لم يكن مفاجئاً التفويض الذي منحته جامعة الدول العربية لمحمود عباس وسلطته باستئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني، تحت مسمى المفاوضات غير المباشرة، وذلك بالرغم من الأيمان المغلظة التي عقدها عباس وأكثر زعماء الدول العربية بأن لا عودة للمفاوضات إلا بوقف الاستيطان، فقد تعودنا على طرح المواقف من أجل التنازل عنها لاحقاً.
ولم يفاجئنا لا موقف عباس ولا غيره من ما تسمى بأنظمة الاعتدال العربي، بل العكس كنت سأفاجأ لو تمسكوا بموقفهم حتى النهاية واستطاعوا إجبار الصهاينة على الامتثال للشروط التي وضعوها (وهي شروط بكل الأحوال هزيلة ولا تسمن ولا تغني من جوع).
لكن ألا يحق لنا بعد كل هذه السنوات أن نتوجه إلى الدول العربية من خارج إطار "أنظمة الاعتدال" هذه، سواء المحسوبة على ما يسمى بمحور المقاومة أو غير المحسوبة على هذا المحور أو ذاك، ونتساءل إلى متى سكوتكم عن هذه المهازل التي تتم باسم الشعب الفلسطيني وباسم الدول العربية؟
لطالما رفعت الأنظمة العربية شعار نقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني، وعندما قرر الشعب الفلسطيني وانتخب حركة حماس صاحبة المواقف المعروفة مسبقاً للدول العربية التي باركت الانتخابات أو للشعب الفلسطيني الذي انتخبها، رأينا الانقلاب على خيار الشعب وحصار حركة حماس ومقاطعتها والتي شاركت فيه دول عربية وبنوك عربية ومؤسسات عربية عامة وخاصة، وبدلاً من أن نرى تحركاً من دول الممانعة لكسر الحصار، اكتفت بإلقاء اللوم على هذا النظام أو ذاك، وكأن المشكلة هي أن نجد جهة نلقي عليها اللوم.
ثم كان التمديد لمحمود عباس بدون انتخابات من قبل جامعة الدول العربية، ولإظهارتوازناً شكلياً مددت الجامعة للمجلس التشريعي، ولا أدري ما الجدوى من التمديد لمجلس معطل منذ يومه الأول. وبدلاً من سحب المبادرة العربية رداً على العدوان الصهيوني المستمر منذ حرب غزة وحتى يومنا هذا ما زالت هذه المبادرة صامدة بالرغم من الدعوات العديد لإزالتها. وأخيراً كان قرار الموافقة على استئناف المفاوضات بحجة إحراج الأمريكان وإلقاء الكرة في ملعب الصهاينة وأننا لن نخسر شيء.
شهدت القمة العربية الأخيرة في سرت ممانعة ومشادات ومواقف جادة، وتمكن وزير الخارجية السوري من اجهاض مخطط اتخاذ قرار عربي باستئناف المفاوضات، وسمعنا كلاماً حاسماً من الرئيس السوري ومن قطر، وحتى الموقف الكويتي وهي دولة محسوبة على ما يسمى بمحور الاعتدال كان معارضاً لاستئناف المفاوضات غير المباشرة، وكان هنالك نجاح جزئي بعدم اعطاء محمود عباس التفويض الذي يريده من أجل استئناف التفاوض، وتركت المبادرة العربية معلقة (لم يرد ذكرها بشر أو خير في البيان الختامي).
لكن في نهاية المطاف ما الذي حصل؟ عدنا إلى نقطة الصفر، وتم ما يريده محمود عباس وتم إعطاؤه الغطاء العربي للعودة إلى المفاوضات، ومر قرار جامعة الدول العربية دون أدنى اعتراض من أي دولة عربية. وهذا أمر غير صحي بالمرة لأنه يجب أن يكون هنالك موقف لهذه الأنظمة واتكلم تحديداً عن سوريا والسودان وليبيا، ويجب أن يكون هنالك تحرك لنواب الحركة الإسلامية في البلدان التي يوجد لهم فيها تمثيل في البحرين والكويت والجزائر وموريتانيا والمغرب واليمن، لا يقبل السكوت على الوضع القائم.
فكل مرة نسمع نفس الأكاذيب ونفس التهديد والوعيد (الموجه للكيان الصهيوني) من قبل السلطة والنظام المصري ومن ملك الأردن، ولن نفعل ولن ولن... وفي نهاية المطاف يخضعون لما يريده الصهاينة، فإلى متى يستمر أولئك باختطاف القضية الفلسطينية؟ إلى متى السماح لثلاث موظفين في وزارة الخارجية الأمريكية (محمود عباس، وميتشل، وأحمد أبو الغيط) بتحديد مصير القضية الفلسطينية واتخاذ القرارات نيابة عن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية؟
ندرك أن من هذه الدول من هي محاصرة ومحاربة وتدفع ثمن علاقتها مع حماس مثل السودان وسوريا، كما لا أشك بحرص العديد من المسؤولين الرسميين بهذه الدول على القضية الفلسطينية، لكن لا نرى ترجمة لهذا الحرص على أرض الواقع، هنالك نوع من العجز والتسليم بالوضع القائم، وهذا يجب وضع حد له.
لا يجب أن تترك حماس لوحدها في مواجهة مخططات السلطة لتصفية القضية الفلسطينية، إذا أراد النظام المصري وسلطة دايتون الذهاب للتفاوض فأضعف الإيمان يتطلب رفع الغطاء العربي عنهم: "اذهبوا لوحدكم لا تمثلون إلا أنفسكم، لا تمثلون الدول العربية ولا تمثلون الشعب الفلسطيني"، أما استمرار احتكار القرار العربي فقد أضر القضية الفلسطينية وقضية الأمة العربية والإسلامية، والمشهد أصبح مشوهاً فتم مسخ القضية الفلسطينية لتصبح صراع صهيوني إيراني، وبدلاً من دعم حماس بوصفها ممثلة الشعب الفلسطيني وأمل العرب والمسلمين في مواجهة الاحتلال تترك وحدها فريسة لحملات الإعلام والتشويه وتصويرها وكأنها اليد الإيرانية في المنطقة.
عندما نجد سوريا وقطر والسودان وليبيا وموريتانيا وغيرها من الدول تقف بوضوح وشفافية ضد مهزلة التفاوض وتقف إلى جانب الحق الفلسطيني الذي تمثله حركة حماس، فلن تعود هنالك إمكانية لتشويه صورة حماس ووصمها بالعمل لصالح إيران أو غير إيران، ولن تصبح المطالبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر طلباً مشبوهاً وخارجاً عن الاجماع العربي والإسلامي.
آن الأوان لهذه الدول ولأبناء الحركة الإسلامية فيها التحرك من أجل كسر حالة القبول بالواقع، وتفرد ممثلي الخارجية الأمريكية بالقرار العربي، هذه خطوة بسيطة وعملية ولها نتائج على أرض الواقع وإن تحققت فستكون مقدمة لتغيير أكبر وحقيقي، وقد توجهت بحديثي لمن أظن بهم الخير، ولم أتوجه بالحديث إلى من نفضنا أيدينا منهم منذ زمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق