لطالما كان التساؤل طوال سنوات حصار قطاع غزة عن دور العرب والمسلمين في جهود كسر الحصار، واتهموا باكتفائهم بالكلام والخطابات الرنانة وترك العمل الحقيقي لمجموعات صغيرة من المتضامنين الغربيين، لتأتي قافلة الحرية كعلامة فارقة، كونها تقوم أساساً على مشاركة العرب والمسلمين، فأغلب السفن والمساعدات والمشاركين كانوا أتراكاً بالإضافة لمشاركة كويتية وجزائرية فاعلة من خلال سفينتي مساعدات، فضلاً عن عشرات المتضامنين من بلدان عربية مختلفة.
كانت قافلة الحرية اللحظة التي أثبت بها العرب والمسلمين صدقهم، وصدق رغبتهم بالتقديم والتضحية والانتصار لقضيتهم الأولى قضية الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى، فكانت لقافلتهم ولمواجهتهم الاعتداء الصهيوني وعدم سماحهم بمرور القرصنة الصهيونية مرور الكرام أثراً بالغاً ونقطة تحول في صراعنا مع الكيان الصهيوني، فأثبتت قافلة الحرية:
1 - لدى العرب والمسلمين قدرات مادية وبشرية أكبر على مستوى الحشد والتسيير وتقديم التضحيات مقارنة بالمتضامنين الغربيين.
2 - كان العرب والمسلمون على مستوى التحدي عندما تحين لحظة الحقيقة ولحظة المواجهة، ليثبتوا أن شعارات الاستعداد للجهاد والتضحية ليست مجرد كلمات، بل أفعالاً ترجمت خلال المواجهة التي حصلت على متن السفينة مرمرة، وأظهروا شجاعة منقطعة النظير في معركة غير متكافئة مع العدو الصهيوني المدجج بالسلاح.
3 - أنه يمكن العمل وتقديم الانجازات في ظل الواقع العربي الحالي، وأن قمع الأنظمة لا يبرر عدم أو التحرك أو السكون في انتظار تغيير الأنظمة أو زوالها.
4- العمل الشعبي هم عمل متراكم يستطيع تحقيق الانجازات، وتجلى هذا في النتائج التي تحققت بعد العدوان على القافلة وتلك التي يمكن تحقيقها. ومنها فتح معبر رفح أمام الأفراد فالنظام المصري اضطر أمام الضغط الشعبي الداخلي والضغط الاعلامي إلى التنازل وفتح معبر رفح، فهو لم يعد يستطيع تحمل هذه الضغوط وأصبحت توازي بالقوة ولاء النظام المطلق للكيان الصهيوني. وهذه الضغوط لم تأت مرة واحدة، بل هي ضغوط متراكمة منذ سنوات طويلة.
5 - أن المشاركة بالحياة السياسية في الدول العربية يمكن أن تحقق نتائج، حتى لو كانت الحياة السياسية منقوصة، حيث نلاحظ أن الدول التي فيها حياة برلمانية شبه سليمة وفيها مشاركة جيدة للاسلاميين كانت في مقدمة هذه المواجهة ونخص بالذكر تركيا (طبعاً) والجزائر والكويت، فيما الدول التي لا يوجد بها تمثيل برلماني سليم (هذا ان وجد أصلاً) فكانت غائبة تماماً عن المواجهة مثل السعودية وتونس.
ما هي الانجازات التي تحققت؟
لا شك أن أسطول الحرية والعدوان الصهيوني عليه وقيام المتضامنين بالتصدي للعدوان قد آت ثمار عديدة آنية، بالاضافة لفتحه لإفاق جديدة محتملة في الصراع مع الكيان الصهيوني. أبرز ما تم انجازه حتى اللحظة:
1- قرار النظام المصري فتح معبر رفح البري أمام الأفراد والمساعدات الإنسانية، وإن كان مرور الأفراد ما زال مقيداً وتصنيف المساعدات الإنسانية ما زال ضبابياً ويبدو أنه ما زال مقتصراً على المساعدات الطبية فقط. لكن مجرد تنازل النظام المصري وقبوله فتح المعبر يعتبر انجازاً يمكن البناء عليه مستقبلاً، فهذه خطوة للأمام يمكن أن تتلوها خطوات وقفزات.
2- تضرر مكانة الكيان الصهيوني دولياً، وتشوه صورته الاعلامية بالرغم من الحملة الاعلامية الواسعة لتبرير عدوانه. فضلاً عن الأضرار الدبلوماسية والسياسية مثل تجميد نيكاراغوا لعلاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وسحب سفراء جنوب افريقيا والاكوادر من الكيان، والغاء زيارة بيرس لفيتنام، فنتكلم عن لحظة تاريخية يحاصر فيها الكيان الصهيوني اعلامياً ودبلوماسياً في مشهد يقترب بعض الشيء من ما حصل مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا أواخر أيامه.
3- تدهور العلاقات التركية الصهيونية، وذلك تتويجاً لسياسة أردوغان وحزبه القائمة على التقارب التدريجي مع العالم العربي بموازاة ابتعاد تدريجي عن الكيان الصهيوني. وبعد أن كانت تركيا حليفاً استراتيجياً للكيان الصهيوني، أصبحت العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة في المنطقة، وبعد عملية الهجوم على الأسطول يبدو أن تركيا تتحول تدريجياً لتكون رأس حربة محور المقاومة وليس مجرد عمق استراتيجي داعم للمقاومة.
4- رفع تركيا لسقف المواجهة مع الكيان يشجع الكثير من الأنظمة العربية سواء المحسوبة على ما يسمى بمعسكر الممانعة أو غير المحسوبة، وخاصة تلك التي تخشى المواجهة مع امريكا، حيث تمثل تركيا مظلة عسكرية واقتصادية وسياسية دولية يمكن الاحتماء وراءها.
5- بات هنالك حديث جدي عن إمكانية رفع الحصار المفروض على غزة، وخصوصاً الحصار البحري. وهنالك تحركات غربية ودولية تسعى لرفعه ووضع حلول، وذلك بعد أن استمر الحصار أربع سنوات دون أن يهتم أحد برفع الحصار.
6- انسحاب الكويت من المبادرة العربية، وتزايد المطالب الداخلية في الدول العربية لرفع سقف المواجهة مع الكيان، بحيث أصبح إلغاء هذه المبادرة أقرب من أي وقتٍ، كما أن هنالك ميل لدى الدول العربية من أجل رفع الغطاء التفاوضي المجاني الذي كان يمنح لمحمود عباس وسلطته.
ما هو المطلوب لتحقيق المزيد الانجازات؟
لا شك أن ما تحقق من انجازات ما زال محدوداً وبحاجة للبناء عليه، حتى تكون انجازات حقيقية ودائمة. وأحاول هنا حصر أهم الأمور التي يجب الاهتمام بها حتى نصل لمرحلة كسر الحصار:
1- مواصلة الضغوط الشعبية: بينت لنا الأحداث الأخيرة مدى قوة الضغوط الشعبية، مثلما حدث مع النظام المصري الذي اضطر للخضوع وفتح معبر رفح، فالمسؤولين عن هذه الأنظمة هم بشر ولهم قدرة محدودة على احتمال سيل كبير من الضغوط الإعلامية والشعبية والمتكررة، في النهاية يضطرون للخضوع، وبما أن الحصار لم يكسر بعد يجب متابعة وتصعيد الضغوط الشعبية على الأنظمة العربية حتى كسر الحصار. فموقف الأنظمة العربية هو المفتاح لكسر الحصار.
2- التنبيه والتحذير من محاولات الالتفاف على قرار الحصار: مثل اقتراح حكومة نتنياهو بتفتيش السفن القادمة لغزة في ميناء أسدود، الأمر الذي يعني عودة الحصار بحكم أن الصهاينة سيتحكمون بما يسمح بدخوله من خلال هذه السفن، وقد أبدى الصهاينة مسبقاً معارضتهم لدخول الأسمنت ومواد البناء. أو مثل التفاف النظام المصري على فتح معبر رفح، من خلال قصره على دخول المساعدات الإنسانية (وهي حسب تعريف النظام المصري المساعدات الطبية فقط لا غير)، ومن خلال قصره على عبور الأفراد. يجب فتح معبر رفح لمرور البضائع التجارية والمواد الخام اللازمة للحياة الطبيعية في غزة ولإدارة عجلة الصناعة.
3- تسيير قوافل بحرية جديدة: يجب استغلال الزخم الحاصل وتسيير قوافل بحرية جديدة، على أن تكون أكبر حجماً وفيها أكبر عدد من المتضامنين، فالبحرية الصهيونية لها قدرات محدودة على العمل، ومواجهة أسطول مكون من خمسين سفينة مثلاً ليس مثل مواجهة أسطول مكون من ست سفن، كما أن الصهاينة لا يستطيعون أن يبقوا مستنفرين للأبد. ولاحظوا ما حصل مع السفينة راشيل كوري، فقد تم الاستيلاء عليها بدون ضجة لأن عدد افراد طاقمها قليل ولم يستطيعوا مواجهة جنود الاحتلال.
4- إلغاء المبادرة العربية للسلام: هذه فرصة لن تتكرر كثيراً من أجل إلغاء المبادرة، لذا يجب تشكيل قوى شعبية ضاغطة في كل الدول العربية من أجل اجبار الحكومات العربية على الغاء المبادرة العربية، حيث يتوقع أن يجري القادة العرب مراجعة لها في شهر أيلول (9) القادم، فيجب أن يكون هنالك حراك واسع لإسقاط هذه المبادرة، على غرار ما حصل في الكويت. وفي النهاية لن تستطيع الأنظمة العربية التمسك للأبد بهذه المبادرة في ظل ضغوط شعبية متزايدة.
5- شن حملة اعلامية لفضح كذب مزاعم الصهاينة بأنهم سيوصلون المساعدات التي كانت على السفن إلى غزة، فلحد اليوم لم يصل شيء، وعلى الأغلب لن يصل إلا جزء يسير وبعد وقت طويل، وتبيان أن هذه المماطلة والقذارة في التعامل هو سبب الإصرار على كسر الحصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق