قررت حماس في بيان صدر قبل أيام مقاطعة الانتخابات البلدية التي تنوي سلطة دايتون إجرائها منتصف شهر تموز المقبل، وعدم الاعتراف بها أو بنتائجها مؤكدة على وجوب إجراء الانتخابات البلدية والتشريعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة في وقت واحد وبشكل متفق عليه وكنتيجة للمصالحة الفلسطينية.
بداية يجب الإقرار بأن اعتراض حركة حماس على هذه الانتخابات مفهوم وشرعي، فحكومة سلام فياض حكومة غير شرعية ولم تأت نتيجة لعملية انتخابية، وسلام فياض نفسه حصلت كتلته على مقعدين فقط في الانتخابات التشريعية، كما أن إجراء الانتخابات في ظل اعتبار حركة حماس خارجة عن القانون في الضفة الغربية، وفي ظل الاعتقالات السياسية والتي طالت رؤساء بلديات منتخبين ومؤيدين للحركة، وفي ظل إجبار نشطاء الحركة على توقيع تعهدات بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، وفي ظل محاكمة أفراد من حماس بتهمة تزويد الحركة بالمال، فلا يمكن أن نتوقع سوى انتخابات شكلية تضمن الفوز لحركة فتح والتنظيمات التي تتبع لها.
وقصة السلطة مع الانتخابات تثبت أنها لا تريد انتخابات حقيقية، ففي عام 1996م أجرت انتخابات برلمانية قاطعتها حركة حماس، فيما رفضت السلطة إجراء انتخابات بلدية يومها بالرغم من استعداد حماس للمشاركة فيها، وذلك بحجة أن الوضع السياسي العام لا يسمح بإجرائها، وانتهت فترة التشريعي واستمر لمدة عشر أعوام بدون انتخابات وبدون التفكير بإجرائها، وكان التشريعي الفتحاوي طوال هذه الفترة شرعياً وممثلاً للشعب الفلسطيني.
وعندما تقرر إجراء الانتخابات البلدية عام 2005م رفضت السلطة إجراءها مرة واحدة بحجة عدم وجود الإمكانيات والقدرة لتنظيمها في جميع القرى والمدن الفلسطينية، وقررت إجراءها على أربع مراحل، وابتدأت بالمدن والقرى التي ظنت أنها معاقل لحركة فتح، وتركت معاقل حماس (مثل مدينة غزة والخليل وطولكرم) إلى المرحلة الرابعة والأخيرة والتي لم تجر أبداً، فقد توقفت الانتخابات عند المرحلة الثالثة، وتفاجأت فتح والسلطة بسقوط معاقلها بيد حماس مثل بلديات نابلس وجنين والبيرة، لتفاجأ بعدها بفوز حماس بانتخابات التشريعي، لتبدأ بعدها مسيرة الانقسام الفلسطيني، فمشاركة حماس بالانتخابات مطلوبة لتكمل الديكور لا لتفوز فيها، وبدأت عرقلة عمل التشريعي وحصل ما حصل، وطوال سنوات التشريعي الأربعة كانت فتح تصر على الانتخابات المبكرة، فـ "ما حصل عام 2006م كبوة فارس ويجب تصحيح الخطأ".
وإن كان إجراء الانتخابات التشريعية متعسراً نظراً إلى أن حكومة فياض تسيطر فقط على الضفة، فكان بإمكان لحكومة فياض فرض الأمر الواقع في الضفة وإجراء انتخابات بلدية، وهي تراهن على وضع حماس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما المشاركة في ظروف مستحيلة، أو إعلان المقاطعة وترك الساحة فارغة أمام حركة فتح لتفوز.
وهنا أخطأت حركة حماس بتلبية رغبة حركة فتح وتركت لها الساحة فارغة لتفوز فيها، فحركة فتح والسلطة لا تهمهم إجراء انتخابات نزيهة، بل يهمهم إجراء احتفال كرنفالي توزع الكعكة على قيادات الحركة، وتنتزع من خلاله البلديات المتبقية بيد حركة حماس وهي إحدى آخر مظاهر تواجد حماس في الضفة الغربية، ولا يهمهم شرعية الانتخابات ولا مشاركة حركة حماس، بالعكس عدم مشاركة حماس بالانتخابات أفضل لأنهم سيضمنون عدم تكرار مفاجآت عامي 2005م و2006م.
مقاطعة الانتخابات تجدي في الدول التي تحترم ذاتها، أما عندما يكون النظام الحاكم عربياً معتاداً على التزوير والتلاعب، ولا يريد أكثر من مهرجاناً لتجديد البيعة للقائد الرمز الملهم، فالمقاطعة لا تعني الكثير. لكن كيف تشارك حماس في انتخابات لا تعترف بصحتها قانونياً وفي ظل ظروف مستحيلة؟ وما الفائدة التي ستجنيها؟
في حال مقاطعة حماس للانتخابات فستفوز القوائم الفتحاوية بدون مجهود، وبدون تزوير، وبدون تجاوزات، وستقول السلطة للعالم نحن دعونا حماس للمشاركة، وهي من قاطعت وهي من لا تريد المشاركة لأنها خافت من الخسارة، وستسحب البلديات من حركة حماس "بشكل قانوني"، في حال شاركت حماس بشكل مباشر أو غير مباشر، سيكون أمام السلطة خيارين إما تركها تشارك بدون مضايقة (وهذا أمر مستبعد في ظل ما نراه من ممارسات على الأرض) وعندها حماس ستحقق نتائج طيبة في الانتخابات وتثبت أنها ما زالت موجودة في الضفة بالرغم من قمع ثلاث سنوات ماضية، أو أن السلطة ستطارد مرشحي الحركة وأعضاء حملاتهم الانتخابية وتقمعهم وعندها كل العالم سيعتبر أن هذه انتخابات مزورة وستبقى الحركة على موقفها بعدم الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات.
صحيح أن هنالك مشكلة قانونية بإجراء الانتخابات من قبل حكومة غير منتخبة، لكن الوضع الفلسطيني كله غير طبيعي، وصحيح أن هنالك ثمن سيدفعه مؤيدو حماس فيما لو فكرت بدخول الانتخابات البلدية سجناً وإقصاء وتنكيلاً، لكنهم يعانون أصلاً وهم لا يفعلون شيئاً. يجب كسر الصمت في الضفة الغربية، والانتخابات البلدية هي مناسبة لكسر الصمت.
لا أقول أن تشارك حماس بطريقة طبيعية وكأنها انتخابات طبيعية ونزيهة، فهي ليست كذلك، لكن ما اقترحه على الحركة وآمل أن تؤخذ هذه الاقتراحات بجدية:
أولاً يجب على الحركة أن تطالب برفع الحظر عن نشاطها بالضفة الغربية لإثبات حسن نية السلطة وجديتها بإجراء الانتخابات، السلطة لن تقبل هذا صحيح، لكن وقتها يتبين للعالم من الذي يعيق الانتخابات الحرة ولا تكون مجرد حرد سياسي لحركة حماس كما تحاول بعض وسائل الإعلام تصويره.
ثانياً أن يرشح بعض مؤيدي الحركة أنفسهم ضمن لوائح مستقلة وفي مناطق محددة نظراً للمخاطر الأمنية التي يمكن أن يتعرضوا لها، وأن تحشد الحركة أنصارها وراءهم وتسعى لإنجاح لوائحهم المستقلة، وفي المناطق التي يتعذر تشكيل مثل هذه اللوائح تدعم لوائح الأحزاب والجماعات التي لا تدور في فلك حركة فتح أو منظمة التحرير مثل المبادرة الشعبية بزعامة مصطفى البرغوثي.
ثالثاً تراقب الحركة إجراءات السلطة وتحرشاتها، وتفضحها أولاً بأول، حتى تبين نواياها الحقيقية في تزوير الانتخابات وتفصيلها على مقاس محدد.
رابعاً تشجع الحركة أبناءها على التحرك والتصدي لأي إرهاب أو استفزاز، وقد رأينا الحملة التي تشنها الكاتبة لمى خاطر لمواجهة ابتزاز السلطة لها واعتقال زوجها لإجبارها على وقف الكتابة، فإذا كانت كاتبة تستطيع خوض هذه المواجهة لوحدها، فيمكن لمؤيدي الحركة وأنصارها أن يخوضوا مواجهة مماثلة لانتزاع حقهم الطبيعي في العمل السياسي والنقابي في الضفة الغربية.
أعلم مسبقاً أنها انتخابات مفصلة مسبقاً على مقاس فتح، مع مشاركة لفصائل منظمة التحرير وغيرها من الفصائل الصغيرة لكي تكمل الديكور الانتخابي، لكن من واجب حماس أن لا تمنح هذا الانتصار السهل لسلطة تريد محي أي رأي آخر في الضفة الغربية، ومتأكد أن السلطة ستراجع حساباتها وستفكر جدياً بإلغاء الانتخابات فيما لو أيقنت أن حماس ستشارك فيها وستسعى للفوز، السلطة وحركة فتح تظنان أن حماس بالضفة في أضعف مواقفها وبالتالي يعتبران أنها فرصة لإجراء انتخابات، ويجب على حماس أن تثبت لهما خطأ حساباتهما كما كانت تفعل كل مرة.
ليس الغرض الفوز في انتخابات معدة للتزوير ومفصلة على مقاس معين، بل الإثبات أن حماس في الضفة حية، وكشف حقيقة ممارسات السلطة على الأرض، ولإثبات أن حماس تريد انتخابات لكن انتخابات حرة ونزيهة، ولإثبات أن أبناء حماس مهما كانت المضايقات بحقهم والقمع الممارس إلا أن الضربة التي لا تميتهم إنما تزيدهم قوة. آمل أن أجد الآذان الصاغية، فما تخطط له حكومة فياض في الضفة، هو فرض الأمر الواقع ولا يهمها إن كان عملها شرعياً أم لا، المهم أن تحكم الخناق وأن تكون الآمر الناهي باسم الاحتلال الصهيوني، وهذا يحتاج لوقفة ولتحرك قبل فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق