مع كشف وزارة الداخلية في غزة عن تسجيلات لعملاء ألقت القبض عليهم مؤخراً أود توجيه همسة في أذن عملاء الاحتلال، لأقول لهم: ماذا تنتظرون؟ هل ما زلتم تظنون أن المحتل يحميكم؟ أما زلتم تظنون أنكم بعيدين عن المساءلة والمحاسبة؟ أول شيء يحرص عليه ضابط المخابرات عند تجنيدكم هو إقناعكم بأنكم لن تكشفوا وأن ما يعلن عنه من القبض على العملاء والجواسيس هو مجرد عمل إعلامي وأن المقبوض عليهم أبرياء وليسوا عملاء حقاً.
إذا افترضنا أن العملاء اعترفوا تحت التعذيب المزعوم (كما يقال لكم دوماً)، فمن أين جاءت أجهزة التصنت والاتصال التي عرضت في المؤتمر الصحفي، وقبل ذلك في لبنان رأينا شبكات الموساد تتساقط الواحدة تلو الأخرى وأجهزة التصنت عالية الكفاءة بيد الحكومة اللبنانية، فهل يعقل أن التعذيب يأتي بوسائل التصنت والاتصال من الفراغ؟ هل ما زلتم تعتقدون أنهم ليسوا عملاء؟ هل هذه هي وسائل التواصل الآمنة التي وعدكم بها ضابط المخابرات؟
قالوا لكم لا يوجد عميل يكتشف وأن أحداً لن يعرفكم، حسناً لقد كذبوا عليكم، فمهما حاول الشخص إخفاء الأعمال التي يقوم بها، فسيعرف بها الآخرون عاجلاً أم آجلاً، لا يوجد إنسان كامل ولا يوجد تكنولوجية ولا جهة استخبارية كاملة، كل شخص يخطأ، وكل وسيلة تكنولوجية لها عيوبها، وكل جهاز مخابرات له سقطاته، وكل هذا كفيل بكشفكم في نهاية المطاف، وكلما زاد نشاطكم كلما زادت احتمالات خطأكم وبالتالي تسريع عملية كشفكم وانفضاحكم.
أكيد سمعتم بقصة نديم انجاص، العميل من رام الله الذي اقتحم السفارة التركية قبل بضع أسابيع طالباً اللجوء السياسي، أتعرفون أن مشكلته عالقة منذ سنوات، منذ أن كشفت عمالته بسبب "خطأ" من ضابط المخابرات المشرف عليه حسب ما يقوله محاميه، هكذا ببساطة أخطأ الضابط ودمر حياة انجاص، ضابط المخابرات ما زال في وظيفته ويعيش حياته متنعماً وأكيد قال في نفسه "يا خسارة ضيعت مصدر معلومات ممتازة"، مثله مثل صاحب محل الخضروات الذي تقع منه بطيخة، يشعر ببعض الضيق ثم يجمعها ويلقيها بأقرب حاوية قمامة.
حسناً وضع البطيخة المكسورة أفضل من وضع زميلكم نديم، فالبطيخة تجد حاوية القمامة أما هو فلم يجد أحداً يقبل به، فلا مشغليه الصهاينة قبلوا به، ولا أهله قبلوا به، وحاول اللجوء إلى السفارة البريطانية قبل سنوات ولم يقبلوا به، بل حبسه الصهاينة (مشغليه السابقين) بتهمة اقتحام السفارة البريطانية، وبعد انتهاء حبسه سلموه لسلطة رام الله، حيث تعرض للتعذيب والابتزاز، نعم سلطة رام الله التي تنسق أمنياً مع المحتل لا تتعامل معكم إلا بازدراء واحتقار، وهذا شأن العميل إن وقع بين أيدي الشرفاء والكرام عاقبوه وردعوه وإن وقع بين أيدي اللئام ابتزوه وأهانوه، خسارة في كل الأحوال.
وبعدها هرب ورجع إلى "تل أبيب" وحاول اللجوء إلى السفارة التركية، بالله عليكم هل هذه حياة الأمن والأمان التي وعدكم بها مشغلوكم من ضباط المخابرات؟ بالله عليكم هل بعتم دينكم من أجل هذا؟ من بقي يحترمكم في هذه الدنيا؟ فإذا كانت الخلافات بين حماس وفتح لم تمنعهما من الاتفاق على نبذكم فماذا بقي لكم؟ لا تظنوا أنه يمكنكم الاستفادة من الشقاق بينهما، فجمعة السقا هرب من الأجهزة الأمنية في غزة ووقع بأيدي الأجهزة الأمنية برام الله، هو ليس معتقلاً وقيل أنه تم استجوابه، لكن بكل تأكيد سيتم ابتزازه كما تقوم أجهزة رام الله مع كل عميل؛ يبتز مالياً ويبتز أخلاقياً.
حتى عندما احتجت فتح على إعدام العملاء في غزة قبل مدة كان الاحتجاج يدور حول أن محمود عباس لم يوقع قرار الإعدام، وليس على مبدأ الإعدام، فلا تظنوا أنكم بمأمن، فالكل يحتقر عملكم والكل يتربص بكم وأنتم لا محالة مكشفون، لا تصدقوا الأكاذيب التي يبيعها لكم ضباط المخابرات فهو مجرد كلام يضحكون به عليكم.
أدرك أن أكثركم وقع بوحل الارتباط (أو التعاون كما يسميه المحتل الصهيوني) بدون إرادة ولا وعي، وأنها كانت في البداية (والكثير منكم ما زالوا في بداية الارتباط) مجرد طلبات بسيطة معلومات عامة يعرفها الجميع ولا تضر أحداً، ثم شيئاً فشيئاً، وطلباً بعد طلب تطورت الأمور وأصبحتم في ورطة لا تستطيعون الخروج منها (أو هكذا تظنون).
الأمر ليس كذلك فبوابة الخروج مفتوحة، سواء كنتم في غزة أم في الضفة، وتأكدوا أن الخروج والقطع مبكراً أفضل ليس فقط لأنكم ترضون ضميركم وتنتقمون ممن سخركم واستغلكم وضحك عليكم، بل أن المجتمع وشرفاء المجتمع الفلسطيني سيقدروا عملكم ويرفعوا من قدركم، أتذكرون الشهيد حسن أبو شعيرة؟ كان "متعاوناً" فحمل مسدسه وقتل ضابط المخابرات، اليوم الناس تذكره كشهيد وليس كعميل.
وتذكروا قاعدة ذهبية وهي أن المخابرات مهما قدمتم لها ومهما أظهروا لكم معسول الكلام ستبقى تعصركم حتى آخر رمق مثل حبة الليمون ولن تترككم إلا بعد أن تنشفوا ولا يبقى فيكم شيء للعصر وعندها ستلقيكم بأقرب سلة مهملات، هكذا أنتم في نظر ضابط المخابرات مجرد مصدر للمعلومات، مجرد آلة لجمع المعلومات، لا تهمهم مصلحتكم مثلما لم يهتموا بمصلحة نديم انجاص أو جمعة السقا أو غيرهما من العملاء الذين ألقت القبض عليهم الداخلية في غزة أو الذين ألقت أجهزة الأمن اللبنانية القبض عليهم، تركوا ليواجهوا مصيرهم لوحدهم.
وفي غزة عندما اعتقل أحد موظفي الصحة خرجت الإشاعات بأن العشرات متورطين، وبأن قائمة العملاء طويلة وليست قصيرة، وهذا ديدن أجهزة المخابرات تحرص على إقناعكم بأن أكثر الناس عملاء وجواسيس، هذا غير صحيح أنتم لوحدكم داخل مجتمع، وبعد المؤتمر الصحفي تبين أن المعتقل من وزارة الصحة لا يوجد غيره، وهو الآن لوحده في الزنزانة يكلله الخزي والعار، تخلى عنه أهله وتخلت عنه سلطة رام الله، وترك وحيداً ليواجه مصيراً لن يكون أفضل من مصير غيره.
الفرص لا تتكرر ومن يضبط متلبساً فلن يغسل عاره شيء وإن لم يكن أمرك قد كشف وقد فعلت ما فعلته، ففرصتك كبيرة أن تترك العمل الآن وأن تتوقف عن التعامل، سيهددوك؟ سيبتزوك؟ لا تخف منهم يمكنك التملص منهم بألف طريقة وطريقة، قل لهم لا أعلم ولا أعرف، أنت بمثابة الموظف لديهم، ألا يطرد الموظف من عمله إن كان كسولاً ولا يقوم بما يطلب منه؟
هل سمعت أن المخابرات فضحت أحداً من الذين تركوها؟ بكل تأكيد لا، فلن تفعلها المخابرات لأنها إن قالت أن "فلاناً كان عميل لدينا وأننا نريد فضحه لأنه ترك" فستجشع غيره على الترك، وإن قالت "فلان عميل لدينا" (وزعمت كاذبة أنه ما زال يعمل لكي تشوهه) فهي ستخيف العملاء النشيطين وستردعهم عن مواصلة الطريق، في كل الأحوال المخابرات لا تستطيع حرق نفسها ولا تستطيع فضح أي عميل.
إذن لم يتبق لكم العذر فإن لم تكونوا تجرؤوا على المكاشفة وتسليم أنفسكم للجهات المختصة، وإن لم تكونوا قادرين على الترك والتوقف عن العمالة، وإن لم تستطيعوا التكاسل والتلكؤ بتنفيذ ما هو مطلوب منكم، فهذا يعني أنكم مصرين على خراب بيوتكم وخسارة دنياكم وآخرتكم، فهل هذا ما تريدونه؟ إلى متى تدفنون رؤوسكم في الرمال وتظنوا أن تجاهلكم لخطورة الأمر يشكل حماية لكم؟ تجاهل حقيقة أنكم ستقعون وتفضحون أنفسكم لا يعني أنكم لن تقعوا، ليس بأمانيكم تسير الحياة، كفى لدفن رؤوسكم في الرمال.
شباب من أجل فلسطين تحاول أن تستثير همة الشباب وتتفاعل مع أفكارهم، فأي فكرة مهما كانت بسيطة نحتاجها ما دامت تخدم القضية الفلسطينية.
الخميس، 30 سبتمبر 2010
السبت، 25 سبتمبر 2010
التصعيد في سجون الاحتلال الصهيوني وخلفياته
يخوض الأسرى اليوم السبت 25/9/2010م اضراباً عن الطعام تحذيري في أغلب سجون الاحتلال، ضمن سلسلة خطوات تصعيدية ضد ما تسمى مصلحة السجون الصهيونية، وهو حدث ليس بالجديد على أسرى المقاومة الفلسطينية والذين يخوضون صراع ارادات لا ينتهي منذ بدء الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م.
حيث أراد المحتل الصهيوني أن يجعل من السجون مكاناً لقمع المقاوم والمناضل الفلسطيني وإخافته بحيث يصبح غير راغب في العودة للعمل المقاوم وتحييده عن ساحة النضال. بينما في المقابل يواجه الأسرى هذه الإجراءات بتحدي، ويصرون على عدم الخضوع لقوانين السجن والسجان في تحد صارخ وصريح للقمع الصهيوني، مما يساهم بالإبقاء على معنويات عالية للمعتقلين، بحيث لا يخرجون من السجن إلا لكي يكملوا مسيرة الجهاد ومقاومة المحتل.
يأتي الإضراب والخطوات التصعيدية رداً على تصعيد مصلحة السجون الصهيونية ضد الأسرى، من خلال المداهمات الليلية لغرفهم والتفتيش العاري وإهانتهم وتخريب أغراضهم أثناء حملات التفتيش، وحجة إدارة السجون البحث عن الهواتف الخليوية التي يهربها الأسرى إلى السجون لكي يتمكنوا من التواصل مع أهلهم، حيث تمنعهم إدارة السجون من الاتصال بالأهل وأكثرهم لا يزوره أهله إلا مرة كل بضعة أشهر والبعض لم يزره أهله لمدة وصلت إلى تسع سنوات.
فالأسير يرفض الاستسلام، وإن كان محجوزاً بين أربعة جدران، إلا أنه يقوم بما يقدر عليه ليكسر ظلمة السجن وظلمة الحصار والتضييق، فكان تهريب أجهزة الاتصال الخليوية وسيلة للتحدي وسلاحاً يستخدمه الأسرى في معركة كسر الإرادة مع سلطة السجون الصهيونية.
وحتى نفهم خلفية المواجهات الحالية في سجون الاحتلال سنرجع إلى تاريخ تهريب الهواتف الخليوية إلى داخل سجون الاحتلال، فقد بدأ ادخالها في معتقل مجدو التابع لجيش الاحتلال أواخر عام 1997م وأوائل عام 1998م ثم بدأت تنتقل الظاهرة إلى باقي سجون الاحتلال بما فيه السجون شديدة الحراسة مثل سجن هداريم.
بدأت سلطات الاحتلال بالتململ من ظاهرة الهواتف الخليوية داخل السجون، خاصة وأنها تخفف عن الأسرى وتفرج بعضاً من همومهم بالإضافة لاستخدام الأسرى الهواتف الخليوية وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي ومع الصحافة واصدار المواقف السياسية والتعبوية، فبدأت سلطات السجون بالتضييق على هذه الظاهرة من خلال حملات التفتيش المكثفة ومنع الأهل من إحضار الطعام لأبنائهم الأسرى وتحديد الملابس التي يمكنهم احضارها كما ونوعاً (لأنه كان يتم تهريب الأجهزة الخليوية من خلال زيارات الأهل).
الخطوة التالية كانت خلال الاضراب المفتوح عن الطعام بداية عام 2004م والذي استمر 18 يوماً، حيث استغلت مصلحة السجون الأمر وقامت بحملة مداهمات واسعة النطاق في السجون المركزية واستولت على كميات كبيرة من الأجهزة الخليوية.
وأخيراً كانت خطوة تحويل المعتقلات العسكرية من سيطرة جيش الاحتلال إلى سيطرة مصلحة السجون الصهيونية (وهي النقب ومجدو وعوفر)، حيث كانت هذه السجون هي المصدر الأساسي لتهريب الأجهزة الخليوية إلى داخل السجون نظراً إلى أن الجيش لم يكن خبيراً بإدارة السجون ولم يكن يستطيع السيطرة على الوضع داخل المعتقلات، فتمت عملية التحويل خلال عامي 2005م و2006م، وبدت الأمور وقتها أن عهد الهواتف الخليوية انتهى في سجون الاحتلال.
إلا أن الأسرى لم يكونوا ليستسلموا بسهولة وبدأوا بالبحث عن طرق تهريب جديدة، وفي المقابل كانت ادارة السجون تسعى بشكل مستمر لقمع الأسرى ومفاجئتهم ليلاً حيث يخرجون عادةً الأجهزة الخليوية المهربة من مخابئها، وحصلت في سجن النقب مواجهة بداية عام 2008م عندما حاولت قوات خاصة تفتيش أحد الأقسام ليلاً بشكل فجائي، واستشهد أحد الأسرى وأصيب العشرات فيما احترق أحد الأقسام.
وكانت نتيجة الجولة هذه استطاعة الأسرى استيعاب الضربة والتكيف مع القوانين الجديدة، وعادت الأجهزة الخليوية لتنتشر في سجون الاحتلال بعدما اختفت من أغلب سجون الاحتلال عامي 2007م و2008م حيث تمكن الأسرى من ابتكار طرق جديدة في التهريب وابتكار مخابئ جديدة لها في الغرف والزنازين، وألقت سلطات الاحتلال على عدد من السجانين في قضايا مختلفة بتهمة أخذ رشاوى من الأسرى مقابل تهريب أجهزة خليوية لهم.
فعادت الأجهزة الخليوية لتشكل أزمة بالنسبة لسلطات الاحتلال وسلطة السجون الصهيونية، فالمطلوب أن تكون السجون وسيلة للتنكيد على الأسرى وعزلهم عن العالم الخارجي، فيما وسائل الاتصال الحديثة لم تعد توفر لهم فقط خدمة الاتصال الهاتفي مع الأهل، بل فرصة للوصول إلى الانترنت ومشاهدة الفضائيات المحظورة داخل السجن (مثل فضائية الأقصى والجزيرة).
وبدأت مصلحة السجون بالانتباه لخسارتها المعركة، وبدأت تخطط لحملات تفتيش واسعة النطاق، وبدأت بتصعيد إجراءات التضييق (المشددة أصلاً)، وجاءت مقابلة أجراها بعض الأسرى عبر الهاتف مع صحيفة يديعوت أحرنوت نهاية شهر حزيران الماضي لتشكل مؤشر خطر بالنسبة لمصلحة السجون، صحيح أنهم كانوا متنبهين لما يحصل، ويخططون للتضييق على الأسرى، لكن عندما تنشر المقابلة في الصحافة الصهيونية فهذا سيؤدي لضغوط من الحكومة الصهيونية على سلطة السجون، وسيقولون لهم "لماذا ندفع لكم الأموال الطائلة؟ لإدارة الفنادق للمخربين؟"
مثل هذه الحادثة للأسف نموذج على الاستهتار الأمني لدى بعض الأسرى، وهي انعكاس للاستهتار الأمني الموجود في المجتمع الفلسطيني، وكله استهتار تحت مسمى "ما هو اليهود بيعرفوا كل شيء"، ويمارس المقاوم أو المواطن الثرثرة على الهاتف والانترنت وفي الجلسات الخاصة والعامة، وبعدما تحصل عملية اغتيال أو اعتقال أو تقع الواقعة يبدأ التساؤل لماذا حصل هذا، ويبدأ الكلام عن العملاء والجواسيس، فيما الكل يتجاهل العدو الأول للمقاوم (وللأسير أيضاً) ألا وهو آفة الثرثرة وقلة الحرص.
فبعد هذه المقابلة وعدة حوادث مماثلة، وبعد انتهاء التجهيزات لدى مصلحة السجون، بدأت حملة مداهمات واسعة للسجون، وتضييق على الأسرى بشكل غير مسبوق، يصاحبها حملة تنقلات دائمة للأسرى، بحيث لا يستقر الأسير طويلاً في مكان واحد كي لا يشعر بالاستقرار ولا يتاح للأسرى ابتكار مخابئ وتجهيزها لأن ذلك يحتاج لوقت طويل ويحتاج لاستقرار عدد من الأسرى في نفس المكان لفترة سنة أو سنتين أقل شيء.
الأسرى لم يسكتوا ولن يسكتوا وقبل أسبوع كان هنالك اقتحام ليلي في سجن رمون (وسط صحراء النقب)، وقام الأسرى بالتصدى للقوات الخاصة المدججة بالسلاح وأدوات القمع، ووقعت اصابات وجرحى، فالتفتيش الليلي بالنسبة للأسرى خط أحمر لأنه يهدد الأجهزة الخليوية ويهدد معركتهم الخاصة مع سلطة سجون الاحتلال. وفي سجن هداريم شديد الحراسة قامت ادارة السجن بنقل الأسرى من أحد الأقسام، لتبدأ بهدم جدران القسم حيث تشك أنه يتم تخبئة الأجهزة الخليوية في جدران الزنازين.
ويأتي اضراب اليوم ضمن سلسلة اجراءات التصعيد للأسرى، ليوصلوا رسالة لإدارة السجون أنهم لن يسكتوا على القمع، وسيتصدون لكل اجراءاتها، وعادة فإن الإضرابات عن الطعام في سجون العالم تدفع ادارات السجون للتفاوض مع الأسرى من أجل تحسين شروطهم المعيشية، لكن سلطة السجون الصهيونية لا تستجيب وهي ترفع شعار وزير الأمن الداخلي الصهيوني السابق (تساحي هنغبي) "لو مات كل الأسرى في الاضراب فلن نستجيب لطلباتهم".
بالتالي ولكي يتحرك ملف الأسرى وتحسين ظروفهم المعيشية يجب أن يكون هنالك تحرك خارجي، وأن تخرج المسيرات وأن تمارس الضغوط بكافة أشكالها على سلطات الاحتلال، ومطالب الأسرى بسيطة وأساسية: وقف سياسة التفتيش العاري، ووقف سياسة منع زيارات الأهل لعدد كبير من الأسرى، وقف اجراءات التنكيل والتضييق في الحياة اليومية للأسير، ووقف التفتيشات الليلية الفجائية. وهذا يتطلب منا التحرك للتضامن مع الأسرى من أجل تشكيل قوة ضاغطة على الكيان الصهيوني لتوفير شروط حياة مقبولة للأسرى.
حيث أراد المحتل الصهيوني أن يجعل من السجون مكاناً لقمع المقاوم والمناضل الفلسطيني وإخافته بحيث يصبح غير راغب في العودة للعمل المقاوم وتحييده عن ساحة النضال. بينما في المقابل يواجه الأسرى هذه الإجراءات بتحدي، ويصرون على عدم الخضوع لقوانين السجن والسجان في تحد صارخ وصريح للقمع الصهيوني، مما يساهم بالإبقاء على معنويات عالية للمعتقلين، بحيث لا يخرجون من السجن إلا لكي يكملوا مسيرة الجهاد ومقاومة المحتل.
يأتي الإضراب والخطوات التصعيدية رداً على تصعيد مصلحة السجون الصهيونية ضد الأسرى، من خلال المداهمات الليلية لغرفهم والتفتيش العاري وإهانتهم وتخريب أغراضهم أثناء حملات التفتيش، وحجة إدارة السجون البحث عن الهواتف الخليوية التي يهربها الأسرى إلى السجون لكي يتمكنوا من التواصل مع أهلهم، حيث تمنعهم إدارة السجون من الاتصال بالأهل وأكثرهم لا يزوره أهله إلا مرة كل بضعة أشهر والبعض لم يزره أهله لمدة وصلت إلى تسع سنوات.
فالأسير يرفض الاستسلام، وإن كان محجوزاً بين أربعة جدران، إلا أنه يقوم بما يقدر عليه ليكسر ظلمة السجن وظلمة الحصار والتضييق، فكان تهريب أجهزة الاتصال الخليوية وسيلة للتحدي وسلاحاً يستخدمه الأسرى في معركة كسر الإرادة مع سلطة السجون الصهيونية.
وحتى نفهم خلفية المواجهات الحالية في سجون الاحتلال سنرجع إلى تاريخ تهريب الهواتف الخليوية إلى داخل سجون الاحتلال، فقد بدأ ادخالها في معتقل مجدو التابع لجيش الاحتلال أواخر عام 1997م وأوائل عام 1998م ثم بدأت تنتقل الظاهرة إلى باقي سجون الاحتلال بما فيه السجون شديدة الحراسة مثل سجن هداريم.
بدأت سلطات الاحتلال بالتململ من ظاهرة الهواتف الخليوية داخل السجون، خاصة وأنها تخفف عن الأسرى وتفرج بعضاً من همومهم بالإضافة لاستخدام الأسرى الهواتف الخليوية وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي ومع الصحافة واصدار المواقف السياسية والتعبوية، فبدأت سلطات السجون بالتضييق على هذه الظاهرة من خلال حملات التفتيش المكثفة ومنع الأهل من إحضار الطعام لأبنائهم الأسرى وتحديد الملابس التي يمكنهم احضارها كما ونوعاً (لأنه كان يتم تهريب الأجهزة الخليوية من خلال زيارات الأهل).
الخطوة التالية كانت خلال الاضراب المفتوح عن الطعام بداية عام 2004م والذي استمر 18 يوماً، حيث استغلت مصلحة السجون الأمر وقامت بحملة مداهمات واسعة النطاق في السجون المركزية واستولت على كميات كبيرة من الأجهزة الخليوية.
وأخيراً كانت خطوة تحويل المعتقلات العسكرية من سيطرة جيش الاحتلال إلى سيطرة مصلحة السجون الصهيونية (وهي النقب ومجدو وعوفر)، حيث كانت هذه السجون هي المصدر الأساسي لتهريب الأجهزة الخليوية إلى داخل السجون نظراً إلى أن الجيش لم يكن خبيراً بإدارة السجون ولم يكن يستطيع السيطرة على الوضع داخل المعتقلات، فتمت عملية التحويل خلال عامي 2005م و2006م، وبدت الأمور وقتها أن عهد الهواتف الخليوية انتهى في سجون الاحتلال.
إلا أن الأسرى لم يكونوا ليستسلموا بسهولة وبدأوا بالبحث عن طرق تهريب جديدة، وفي المقابل كانت ادارة السجون تسعى بشكل مستمر لقمع الأسرى ومفاجئتهم ليلاً حيث يخرجون عادةً الأجهزة الخليوية المهربة من مخابئها، وحصلت في سجن النقب مواجهة بداية عام 2008م عندما حاولت قوات خاصة تفتيش أحد الأقسام ليلاً بشكل فجائي، واستشهد أحد الأسرى وأصيب العشرات فيما احترق أحد الأقسام.
وكانت نتيجة الجولة هذه استطاعة الأسرى استيعاب الضربة والتكيف مع القوانين الجديدة، وعادت الأجهزة الخليوية لتنتشر في سجون الاحتلال بعدما اختفت من أغلب سجون الاحتلال عامي 2007م و2008م حيث تمكن الأسرى من ابتكار طرق جديدة في التهريب وابتكار مخابئ جديدة لها في الغرف والزنازين، وألقت سلطات الاحتلال على عدد من السجانين في قضايا مختلفة بتهمة أخذ رشاوى من الأسرى مقابل تهريب أجهزة خليوية لهم.
فعادت الأجهزة الخليوية لتشكل أزمة بالنسبة لسلطات الاحتلال وسلطة السجون الصهيونية، فالمطلوب أن تكون السجون وسيلة للتنكيد على الأسرى وعزلهم عن العالم الخارجي، فيما وسائل الاتصال الحديثة لم تعد توفر لهم فقط خدمة الاتصال الهاتفي مع الأهل، بل فرصة للوصول إلى الانترنت ومشاهدة الفضائيات المحظورة داخل السجن (مثل فضائية الأقصى والجزيرة).
وبدأت مصلحة السجون بالانتباه لخسارتها المعركة، وبدأت تخطط لحملات تفتيش واسعة النطاق، وبدأت بتصعيد إجراءات التضييق (المشددة أصلاً)، وجاءت مقابلة أجراها بعض الأسرى عبر الهاتف مع صحيفة يديعوت أحرنوت نهاية شهر حزيران الماضي لتشكل مؤشر خطر بالنسبة لمصلحة السجون، صحيح أنهم كانوا متنبهين لما يحصل، ويخططون للتضييق على الأسرى، لكن عندما تنشر المقابلة في الصحافة الصهيونية فهذا سيؤدي لضغوط من الحكومة الصهيونية على سلطة السجون، وسيقولون لهم "لماذا ندفع لكم الأموال الطائلة؟ لإدارة الفنادق للمخربين؟"
مثل هذه الحادثة للأسف نموذج على الاستهتار الأمني لدى بعض الأسرى، وهي انعكاس للاستهتار الأمني الموجود في المجتمع الفلسطيني، وكله استهتار تحت مسمى "ما هو اليهود بيعرفوا كل شيء"، ويمارس المقاوم أو المواطن الثرثرة على الهاتف والانترنت وفي الجلسات الخاصة والعامة، وبعدما تحصل عملية اغتيال أو اعتقال أو تقع الواقعة يبدأ التساؤل لماذا حصل هذا، ويبدأ الكلام عن العملاء والجواسيس، فيما الكل يتجاهل العدو الأول للمقاوم (وللأسير أيضاً) ألا وهو آفة الثرثرة وقلة الحرص.
فبعد هذه المقابلة وعدة حوادث مماثلة، وبعد انتهاء التجهيزات لدى مصلحة السجون، بدأت حملة مداهمات واسعة للسجون، وتضييق على الأسرى بشكل غير مسبوق، يصاحبها حملة تنقلات دائمة للأسرى، بحيث لا يستقر الأسير طويلاً في مكان واحد كي لا يشعر بالاستقرار ولا يتاح للأسرى ابتكار مخابئ وتجهيزها لأن ذلك يحتاج لوقت طويل ويحتاج لاستقرار عدد من الأسرى في نفس المكان لفترة سنة أو سنتين أقل شيء.
الأسرى لم يسكتوا ولن يسكتوا وقبل أسبوع كان هنالك اقتحام ليلي في سجن رمون (وسط صحراء النقب)، وقام الأسرى بالتصدى للقوات الخاصة المدججة بالسلاح وأدوات القمع، ووقعت اصابات وجرحى، فالتفتيش الليلي بالنسبة للأسرى خط أحمر لأنه يهدد الأجهزة الخليوية ويهدد معركتهم الخاصة مع سلطة سجون الاحتلال. وفي سجن هداريم شديد الحراسة قامت ادارة السجن بنقل الأسرى من أحد الأقسام، لتبدأ بهدم جدران القسم حيث تشك أنه يتم تخبئة الأجهزة الخليوية في جدران الزنازين.
ويأتي اضراب اليوم ضمن سلسلة اجراءات التصعيد للأسرى، ليوصلوا رسالة لإدارة السجون أنهم لن يسكتوا على القمع، وسيتصدون لكل اجراءاتها، وعادة فإن الإضرابات عن الطعام في سجون العالم تدفع ادارات السجون للتفاوض مع الأسرى من أجل تحسين شروطهم المعيشية، لكن سلطة السجون الصهيونية لا تستجيب وهي ترفع شعار وزير الأمن الداخلي الصهيوني السابق (تساحي هنغبي) "لو مات كل الأسرى في الاضراب فلن نستجيب لطلباتهم".
بالتالي ولكي يتحرك ملف الأسرى وتحسين ظروفهم المعيشية يجب أن يكون هنالك تحرك خارجي، وأن تخرج المسيرات وأن تمارس الضغوط بكافة أشكالها على سلطات الاحتلال، ومطالب الأسرى بسيطة وأساسية: وقف سياسة التفتيش العاري، ووقف سياسة منع زيارات الأهل لعدد كبير من الأسرى، وقف اجراءات التنكيل والتضييق في الحياة اليومية للأسير، ووقف التفتيشات الليلية الفجائية. وهذا يتطلب منا التحرك للتضامن مع الأسرى من أجل تشكيل قوة ضاغطة على الكيان الصهيوني لتوفير شروط حياة مقبولة للأسرى.
الاثنين، 6 سبتمبر 2010
عملية الخليل ومفاوضات الراتب مقابل الأمن
ذهب محمود عباس إلى واشنطن ليبدأ سلسلة جديدة من الاجتماعات العبثية مع الصهاينة بعد أشهر من التمنع والممانعة دون أن يستجاب لأي مطلب من مطالبه، متذرعاً بضغوط كبيرة مارسها الأمريكان، وشهدنا إخراجاً مسرحياً في جامعة الدول العربية لعملية الذهاب (وكأنه كان لدى عباس خيارات أخرى)، وقامت الماكنة الإعلامية الفتحاوية بتمرير الإشاعة المعتادة في مثل هذه الحالات أن هنالك أزمة مالية خانقة تعاني منها السلطة حتى تساهم بإقناع قواعد فتح الشعبية بضرورة الذهاب وإلا قطعت الرواتب.
وبعد أن كان شعار العرب "الأرض مقابل االسلام"، أي انسحاب الصهاينة من الأراضي المحتلة عام 1967م مقابل عقد اتفاقيات السلام معهم، تقلصت طموحات السلطة لتصبح أقل من الأرض بكثير، فخارطة الطريق نصت على أن تقوم السلطة بمحاربة المقاومة (محاربة الإرهاب) فيما يجمد الصهاينة الاستيطان تمهيداً لخطوات تالية نحو قيام الدولة الفلسطينية، لكن بعد أن التزمت السلطة بكل ما طلب منها، رفض الصهاينة تطبيق أي شيء.
وكلما دار نقاش حول جدوى استمرار السلطة بالتزاماتها الأمنية خرجت لنا بذريعة أنها على الأقل تضمن تسيير بعض القضايا المعيشية وتدفق الرواتب (وبالمناسبة معظم موازنة السلطة تأتي من الضرائب والجمارك التي يدفعها المواطن الفلسطيني ويحصلها الكيان الصهيوني نيابة عن السلطة)، لتصبح المعادلة ضمان تدفق الرواتب والامتيازات الشخصية مقابل توفير الأمن للصهاينة، الذين لم يعودوا مهتمين بما يسمى "السلام" لأنه يعني تقديم التزامات أكبر مما يقدموه اليوم للسلطة.
وفي ظل رفض الصهاينة الالتزام بأي شيء، وفي ظل تصريح السلطة بأنها ذاهبة لواشنطن مكرهة (مع التزامها المطلق بأمن الصهاينة)، جاءت سلسلة عمليات القسام الأخيرة لتطرح تساؤلاً حول مستقبل المعادلة التي تحكم عمل السلطة ولتعيد تشكيل الوضع القائم في الضفة منذ عام 2007م.
مميزات ودلالات عمليات القسام:
أثبتت عمليات القسام فشل كل إجراءات السلطة الأمنية السابقة واللاحقة، بل وأكثر من ذلك فبعد يوم من تعهد سلام فياض بأن عملية الخليل لن تتكرر جاءت عملية رام الله ومن الواضح أن هنالك ما سيتلوها، فبعد ثلاث سنوات متتالية من الملاحقة الأمنية لنشطاء حماس (العسكريين وغير العسكريين) استطاع القسام الخروج بعمليات احترافية خطط لها بشكل جيد.
ومن الواضح أن تبني العمليات في غزة والضرب بأكثر من مكان في الضفة يدل على وجود جهاز عسكري احترافي وليس مجرد خلية تعمل بمبادرة ذاتية، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن مدى الضرر الحقيقي الذي ألحقته السلطة وقوات الاحتلال بالجهاز العسكري لحماس في الضفة الغربية.
كما أن استهداف غلاة المستوطنين (من التيار الصهيوني الديني) والذين يعيشون في المستوطنات الداخلية والقريبة من المناطق السكنية الفلسطينية (بعكس المستوطنين العلمانيين والمتدينين -الحريديم الذين يعيشون في غور الأردن ومحيط القدس والمناطق الحدودية) يعتبر خطوة موفقة.
فإن كان استهدافهم متوقعاً وطبيعياً نظراً لكونهم أهدافاً أسهل من غيرهم من الصهاينة، لكنه أيضاً يخدم هدفاً هاماً وهو تعزيز الانقسام بين غلاة المستوطنين وحكومتهم، فالعلاقة أصلاً متوترة بينهما، وغلاة المستوطنين يتهمون حكومة الاحتلال بأنها تضحي بهم ولا تهتم بأمنهم، بل ويتهمون المجتمع الصهيوني بأنه يعتبر دماء سكان "تل أبيب" أغلى من دمائهم، وقد رأينا حالات لاعتداء هذه الفئات من المستوطنين على قوات الاحتلال، بل ووصل بأحدهم لتنفيذ اعتداءات مسلحة ضد صهاينة يساريين ومن يعتبرهم خونة.
وفي المقابل يبادلهم المجتمع الصهيوني نظرة الكراهية، فهذه العمليات تزيد الفجوة لأنها تعبء المستوطنين ضد حكومتهم والتي يتهمونها بدماء من قتلوا في الخليل لأنها رفعت الحواجز في الضفة الغربية، فضلاً عن أن غلاة المستوطنين منبوذين دولياً ولن يكون هنالك تعاطف كبير تعاطف معهم.
تبريرات فتح والسلطة:
بدلاً من أن تستغل السلطة العملية لتقول للأمريكان والصهاينة أن الاستيطان هو سبب المشاكل وسبب التصعيد وبالتالي كان يجب الاستجابة لطلبها بوقف الاستيطان، كان موقفها عكس ذلك تماماً، وبما يضعف من موقف الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية نفسها أمام الرأي العام الدولي، فدافعت عن حق غلاة المستوطنين بالحياة في الضفة الغربية وحقهم في التنكيل بالشعب الفلسطيني دون أن يتصدى لهم أحد.
وللتغطية على موقف السلطة المخزي تحاول ماكنة فتح الإعلامية تعبئة قاعدتها من خلال الزعم بأن عملية حماس هدفها تخريب المفاوضات على السلطة، وكأن تجول غلاة المستوطنين في الضفة أمر طبيعي ومقبول، وبعد أن ركزت الماكنة الاعلامية الفتحاوية خلال الاعوام الثلاثة الماضية على سؤال: "لماذا تجمع حماس السلاح في الضفة الغربية ولا نرى عمليات ضد الاحتلال؟"، لتبرر ملاحقة مجاهدي القسام وحماس في الضفة وتعذيبهم بحثاً عن السلاح، نرى اليوم إدانة واضحة لا لبس فيها لاستخدام السلاح ضد الصهاينة وحتى لو كانوا من غلاة المستوطنين.
وبالرغم من أن سلاح القسام خرج أكثر من مرة خلال الفترة الماضية ضد الاحتلال، إلا أن عمليتي الخليل ورام الله تشكلان جواباً صارخاً في وجه الماكنة الإعلامية الفتحاوية، ودليلاً على أن حماس لو أرادت استخدام السلاح ضد السلطة فقد كانت (وما زالت) تستطيع، فتصفية عشرة مسؤولين في السلطة تحتاج لإمكانيات واستعدادات أقل من عملية واحدة ضد المستوطنين بوزن عملية الخليل.
مفاوضات فاشلة مسبقاً:
أما ذريعة السلطة بأن حماس نفذت العملية نكاية فيها ولكي تضعف موقفها في المفاوضات، فكان من الممكن قبوله لو أنه كان للسلطة موقفاً في المفاوضات، فهي ذهبت للمفاوضات قابلة بكل اشتراطات الصهاينة، ودون أن يقبلوا بالحد الأدنى الذي سبق وأن التزموا به، فتجميد الاستيطان (أو تخفيض وتيرته) كان شكلياً وكان الاستيطان مستمراً مرة بحجة الاستثناءات والاحتياجات السكانية، ومرة بحجة أنها مشاريع بناء سابقة، ومرة يتم البناء سراً، ومرة يقوم غلاة المستوطنين بتحدي القرار علناً لإثبات حقهم في "أرض إسرائيل الكاملة"، وفي كل الأحوال تجميد الاستيطان الشكلي كان سينتهي نهاية الشهر الحالي مع رفض نتنياهو وحكومته تمديد فترة التجميد.
والسلطة التي ذهبت لتورط الشعب الفلسطيني بإتفاقية على غرار اتفاقية أوسلو لا تمثل أحداً ، فلا هي تمثل الأغلبية الانتخابية في المجلس التشريعي ولا هي حتى تمثل منظمة التحرير حيث لم يحصل تصويت على قرار الذهاب في اللجنة التنفيذية للمنظمة، فضلاً عن أن جميع أعضائها الحاليين معينين وليسوا منتخبين، وغالبيتهم لا يمثلون أحزاباً ولا تنظيمات.
وعندما تكون حماس والتيار الإسلامي بكافة توجهاته واليسار الفلسطيني وأقسام من حركة فتح يعارضون هذه المفاوضات العبثية، فمن حقهم جميعاً وقف المهزلة حتى لا يكبل الشعب الفلسطيني بالتزامات مجانية جديدة، فالأمر لا يتعلق بإفشال المفاوضات كعملية انتقامية بل هو تأكيد على خيار الشعب الفلسطيني المتمسك بالمقاومة، ونتساءل بأي حق ينفرد أفراد من تنظيم واحد بقرار يمس مصير الشعب الفلسطيني كله؟
الخلاصة:
تحولت حركة فتح والسلطة الفلسطينية خلال خمس سنوات من حكم محمود عباس وثلاث سنوات من وجود سلام فياض في رئاسة الحكومة إلى مقاولين أمنيين يعملون لحماية الاحتلال مقابل امتيازات وظيفية وشخصية فقط لا غير، وبالتالي فهم آخر من يحق لهم الكلام عن تمثيل الشعب الفلسطيني أو التكلم باسمه أو التفاوض باسمه.
وفي المقابل آن الأوان لاطلاق العنان للعمل المقاوم المسلح في الضفة الغربية، ولتكن البداية استهداف المستوطنين في المناطق الداخلية للضفة ثم الانتقال إلى الأغوار (وأهمية الأغوار للضفة مثل أهمية رفح لقطاع غزة)، واستنزاف المستوطنين من أجل تفريغ هذه المناطق من أي تواجد استيطاني صهيوني على المدى البعيد، وتمهيداً للانتقال إلى مراحل متقدمة من المقاومة.
أما غول السلطة الذي أخاف الناس طوال السنوات الماضية فقد أصبح واضحاً أنه بالرغم من همجية وبطش السلطة فإنها غير قادرة على الحفاظ على أمن الصهاينة، وهذا سيعني مزيداً من التواطؤ والوحشية على المدى القريب، لكن على المدى المتوسط والبعيد فهي تقوض أسس استمراريتها، ومع تزايد العمليات ضد الاحتلال سيبدأ الصهاينة بفقدان الثقة بهذه السلطة والتساؤل عن جدوى دعمها ومساعدتها.
وبعد أن كان شعار العرب "الأرض مقابل االسلام"، أي انسحاب الصهاينة من الأراضي المحتلة عام 1967م مقابل عقد اتفاقيات السلام معهم، تقلصت طموحات السلطة لتصبح أقل من الأرض بكثير، فخارطة الطريق نصت على أن تقوم السلطة بمحاربة المقاومة (محاربة الإرهاب) فيما يجمد الصهاينة الاستيطان تمهيداً لخطوات تالية نحو قيام الدولة الفلسطينية، لكن بعد أن التزمت السلطة بكل ما طلب منها، رفض الصهاينة تطبيق أي شيء.
وكلما دار نقاش حول جدوى استمرار السلطة بالتزاماتها الأمنية خرجت لنا بذريعة أنها على الأقل تضمن تسيير بعض القضايا المعيشية وتدفق الرواتب (وبالمناسبة معظم موازنة السلطة تأتي من الضرائب والجمارك التي يدفعها المواطن الفلسطيني ويحصلها الكيان الصهيوني نيابة عن السلطة)، لتصبح المعادلة ضمان تدفق الرواتب والامتيازات الشخصية مقابل توفير الأمن للصهاينة، الذين لم يعودوا مهتمين بما يسمى "السلام" لأنه يعني تقديم التزامات أكبر مما يقدموه اليوم للسلطة.
وفي ظل رفض الصهاينة الالتزام بأي شيء، وفي ظل تصريح السلطة بأنها ذاهبة لواشنطن مكرهة (مع التزامها المطلق بأمن الصهاينة)، جاءت سلسلة عمليات القسام الأخيرة لتطرح تساؤلاً حول مستقبل المعادلة التي تحكم عمل السلطة ولتعيد تشكيل الوضع القائم في الضفة منذ عام 2007م.
مميزات ودلالات عمليات القسام:
أثبتت عمليات القسام فشل كل إجراءات السلطة الأمنية السابقة واللاحقة، بل وأكثر من ذلك فبعد يوم من تعهد سلام فياض بأن عملية الخليل لن تتكرر جاءت عملية رام الله ومن الواضح أن هنالك ما سيتلوها، فبعد ثلاث سنوات متتالية من الملاحقة الأمنية لنشطاء حماس (العسكريين وغير العسكريين) استطاع القسام الخروج بعمليات احترافية خطط لها بشكل جيد.
ومن الواضح أن تبني العمليات في غزة والضرب بأكثر من مكان في الضفة يدل على وجود جهاز عسكري احترافي وليس مجرد خلية تعمل بمبادرة ذاتية، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن مدى الضرر الحقيقي الذي ألحقته السلطة وقوات الاحتلال بالجهاز العسكري لحماس في الضفة الغربية.
كما أن استهداف غلاة المستوطنين (من التيار الصهيوني الديني) والذين يعيشون في المستوطنات الداخلية والقريبة من المناطق السكنية الفلسطينية (بعكس المستوطنين العلمانيين والمتدينين -الحريديم الذين يعيشون في غور الأردن ومحيط القدس والمناطق الحدودية) يعتبر خطوة موفقة.
فإن كان استهدافهم متوقعاً وطبيعياً نظراً لكونهم أهدافاً أسهل من غيرهم من الصهاينة، لكنه أيضاً يخدم هدفاً هاماً وهو تعزيز الانقسام بين غلاة المستوطنين وحكومتهم، فالعلاقة أصلاً متوترة بينهما، وغلاة المستوطنين يتهمون حكومة الاحتلال بأنها تضحي بهم ولا تهتم بأمنهم، بل ويتهمون المجتمع الصهيوني بأنه يعتبر دماء سكان "تل أبيب" أغلى من دمائهم، وقد رأينا حالات لاعتداء هذه الفئات من المستوطنين على قوات الاحتلال، بل ووصل بأحدهم لتنفيذ اعتداءات مسلحة ضد صهاينة يساريين ومن يعتبرهم خونة.
وفي المقابل يبادلهم المجتمع الصهيوني نظرة الكراهية، فهذه العمليات تزيد الفجوة لأنها تعبء المستوطنين ضد حكومتهم والتي يتهمونها بدماء من قتلوا في الخليل لأنها رفعت الحواجز في الضفة الغربية، فضلاً عن أن غلاة المستوطنين منبوذين دولياً ولن يكون هنالك تعاطف كبير تعاطف معهم.
تبريرات فتح والسلطة:
بدلاً من أن تستغل السلطة العملية لتقول للأمريكان والصهاينة أن الاستيطان هو سبب المشاكل وسبب التصعيد وبالتالي كان يجب الاستجابة لطلبها بوقف الاستيطان، كان موقفها عكس ذلك تماماً، وبما يضعف من موقف الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية نفسها أمام الرأي العام الدولي، فدافعت عن حق غلاة المستوطنين بالحياة في الضفة الغربية وحقهم في التنكيل بالشعب الفلسطيني دون أن يتصدى لهم أحد.
وللتغطية على موقف السلطة المخزي تحاول ماكنة فتح الإعلامية تعبئة قاعدتها من خلال الزعم بأن عملية حماس هدفها تخريب المفاوضات على السلطة، وكأن تجول غلاة المستوطنين في الضفة أمر طبيعي ومقبول، وبعد أن ركزت الماكنة الاعلامية الفتحاوية خلال الاعوام الثلاثة الماضية على سؤال: "لماذا تجمع حماس السلاح في الضفة الغربية ولا نرى عمليات ضد الاحتلال؟"، لتبرر ملاحقة مجاهدي القسام وحماس في الضفة وتعذيبهم بحثاً عن السلاح، نرى اليوم إدانة واضحة لا لبس فيها لاستخدام السلاح ضد الصهاينة وحتى لو كانوا من غلاة المستوطنين.
وبالرغم من أن سلاح القسام خرج أكثر من مرة خلال الفترة الماضية ضد الاحتلال، إلا أن عمليتي الخليل ورام الله تشكلان جواباً صارخاً في وجه الماكنة الإعلامية الفتحاوية، ودليلاً على أن حماس لو أرادت استخدام السلاح ضد السلطة فقد كانت (وما زالت) تستطيع، فتصفية عشرة مسؤولين في السلطة تحتاج لإمكانيات واستعدادات أقل من عملية واحدة ضد المستوطنين بوزن عملية الخليل.
مفاوضات فاشلة مسبقاً:
أما ذريعة السلطة بأن حماس نفذت العملية نكاية فيها ولكي تضعف موقفها في المفاوضات، فكان من الممكن قبوله لو أنه كان للسلطة موقفاً في المفاوضات، فهي ذهبت للمفاوضات قابلة بكل اشتراطات الصهاينة، ودون أن يقبلوا بالحد الأدنى الذي سبق وأن التزموا به، فتجميد الاستيطان (أو تخفيض وتيرته) كان شكلياً وكان الاستيطان مستمراً مرة بحجة الاستثناءات والاحتياجات السكانية، ومرة بحجة أنها مشاريع بناء سابقة، ومرة يتم البناء سراً، ومرة يقوم غلاة المستوطنين بتحدي القرار علناً لإثبات حقهم في "أرض إسرائيل الكاملة"، وفي كل الأحوال تجميد الاستيطان الشكلي كان سينتهي نهاية الشهر الحالي مع رفض نتنياهو وحكومته تمديد فترة التجميد.
والسلطة التي ذهبت لتورط الشعب الفلسطيني بإتفاقية على غرار اتفاقية أوسلو لا تمثل أحداً ، فلا هي تمثل الأغلبية الانتخابية في المجلس التشريعي ولا هي حتى تمثل منظمة التحرير حيث لم يحصل تصويت على قرار الذهاب في اللجنة التنفيذية للمنظمة، فضلاً عن أن جميع أعضائها الحاليين معينين وليسوا منتخبين، وغالبيتهم لا يمثلون أحزاباً ولا تنظيمات.
وعندما تكون حماس والتيار الإسلامي بكافة توجهاته واليسار الفلسطيني وأقسام من حركة فتح يعارضون هذه المفاوضات العبثية، فمن حقهم جميعاً وقف المهزلة حتى لا يكبل الشعب الفلسطيني بالتزامات مجانية جديدة، فالأمر لا يتعلق بإفشال المفاوضات كعملية انتقامية بل هو تأكيد على خيار الشعب الفلسطيني المتمسك بالمقاومة، ونتساءل بأي حق ينفرد أفراد من تنظيم واحد بقرار يمس مصير الشعب الفلسطيني كله؟
الخلاصة:
تحولت حركة فتح والسلطة الفلسطينية خلال خمس سنوات من حكم محمود عباس وثلاث سنوات من وجود سلام فياض في رئاسة الحكومة إلى مقاولين أمنيين يعملون لحماية الاحتلال مقابل امتيازات وظيفية وشخصية فقط لا غير، وبالتالي فهم آخر من يحق لهم الكلام عن تمثيل الشعب الفلسطيني أو التكلم باسمه أو التفاوض باسمه.
وفي المقابل آن الأوان لاطلاق العنان للعمل المقاوم المسلح في الضفة الغربية، ولتكن البداية استهداف المستوطنين في المناطق الداخلية للضفة ثم الانتقال إلى الأغوار (وأهمية الأغوار للضفة مثل أهمية رفح لقطاع غزة)، واستنزاف المستوطنين من أجل تفريغ هذه المناطق من أي تواجد استيطاني صهيوني على المدى البعيد، وتمهيداً للانتقال إلى مراحل متقدمة من المقاومة.
أما غول السلطة الذي أخاف الناس طوال السنوات الماضية فقد أصبح واضحاً أنه بالرغم من همجية وبطش السلطة فإنها غير قادرة على الحفاظ على أمن الصهاينة، وهذا سيعني مزيداً من التواطؤ والوحشية على المدى القريب، لكن على المدى المتوسط والبعيد فهي تقوض أسس استمراريتها، ومع تزايد العمليات ضد الاحتلال سيبدأ الصهاينة بفقدان الثقة بهذه السلطة والتساؤل عن جدوى دعمها ومساعدتها.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)