تداول الإعلام عدة مقترحات بشأن ترتيبات لرفع الحصار عن غزة (أو التخفيف من آثاره كما يقول الصهاينة والأمريكان فهم لا يريدون رفعه نهائياً بل تقليل معاناة الناس العاديين منه على حد زعمهم) وتأتي هذه الاقتراحات في ظل تزايد الانتقادات الدولية بحق الحصار والمطالبات برفعه بعد الاعتداء الصهيوني على قافلة الحرية والضجة الإعلامية والسياسية التي رافقت العدوان.
وكأن العالم فجأة اكتشف أن غزة محاصرة وتعاني الأمرين بسبب الحصار الصهيوني الظالم، تدفقت المبادرات والتحركات إلا أن الصهاينة حرصوا ومن اللحظة الأولى على المناورة وكسب الوقت من أجل الإبقاء على الحصار وتقديم حلول شكلية لا أكثر. ففي البداية أصر الصهاينة على أنهم سيوصلون المساعدات الموجودة على سفن قافلة الحرية أو السفينة راشيل كوري إلى غزة بعد تفتيشها، بينما على أرض الواقع ما زالت جميع المساعدات محجوزة لدى الصهاينة لحد اللحظة ومصيرها مجهول.
وفي النقاش الدائر بين الاتحاد الأوروبي والكيان يتمسك الصهاينة بأن يكون لهم دور بتفتيش كل ما يدخل لغزة وما يخرج منها، بل تطرح حلول مثل زيادة الأصناف التي يسمح الصهاينة بدخولها عبر المعابر التي يسيطرون عليها دون أي تغيير لا على معبر رفح ولا على الحصار البحري، مما يعني إصرار الصهاينة على إبقاء قطاع غزة تحت رحمتهم وسيطرتهم.
فقد رفض الصهاينة اقتراحات بأن يتولى الأوروبيون تفتيش السفن المتوجهة لغزة حيث يصرون على ذهاب السفن إلى ميناء أسدود ليتم تفتيشها ومنع كل ما يضر الأمن الصهيوني، وقد أعلنوا بشكل واضح أن مواداً مثل الاسمنت والحديد المستخدم في البناء والانشاءات هي أمور تضر أمنهم وبالتالي يمنع دخولها لقطاع غزة.
كما يرفض الصهاينة عودة المراقبين الأوروبيين للتواجد على معبر رفح كما كان الأمر قبل الحسم عام 2007م، حيث منعهم الصهاينة يومها من الذهاب لمعبر رفح بحجج أمنية، مما دفع النظام المصري لإغلاق المعبر بحجة أن تشغيل المعبر محكوم باتفاقية دولية (والمثير للسخرية أن النظام المصري ليس طرفاً موقعاً على هذا الاتفاق)، وأن الاتفاق يقضي بعدم تشغيل المعبر في حال لم يتواجد المراقبين الأوروبيين.
باختصار يعارض الصهاينة أي مقترح ينهي الحصار أو حتى يخفف منه بشكل جوهري، كل ما يعلنون عنه هو ترتيبات لتخفيف شكلي في حدة الحصار، وهو بحد ذاته إقرار منهم أن الحصار غير إنساني وظالم، وهم لن يسلموا بسهولة بأي ترتيبات تنهي الحصار ما دامت حماس تمتلك قوة قتالية في غزة دون أي اشتراطات لتفكيكها أو تدميرها، وما دامت الحركة ترفض الاعتراف بحق الكيان في الوجود.
في المقابل تقبل حماس بالتواجد الأوروبي بشرط أن لا يكون هنالك دور صهيوني لا مباشر ولا غير مباشر، وهو موقف قديم عبرت عنه في مناسبات عدة، بل وقبلت خلال حوارات المصالحة مع حركة فتح بتواجد المراقبين الأوروبيين على معبر رفح بالإضافة لوجود حرس الرئاسة التابعة لأبو مازن، لكنها ترفض التواجد الصهيوني من خلال كاميرات المراقبة أو القوائم السوداء للممنوعين من السفر.
وبالرغم من عدم منطقية الدور الأوروبي أو الحجة التي تطرح لفرضه وهي "ضمان أمن الكيان"، وكأن الشعب الفلسطيني هو المعتدي على الكيان وهو الذي يرتكب المجازر، إلا أن القبول بالدور الأوروبي أو الدور الأطلسي (مثلما اقترح أحد الوزراء الأتراك) هو أهون الشرور، مع ذلك يجب أن يقترن ذلك بعدم تدخل الصهاينة مطلقاً وبأن لا يلتزم الأوروبيون بالشروط الصهيونية التعجيزية، فإذا أرادوا التفتيش عن سلاح فليكن (فممرات السلاح لها طرقها الخاصة المختلفة) أما أن يتحول التفتيش والإشراف إلى أداة تضييق وخنق على أهل القطاع فهذا غير مقبول.
النظام المصري والسلطة غير متحمسين للحلول المقترحة بخصوص معبر رفح، لأنهم لا يريدون أي دور لحركة حماس على المعبر، وقد قال هذا الكلام صراحة وزير الخارجية الفرنسي، لكن يمكن طرح حلول وسط في إطار جهود المصالحة، ويبقى الفيتو الصهيوني هو الخطر الحقيقي الذي قد يجهض أي جهود لفتح معبر رفح أو السماح بوصول السفن إلى ميناء غزة، وطالما الأمريكان يدعمون الموقف الصهيوني، وما دام الأوروبيون لا يجرأون على طرح حلول خارج الإطار المقبول أمريكياً، فلن نشهد أي حلول جدية في الوقت الحالي.
ونستنتج بالتالي أن مماطلة الصهاينة تهدف للالتفاف على دعوات رفع الحصار وإفراغها من مضمونها، منتظرين مرور الوقت ونسيان العالم لما حصل، ليعود كل شيء كما كان، والخميس الماضي أعلن الناطق باسم الخارجية الصهيونية صراحة أن الحصار سيستمر حتى تخضع حماس لشروط الاحتلال الصهيوني (أو شروط الرباعية كما يسمونها)، وهذا يثبت أن كل ما قاله الصهاينة كان لامتصاص الغضب العالمي فقط لا غير.
وبالتالي لا مناص من تسيير المزيد من قوافل كسر الحصار لمراكمة الضغط على الكيان الصهيوني إلى أن يجبر قسراً على القبول بأحد الترتيبات المقترحة لكسر الحصار وفق الشروط المقبولة، والتي تضمن رفعاً حقيقياً للحصار المفروض على غزة والاستقلال عن التحكم الصهيوني البغيض بما يدخل ويخرج من القطاع. وهذا يحتم أيضاً على كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس رفض أي حلول وترتيبات التفافية، فالصهاينة يريدون تجميل حصارهم ولا يجب أن نعطيهم الفرصة، فالقضية تحتاج لطول نفس والصهاينة لن يستطيعوا احتمال مواجهة أخرى مثل ما حصل مع قافلة الحرية.
كما يجب التحضير للتصدي للحملة الاعلامية الصهيونية حول ترتيبات شكلية ينوون القيام بها مثل زيادة السلع المسموح بدخولها لغزة (مثلما قاموا قبل أيام بالسماح للمشروبات الغازية والشبس بالدخول للقطاع)، دون أن يكون بين هذه السلع مواد البناء أو المواد الخام اللازمة للصناعة, كما يجب فضح استمرارهم باحتجاز لمساعدات قافلة الحرية لحد اللحظة في ميناء أسدود، والقول للعالم هذا واحد فقط من الأسباب التي تجعلنا نرفض أي دور صهيوني في الرقابة على المعابر الفلسطينية أو ميناء غزة، طبعاً يوجد أسباب أخرى كثيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق