس، فاضطر البريطانيون لإصدار وعد بلفور حتى يتهربوا من الإدارة الدولية وتعنت الفرنسيين.
تبدو اليوم رواية أنطونيوس عجائبية، لكنها لا تختلف في شيء عن تبريرات صحافي وكتاب الأنظمة في أيامنا هذه، الذين يخترعون قصص وروايات لا يقبلها عقل ولا منطق حتى يقنعونا بأن القيادة السياسية حكيمة وتعلم ما تفعل، فيما نفس الأخطاء التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى يعاد صنعها وبنسخ عصرية.
نرى اليوم هذه الشريحة على رأس المشككين بوثائق ويكيليكس، وبطريقة مثيرة للسخرية تظهر وطنيتهم فجأة ويستنكروا الاستشهاد بوثائق أمريكية، مع أنهم طوال الوقت من المبشرين بالعدل الأمريكي، والنزاهة الأمريكية، والذكاء الأمريكي، وبدأت تساؤلاتهم" لماذا الآن" و"ما الهدف من نشرها"، لكن نسألهم أليست حقيقية؟ وبغض النظر عن نية من نشرها أو توقيتها، ألا تكشف لكم أموراً تتعامون عنها؟
كان للبلاشفة السوفيات أسبابهم الخاصة، لكن لم نصدقهم لأن من أوصل إلينا المعلومة كانوا الأتراك العثمانيين، وكانوا أصحاب مصلحة "بالكذب" في هذا الشأن، وفيما كانت الشواهد تتوالى على الملك فيصل وعلى الشريف حسين بصدق المؤامرة: احتلال الفرنسيين لساحل الشام، والاحتلال الانجليز لكامل فلسطين، وصدور وعد بلفور، لكن لم يهمهم لا الوثيقة ولا الشواهد التي تؤكدها، فقد كان خيارهم محسوماً مسبقاً.
وثائق ويكيليكس:
وثائق ويكيليكس لم تكشف أموراً مجهولة، على الأقل عندما التكلم بالعموميات، هي كشفت لنا أموراً ندركها ونلمسها ونشعر بها، لكنها جاءت لتوثقها ولتقولها بشكل صريح لا يقبل التأويل، ولطالما استمر كتاب وصحافيو الأنظمة بدفن رؤوسهم في الرمال، وهم يقولوا لنا هذه مجرد تكهنات ومجرد تخمينات، فلا الأدلة على الأرض تقنعهم ولا الوثائق المكتوبة تقنعهم لأنهم حسموا خياراتهم مسبقاً، ومثل أسلافهم أغلقوا عقولهم.
سايكس بيكو جاءت لتقسم العالم العربي وتركيا، في العالم العربي لم تكن هنالك مقاومة ومضت المؤامرة وأصبحنا أكبر المدافعين عن الحدود القطرية التي رسمها لنا الاستعمار، وأصبحنا نقدس الحواجز التي رسموها لنا، واليوم تبين لنا وثائق ويكيليكس (وهي وثائق مسربة مثلها مثل اتفاقية سايكس بيكو) أن الحكام الذين يحكموننا هم من طينة الشريف حسين والملك فيصل، عطلوا عقولهم وارتموا في حضن الاستعمار.
في المقابل أتاتورك لم يقبل بما رسمه الاستعمار له، وحارب وانتصر وحقق ما فيه مصلحة لبلده، وبالرغم من علمانيته الشديدة ومن محاربته للدين فإن تركيا التي أسسها هي أفضل حالاً من عالمنا العربي الذي أسس له أسلاف الزعماء العرب المعاصرين، وهي أقرب لمصالح الإسلام والمسلمين من الأنظمة العربية المعاصرة، فما يجب أن ندركه أننا هزمنا لأننا عطلنا عقولنا ولأننا قبلنا بتفوق الغرب علينا واستسلمنا لمخططاته.
الخميس، 9 ديسمبر 2010
بعد انتخابات مجلس الشعب: مصر إلى أين؟
كان قرار المحكمة الإدارية العليا في مصر القاضي ببطلان الانتخابات في عدد من الدوائر بمثابة ضربة إضافية وجهت لشرعية الانتخابات التي شابتها الكثير من التجاوزات منذ أن تم تعديل القوانين بحيث يضمن النظام ابعاد الرقابة القضائية على الانتخابات، مروراً بمنع الكثير من المرشحين من تقديم أوراقهم (وهو سبب حكم المحكمة الإدارية ببطلان العملية في الدوائر تلك نظراً لرفض لجنة الانتخابات الالتزام بأحكام قضائية سابقة)، وانتهاءً بأعمال البلطجة والتزوير خلال الجولة الأولى من العملية الانتخابية.
انقسمت المعارضة المصرية إلى قسمين: قسم قاطع الانتخابات لأنه متيقن أنها انتخابات مزورة، وهذا ما أثبتته الوقائع، وقسم قال نريد المشاركة ومحاولة انتزاع حقنا بانتخابات شرعية، وإذا حاول النظام التزوير فسنقوم بفضحه، وحكم المحكمة الإدارية العليا (ومن قبلها الأحكام القضائية لمحاكم إدارية أقل) أثبتت صحة كلامهم وصحة قرارهم بمقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات (جولة الإعادة).
ومن المفارقات أن أعمال العنف والبلطجة اختفت (أو على الأقل هكذا بدا لي كمتابع) في جولة الإعادة، وهذا يثبت على أنها أعمال مبرمجة وموجهة من أجل سرقة نتيجة الانتخابات وليست مجرد تجاوزات لأنصار النظام والحزب الوطني الحاكم.
المعارضة بشقيها تقول أن الانتخابات غير شرعية، وأثبتت ذلك إعلامياً من خلال التقارير الاعلامية بالصوت والصورة التي أثبتت تجاوزات النظام وتزويره للنتائج، وسياسيا من خلال المقاطعة (سواء كانت المقاطعة من البدء أو الانسحاب بعد الجولة الأولى)، وشعبياً من خلال نسبة المشاركة المتدنية التي لم تتجاوز العشرين بالمئة، وقضائياً حيث يوجد معها الآن حكم قضائي ببطلان الانتخابات، وفي حال لم يستجب لقرار المحكمة العليا، سيكون المجلس القادم مجلساً باطلاً قانوناً، مما يجعل المعارضة المصرية أمام تحدي وهو ترجمة هذه الانتصارات الاعلامية والسياسية والقضائية إلى انجازات على أرض الواقع، لكي تستطيع الانطلاق بمسيرة الاصلاح ومحاربة جرائم النظام المصري.
قرار المحكمة الإدارية العليا مهم جداً، فعندما نقول أن مجلس الشعب باطل والانتخابات باطلة، فهذا يعني أن النظام كله باطل وغير دستوري (لأن الرئيس القادم سينتخبه مجلس الشعب)، مما يجعل مبارك وفتحي سرور وكل الوزراء مجرد قادة حزب سياسي مثلهم مثل حزب الوفد أو الاخوان المسلمين أو حركة كفاية (هذا من ناحية قضائية)، ويجعل جاهز أمن الدولة مجرد مليشيا تنفذ سياسة حزب ومصالح شخصية لا أكثر ولا أقل.
النظام سيلتف على الأمر ويحاول تجميل نفسه وإيجاد المخارج القانونية التي تجعل العملية تبدو وكأنها شرعية، لكن الرصاصة التي تخرج لا يمكن ارجاعها، وكل ما كان مجرد مزاعم للمعارضة أصبح موثقاً الآن بقرار هيئة قضائية مصرية من قلب النظام نفسه، وهذه فرصة لمحاربة التزوير ومحاربة من يقومون على التزوير والتضييق عليهم وعلى جرائمهم.
المطلوب الآن تجاوز الخلافات الداخلية في صفوف المعارضة المصرية، والتي عطلت لحد اللحظة من وجود جبهة معارضة قوية تقف في وجه النظام، بالإضافة لتجاوز الخلاف الناجم عن عدم اتفاق المعارضة على قضية المشاركة من عدم المشاركة، لأن الهدف تحقق الان وهو اثبات عدم مشروعية الانتخابات، ويوجد بيدهم ورقة قوية ليلعبوا بها.
يفضل دوماً الالتقاء على هدف واحد بسيط ولا خلاف عليه، لأن المعارضة المصرية طيف واسع ويستحيل الاتفاق على كل شيء، فليكن هنالك هدفاً بسيطاً يتفق عليه الجميع، وهو المطالبة بعدم اعتماد نتيجة الانتخابات الحالية، وشن حملة واسعة النطاق لكي لا يبدأ مجلس الشعب نشاطه ولتعطيله عن البدء بمسرحية التوريث، مع وضع الاحتمالات المختلفة في الحسبان؛ مثل إذا رفض النظام الخضوع وإعادة الانتخابات وفق شروط نزيهة وضمانات حقيقية، فكيف يكون التعامل معه؟ هل يتم الدعوة لعصيان مدني وكيف يكون ذلك وغير ذلك من الترتيبات.
من أخطاء المعارضة وخاصة الأحزاب والتنظيمات الكبيرة، ظنها أنها تستطيع الاستغناء عن الأحزاب والتنظيمات الأصغر، وبالتالي ترفض استيعابها أو مناقشة مطالبها (والتي ربما لا تكون محقة لكن يجب مناقشتها)، ومن الضروري أن يدرك الجميع أنه لا يمكن تحريك الشارع المصري إلا إذا كانت هنالك جبهة موحدة من الجميع، لا الإخوان لوحدهم يستطيعون تحريكه، ولا حتى لو تحالفوا مع حزبين أو ثلاث أحزاب، وأي محاولة تغيير لا تستند إلى قاعدة شعبية عريضة تمثل المجتمع المصري بكليته لن تنجح، وسيبقى النظام ممسكاً بقوة على رقبة الشعب المصري إلى أن يشاء الله.
ومن المهم هنا التوضيح أن تحالف المعارضة لا يعني مجرد الزيادة العددية لمجموع الاحزاب والجماعات المشكلة للتحالف، فلو فرضنا أن الإخوان يمتلكون 30 ألف نشيط وكفاية تمتلك 5 آلاف نشيط والحزب الناصري يمتلك ألف أو ألفي نشيط، فتحالفهم لا يعني أنهم سيمتلكون 38 ألف نشيط، بل سيكون هنالك اندفاع للكثير من الأشخاص العاديين وغير المؤطرين حزبياً الذين سيتشجعون من وجود هكذا تحالف وسنتكلم وقتها عن تحالف من مئة ألف نشيط أو أكثر، مع التأكيد على أن الأرقام التي ذكرتها هي افتراضية حتى أوضح فكرة أن التحالف والجبهة الموحدة ليست مجرد عملية جمع للأنصار بل ستضفي زخماً لا يمكن أن يكون بدون هذا التحالف، وأن مثل هذه التحالفات لا تحتكم لقانون (1+1=2)، بل (1+1= 11).
نأمل أن تتمكن المعارضة المصرية من اغتنام الفرصة، لأن النظام يسير بغرور وتكبر نحو تكريس التوريث ونحو تكريس الفساد ونحو تخريب البلد وادامة التخلف الاقتصادي والاجتماعي في سبيل مصالح شخصية لقلة متنفذة.
انقسمت المعارضة المصرية إلى قسمين: قسم قاطع الانتخابات لأنه متيقن أنها انتخابات مزورة، وهذا ما أثبتته الوقائع، وقسم قال نريد المشاركة ومحاولة انتزاع حقنا بانتخابات شرعية، وإذا حاول النظام التزوير فسنقوم بفضحه، وحكم المحكمة الإدارية العليا (ومن قبلها الأحكام القضائية لمحاكم إدارية أقل) أثبتت صحة كلامهم وصحة قرارهم بمقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات (جولة الإعادة).
ومن المفارقات أن أعمال العنف والبلطجة اختفت (أو على الأقل هكذا بدا لي كمتابع) في جولة الإعادة، وهذا يثبت على أنها أعمال مبرمجة وموجهة من أجل سرقة نتيجة الانتخابات وليست مجرد تجاوزات لأنصار النظام والحزب الوطني الحاكم.
المعارضة بشقيها تقول أن الانتخابات غير شرعية، وأثبتت ذلك إعلامياً من خلال التقارير الاعلامية بالصوت والصورة التي أثبتت تجاوزات النظام وتزويره للنتائج، وسياسيا من خلال المقاطعة (سواء كانت المقاطعة من البدء أو الانسحاب بعد الجولة الأولى)، وشعبياً من خلال نسبة المشاركة المتدنية التي لم تتجاوز العشرين بالمئة، وقضائياً حيث يوجد معها الآن حكم قضائي ببطلان الانتخابات، وفي حال لم يستجب لقرار المحكمة العليا، سيكون المجلس القادم مجلساً باطلاً قانوناً، مما يجعل المعارضة المصرية أمام تحدي وهو ترجمة هذه الانتصارات الاعلامية والسياسية والقضائية إلى انجازات على أرض الواقع، لكي تستطيع الانطلاق بمسيرة الاصلاح ومحاربة جرائم النظام المصري.
قرار المحكمة الإدارية العليا مهم جداً، فعندما نقول أن مجلس الشعب باطل والانتخابات باطلة، فهذا يعني أن النظام كله باطل وغير دستوري (لأن الرئيس القادم سينتخبه مجلس الشعب)، مما يجعل مبارك وفتحي سرور وكل الوزراء مجرد قادة حزب سياسي مثلهم مثل حزب الوفد أو الاخوان المسلمين أو حركة كفاية (هذا من ناحية قضائية)، ويجعل جاهز أمن الدولة مجرد مليشيا تنفذ سياسة حزب ومصالح شخصية لا أكثر ولا أقل.
النظام سيلتف على الأمر ويحاول تجميل نفسه وإيجاد المخارج القانونية التي تجعل العملية تبدو وكأنها شرعية، لكن الرصاصة التي تخرج لا يمكن ارجاعها، وكل ما كان مجرد مزاعم للمعارضة أصبح موثقاً الآن بقرار هيئة قضائية مصرية من قلب النظام نفسه، وهذه فرصة لمحاربة التزوير ومحاربة من يقومون على التزوير والتضييق عليهم وعلى جرائمهم.
المطلوب الآن تجاوز الخلافات الداخلية في صفوف المعارضة المصرية، والتي عطلت لحد اللحظة من وجود جبهة معارضة قوية تقف في وجه النظام، بالإضافة لتجاوز الخلاف الناجم عن عدم اتفاق المعارضة على قضية المشاركة من عدم المشاركة، لأن الهدف تحقق الان وهو اثبات عدم مشروعية الانتخابات، ويوجد بيدهم ورقة قوية ليلعبوا بها.
يفضل دوماً الالتقاء على هدف واحد بسيط ولا خلاف عليه، لأن المعارضة المصرية طيف واسع ويستحيل الاتفاق على كل شيء، فليكن هنالك هدفاً بسيطاً يتفق عليه الجميع، وهو المطالبة بعدم اعتماد نتيجة الانتخابات الحالية، وشن حملة واسعة النطاق لكي لا يبدأ مجلس الشعب نشاطه ولتعطيله عن البدء بمسرحية التوريث، مع وضع الاحتمالات المختلفة في الحسبان؛ مثل إذا رفض النظام الخضوع وإعادة الانتخابات وفق شروط نزيهة وضمانات حقيقية، فكيف يكون التعامل معه؟ هل يتم الدعوة لعصيان مدني وكيف يكون ذلك وغير ذلك من الترتيبات.
من أخطاء المعارضة وخاصة الأحزاب والتنظيمات الكبيرة، ظنها أنها تستطيع الاستغناء عن الأحزاب والتنظيمات الأصغر، وبالتالي ترفض استيعابها أو مناقشة مطالبها (والتي ربما لا تكون محقة لكن يجب مناقشتها)، ومن الضروري أن يدرك الجميع أنه لا يمكن تحريك الشارع المصري إلا إذا كانت هنالك جبهة موحدة من الجميع، لا الإخوان لوحدهم يستطيعون تحريكه، ولا حتى لو تحالفوا مع حزبين أو ثلاث أحزاب، وأي محاولة تغيير لا تستند إلى قاعدة شعبية عريضة تمثل المجتمع المصري بكليته لن تنجح، وسيبقى النظام ممسكاً بقوة على رقبة الشعب المصري إلى أن يشاء الله.
ومن المهم هنا التوضيح أن تحالف المعارضة لا يعني مجرد الزيادة العددية لمجموع الاحزاب والجماعات المشكلة للتحالف، فلو فرضنا أن الإخوان يمتلكون 30 ألف نشيط وكفاية تمتلك 5 آلاف نشيط والحزب الناصري يمتلك ألف أو ألفي نشيط، فتحالفهم لا يعني أنهم سيمتلكون 38 ألف نشيط، بل سيكون هنالك اندفاع للكثير من الأشخاص العاديين وغير المؤطرين حزبياً الذين سيتشجعون من وجود هكذا تحالف وسنتكلم وقتها عن تحالف من مئة ألف نشيط أو أكثر، مع التأكيد على أن الأرقام التي ذكرتها هي افتراضية حتى أوضح فكرة أن التحالف والجبهة الموحدة ليست مجرد عملية جمع للأنصار بل ستضفي زخماً لا يمكن أن يكون بدون هذا التحالف، وأن مثل هذه التحالفات لا تحتكم لقانون (1+1=2)، بل (1+1= 11).
نأمل أن تتمكن المعارضة المصرية من اغتنام الفرصة، لأن النظام يسير بغرور وتكبر نحو تكريس التوريث ونحو تكريس الفساد ونحو تخريب البلد وادامة التخلف الاقتصادي والاجتماعي في سبيل مصالح شخصية لقلة متنفذة.
السبت، 4 ديسمبر 2010
حريق جبل الكرمل: عندما تعاقب السماء جلادي الأرض
لست من الذين يشمتون بأعدائهم حتى لو كان الكلام يدور عن من قتل وهجر أبناء شعبي، ولست من الذين يفرحون عندما تحل مصيبة أو مأساة على عدوي، وإن كنت أفرح لعمل المقاومة الفلسطينية فذلك لأنها تسرع في عودة الحق المسلوب وفي خلاص الشعب الفلسطيني، وإن كنت أؤيد قتل الصهاينة فذلك لأن الصهاينة لم يتركوا لنا مجالاً سوى ذلك، فالمسلم لا يحارب ولا يقاتل حباً في رؤية دماء الآخرين، بل لأجل استعادة الحق ودفع العدوان.
لكن لحريق جبل الكرمل وضع خاص، ولأسباب كثيرة ففي مدينة حيفا بدأ اللاجئون الفلسطينيون الأوائل بالتوافد أوائل عشرينات القرن الماضي عندما طردهم الانجليز من قراهم حتى تقام المستوطنات لصالح الصهاينة اليهود قبل أن تطردهم مرة أخرى العصابات الصهيونية عام 1948م، وعلى قمة جبل الكرمل كانت قرية الدامون الفلسطينية والتي دمرها الاحتلال الصهيونية وطرد أهلها وما زال حتى يومنا هذا يرفض عودتهم إلى قريتهم مثلهم مثل ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من أجل الحفاظ على نقاء الدولة العبرية وطابعها اليهودي.
وأقاموا مكان قرية الدامون المدمرة سجن الدامون سيء السمعة، وقد كان في الأساس مصنعاً للتبغ وتم تحويله إلى سجن، وأغلقته سلطات الاحتلال الصهيوني عام 1999م بعد تقرير حكومي بأنه لا يصلح للاستعمال الادمي، لتعيد افتتاحه دون ترميمات جوهرية بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، بعد أن امتلأت سجون الاحتلال بالاف الفلسطينيين.
ومن عاش فيه من الأسرى الفلسطينيين يعرف معنى كلمة "لا يصلح للاستعمال الادمي"، غرف قديمة تتساقط قطع من الجدران والأسقف على رؤوس الأسرى، ورطوبة خانقة، وشبابيك مغلقة لمنع الأسرى من رؤية الغابات الجميلة المحيطة بالسجن، وعند أحد الشبابيك هنالك ثغرة صغيرة في قطعة الحديد التي تغلقه تتيح للأسير رؤية شجرة عملاقة من بعيد، ربما الان تحولت هذه الشجرة إلى رماد.
وقريباً من سجن الدامون هنالك مركز تحقيق الجلمة، والذي يحتجز فيه الأسرى الفلسطينيون في زنازين ضيقة لفترات تصل إلى شهر أو شهرين أو ثلاث شهور، معزولين تماماً عن العالم الخارجي، ويمارس فيه ضباط المخابرات الصهيونية كافة أشكال التعذيب النفسي والبدني، وأكثرها شيوعياً هو المنع من النوم لأيام وليالي متواصلة مع اجبار الأسير على الجلوس مكبلاً على كرسي طوال هذه الفترة.
كان من بين قتلى الحريق حوالي 40 سجاناً صهيونياً في طريقهم لنقل سجناء من سجن الدامون إلى سجن آخر، من بينهم أسرى وأسيرات فلسطينيون، وإن كان الموت حرقاً هو من أصعب الأمور والتي لا يملك الإنسان إلا أن يحزن لضحاياه، إلا أنه يصعب على من ضرب يوماً على أيدي سجاني الاحتلال الصهيوني أن يتعاطف مع جلاده، ومن الصعب على من ضربه رجال قوة النحشون (قوة الحراسة في سجون الاحتلال) أن يتسامح وأن يتناسى آلامه ويتعاطف مع الوحوش البشرية التي ابدعت في ساديتها واجرامها اثناء تنقله من سجن إلى آخر.
السجانون الصهاينة يتم تدريبهم على اشعار السجين الفلسطيني بالمهانة بكافة الطرق والوسائل، كي لا ينسى أنه في السجن، أما قوة النحشون فبمجرد ذكر اسمهم أمام أسير فلسطيني حتى تسري القشعريرة في بدنه، فلا احترام له أو لادميته أثناء نقله من مكان لآخر، وأسهل شيء عند رجال النحشون هو الضرب والضرب والضرب، ولاتفه الاسباب، فاذا كان الاسير مصاباً ويمشي ببطء وهو مكبل فهذا ذنب لا يغتفر يستحق عليه الضرب والصراخ والاهانة، وإذا طلب الذهاب إلى المرحاض في الطريق فلا يستحق إلا الصراخ واذا اعترض أو احتج فالضرب، وضربهم لا حدود له، وكم من أسير فقد السمع في احدى اذنيه، أو كسرت يده أو رجله لأنه تباطئ بالاستجابة لأوامر قوات النحشون.
نحن لا نشمت ولا نتمنى الشر لغيرنا، لكن من الصعب على الضحية أن تتعاطف مع جلادها، خاصة عندما تعلم علم اليقين أنه بمجرد زوال مصيبته سيعود للتنكيل به، ربما يتمنى الكثير من الفلسطينيين أن تدوم الحرائق، ليس حقداً ولا كراهيةً، بل كي يخف الظلم عنهم ولو لبضعة أيام.
يصعب علينا كفلسطينيين أن نرى دولاً عربية واسلامية وأوروبية وهي تساعد المحتل الصهيوني، والسجان الصهيوني، والجلاد الصهيوني، ليس لأننا نتمنى الشر ولا لأننا نحب الموت والدمار لغيرنا، لكن يحز في نفسنا أن يهب العالم أجمع لمساعدة من سرق أرضنا وشرد شعبنا وسجن أبناءنا، وبعدها تعود الأمور لطبيعتها ونبقى ممنوعين من دخول أرضنا وبلدنا، ويعود السجان ليعذب السجناء والأسرى، وكأن شيئاً لم يكن، فإلى متى نتحسر على بلدنا التي نمنع من دخولها وإلى متى نحرم من أسرانا؟ لكننا ندرك النفس الإنساني الذي يحكم العالم ويوجههم، لذا نوجه تساءلنا للمحتل الصهيوني هل أدركت بعد أن الظلم لا يدوم؟ هل أدركت أن الأرض لا تقبل بك وترفضك؟ هل أدركت أنه إن عجز جنود الأرض عن هزيمتك فإن جنود السماء أقوى منك وأقدر عليك؟
يعرف الصهاينة باستعداداتهم الأمنية الدائمة، وحرصهم على اتخاذ الاحتياطات المختلفة، والتدريبات لمواجهة المقاومة الفلسطينية ولمواجهة الكوارث الطبيعية، ومن عايش المجتمع الصهيوني عن قرب يدرك حجم الهوس الأمني لديهم، وهوسهم المبالغ به في اتخاذ اجراءات الأمن والأمان، لكن كل هذا تهاوى وتساقط في لحظة واحدة أمام غضب السماء، أدرك أن الصهاينة لن يلقوا لكلامي بالاً فأنا مجرد "فلسطيني"، ويعتقدون أنه يمكنهم تجنب كوارث مستقبلية بشراء المزيد من طائرات اطفاء الحرائق والمزيد من المواد والمزيد من الأسباب المادية، لكن مهما اشتروا وجهزوا من الأسباب الأرضية، إلا أن عدالة السماء لهم بالمرصاد.
لكن لحريق جبل الكرمل وضع خاص، ولأسباب كثيرة ففي مدينة حيفا بدأ اللاجئون الفلسطينيون الأوائل بالتوافد أوائل عشرينات القرن الماضي عندما طردهم الانجليز من قراهم حتى تقام المستوطنات لصالح الصهاينة اليهود قبل أن تطردهم مرة أخرى العصابات الصهيونية عام 1948م، وعلى قمة جبل الكرمل كانت قرية الدامون الفلسطينية والتي دمرها الاحتلال الصهيونية وطرد أهلها وما زال حتى يومنا هذا يرفض عودتهم إلى قريتهم مثلهم مثل ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من أجل الحفاظ على نقاء الدولة العبرية وطابعها اليهودي.
وأقاموا مكان قرية الدامون المدمرة سجن الدامون سيء السمعة، وقد كان في الأساس مصنعاً للتبغ وتم تحويله إلى سجن، وأغلقته سلطات الاحتلال الصهيوني عام 1999م بعد تقرير حكومي بأنه لا يصلح للاستعمال الادمي، لتعيد افتتاحه دون ترميمات جوهرية بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، بعد أن امتلأت سجون الاحتلال بالاف الفلسطينيين.
ومن عاش فيه من الأسرى الفلسطينيين يعرف معنى كلمة "لا يصلح للاستعمال الادمي"، غرف قديمة تتساقط قطع من الجدران والأسقف على رؤوس الأسرى، ورطوبة خانقة، وشبابيك مغلقة لمنع الأسرى من رؤية الغابات الجميلة المحيطة بالسجن، وعند أحد الشبابيك هنالك ثغرة صغيرة في قطعة الحديد التي تغلقه تتيح للأسير رؤية شجرة عملاقة من بعيد، ربما الان تحولت هذه الشجرة إلى رماد.
وقريباً من سجن الدامون هنالك مركز تحقيق الجلمة، والذي يحتجز فيه الأسرى الفلسطينيون في زنازين ضيقة لفترات تصل إلى شهر أو شهرين أو ثلاث شهور، معزولين تماماً عن العالم الخارجي، ويمارس فيه ضباط المخابرات الصهيونية كافة أشكال التعذيب النفسي والبدني، وأكثرها شيوعياً هو المنع من النوم لأيام وليالي متواصلة مع اجبار الأسير على الجلوس مكبلاً على كرسي طوال هذه الفترة.
كان من بين قتلى الحريق حوالي 40 سجاناً صهيونياً في طريقهم لنقل سجناء من سجن الدامون إلى سجن آخر، من بينهم أسرى وأسيرات فلسطينيون، وإن كان الموت حرقاً هو من أصعب الأمور والتي لا يملك الإنسان إلا أن يحزن لضحاياه، إلا أنه يصعب على من ضرب يوماً على أيدي سجاني الاحتلال الصهيوني أن يتعاطف مع جلاده، ومن الصعب على من ضربه رجال قوة النحشون (قوة الحراسة في سجون الاحتلال) أن يتسامح وأن يتناسى آلامه ويتعاطف مع الوحوش البشرية التي ابدعت في ساديتها واجرامها اثناء تنقله من سجن إلى آخر.
السجانون الصهاينة يتم تدريبهم على اشعار السجين الفلسطيني بالمهانة بكافة الطرق والوسائل، كي لا ينسى أنه في السجن، أما قوة النحشون فبمجرد ذكر اسمهم أمام أسير فلسطيني حتى تسري القشعريرة في بدنه، فلا احترام له أو لادميته أثناء نقله من مكان لآخر، وأسهل شيء عند رجال النحشون هو الضرب والضرب والضرب، ولاتفه الاسباب، فاذا كان الاسير مصاباً ويمشي ببطء وهو مكبل فهذا ذنب لا يغتفر يستحق عليه الضرب والصراخ والاهانة، وإذا طلب الذهاب إلى المرحاض في الطريق فلا يستحق إلا الصراخ واذا اعترض أو احتج فالضرب، وضربهم لا حدود له، وكم من أسير فقد السمع في احدى اذنيه، أو كسرت يده أو رجله لأنه تباطئ بالاستجابة لأوامر قوات النحشون.
نحن لا نشمت ولا نتمنى الشر لغيرنا، لكن من الصعب على الضحية أن تتعاطف مع جلادها، خاصة عندما تعلم علم اليقين أنه بمجرد زوال مصيبته سيعود للتنكيل به، ربما يتمنى الكثير من الفلسطينيين أن تدوم الحرائق، ليس حقداً ولا كراهيةً، بل كي يخف الظلم عنهم ولو لبضعة أيام.
يصعب علينا كفلسطينيين أن نرى دولاً عربية واسلامية وأوروبية وهي تساعد المحتل الصهيوني، والسجان الصهيوني، والجلاد الصهيوني، ليس لأننا نتمنى الشر ولا لأننا نحب الموت والدمار لغيرنا، لكن يحز في نفسنا أن يهب العالم أجمع لمساعدة من سرق أرضنا وشرد شعبنا وسجن أبناءنا، وبعدها تعود الأمور لطبيعتها ونبقى ممنوعين من دخول أرضنا وبلدنا، ويعود السجان ليعذب السجناء والأسرى، وكأن شيئاً لم يكن، فإلى متى نتحسر على بلدنا التي نمنع من دخولها وإلى متى نحرم من أسرانا؟ لكننا ندرك النفس الإنساني الذي يحكم العالم ويوجههم، لذا نوجه تساءلنا للمحتل الصهيوني هل أدركت بعد أن الظلم لا يدوم؟ هل أدركت أن الأرض لا تقبل بك وترفضك؟ هل أدركت أنه إن عجز جنود الأرض عن هزيمتك فإن جنود السماء أقوى منك وأقدر عليك؟
يعرف الصهاينة باستعداداتهم الأمنية الدائمة، وحرصهم على اتخاذ الاحتياطات المختلفة، والتدريبات لمواجهة المقاومة الفلسطينية ولمواجهة الكوارث الطبيعية، ومن عايش المجتمع الصهيوني عن قرب يدرك حجم الهوس الأمني لديهم، وهوسهم المبالغ به في اتخاذ اجراءات الأمن والأمان، لكن كل هذا تهاوى وتساقط في لحظة واحدة أمام غضب السماء، أدرك أن الصهاينة لن يلقوا لكلامي بالاً فأنا مجرد "فلسطيني"، ويعتقدون أنه يمكنهم تجنب كوارث مستقبلية بشراء المزيد من طائرات اطفاء الحرائق والمزيد من المواد والمزيد من الأسباب المادية، لكن مهما اشتروا وجهزوا من الأسباب الأرضية، إلا أن عدالة السماء لهم بالمرصاد.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)