الاثنين، 21 أكتوبر 2019

ترجمة مقال زئيف جابوتنسكي - أخلاقيات الجدار الحديدي



مقدمة المترجم: كتب جابوتنسكي مقاله الأول "الجدار الحديدي – نحن والعرب" في 4/11/1923م ليعلن أنه لا يمكن اقناع العرب بوجود الدولة اليهودية في فلسطين إلا باستخدام القوة والبقاء على استعداد لاستخدام القوة وهو ما أسماه الجدار الحديدي.

في مقاله التالي الذي نشره في 11/11/1923م ناقش الأسس الأخلاقية للمشروع الصهيوني وللجدار الحديدي.

جاء المقالان في بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين وسط معارضة عربية لهجرة اليهود إلى فلسطين، وسعي العرب للتحرر من الاستعمار الأوروبي.

ستلاحظون جابوتنسكي يكثر الإشارة إلى "مؤتمر هلسنكي"، وهو مؤتمر عقدته الحركة الصهيونية الروسية في عاصمة فلندنا هلسنكي عام 1906م ووضعت فيه الأسس العملية لعمل الحركة الصهيونية، والقائم على تحسين أوضاع اليهود في روسيا وجميع دول العالم والمطالبة بحقوقهم المتساوية ومنحهم الحكم الذاتي، بالإضافة للعمل على تشجيع الهجرة إلى فلسطين للوصول في نهاية المطاف لقيام الدولة اليهودية في فلسطين.

المقال كتب باللغة الروسية وترجم لعدة لغات في العالم بما فيها العربية، لكن لم أجد نسخة عربية على الانترنت (هنالك نسخ ورقية بحسب علمي لكنها ليست متوفرة لدي الآن)، وقمت باستخدام النسخة المترجمة إلى اللغة الإنجليزية من أجل ترجمتها للعربية. الكلمات في الترجمة بين أقواس ( ) هي إضافة مني من أجل توضيح المعنى.

أخلاقيات الجدار الحديدي

الكاتب: فلاديمير زئيف جابوتنسكي
كتب في 11/11/1923 (النسخة الأصلية باللغة الروسية)

ترجمة: ياسين عز الدين

لنعد إلى برنامج "مؤتمر هلسنكي"، بما أني أحد الذي ساهموا بصياغته، ولست راغبًا بالتشكيك في المبادئ الواردة فيه.

البرنامج يضمن المواطنة المتساوية وحق تقرير المصير، وأنا مقتنع أن أي حكم موضوعي سيقبل هذا البرنامج كأساس للتعاون السلمي بين أي دولتين جارتين.

لكنه من غير المنطقي التوقع من العرب أن تكون لديهم العقلية الموضوعية، وفي هذا الصراع هم ليسوا حكامًا بل أحد الأطراف المتصارعة. في النهاية سؤالنا الرئيسي هل سيقبل العرب، حتى لو كانوا يؤمنون بالتعاون السلمي، هل سيقبلون بأن يكون لهم "جيران"، حتى لو كانوا جيرانًا جيدين؟ في البلد الذي يعتبرونه لهم؟ حتى أولئك الذين يحاولون إثارة إعجابنا بعباراتهم الرائعة لا يجرؤون على الإنكار أن التجانس القومي هو ملائم أكثر من التنوع الطبيعي. لذا لماذا ستكون هنالك أمة منسجمة مع عزلتها ستقبل (مهاجرين) إلى بلدها حتى لو كانوا جيرانًا جيدين بغض النظر عن عددهم؟ ستجيبك (هذه الأمة) بـ: لا نريد عسلكم ولا نريد لسعاتكم.

بعيدًا عن هذه المشكلة المبدئية، نسأل لماذا سيقبل العرب "برنامج هلنسكي" أو أي برنامج لدولة مختلطة القومية؟ الوصول إلى ذلك هو طلب للمستحيل. نظرية سبرينجر عمرها أقل من 30 عامًا، ولا توجد أي أمة بما فيها الأمم الأكثر تحضرًا، وافقت حتى الآن على تطبيق هذه النظرية بأمانة في أرض الواقع. فحتى التشيك، تحت قيادة ماساريك - المنظر الأول للحكم الذاتي، لن يقبلوا بذلك.

أما العرب بما فيهم مثقفوهم فلم يسمعوا بهذه النظرية، لكن حتى هؤلاء المثقفون يعلمون أن الأقليات تعاني في كل مكان: المسيحيون في تركيا، المسلمون في الهند، الإيرلنديون تحت الحكم البريطاني، البولنديون والتشيك تحت الحكم الألماني، والآن الألمان تحت الحكم البولندي والتشيكي، وهكذا. لهذا يجب أن يكون المرء ملوثًا بالخطابات البلاغية ليتوقع من العرب أن يؤمنوا بأن اليهود، من بين كل شعوب الأرض سيثبتون قدرتهم، أو على الأقل يحاولون، لتحقيق فكرة لم تنجح بها أمة من قبل كانت لديها سلطة أكبر بكثير.

وإنني إذ أؤكد على هذه النقطة، ليس لأني أريد من اليهود التخلي عن برنامج هلنسكي كقاعدة لتسوية مؤقتة. بل على العكس نحن –على الأقل كاتب هذه السطور- نؤمن بهذا البرنامج بقدر إيماننا بقدرتنا على ترجمته إلى أرض الواقع في الحياة السياسية، رغم أن جميع الحالات السابقة قد فشلت. لكنه الآن عديم الفائدة بالنسبة للعرب. لن يفهموا ولن يضعوا ثقتهم في مبادئه: لن يكونوا قادرين على تقدير أهميتها.

ثانيًا:

بما أنها عديمة الفائدة، فهي ضارة. من غير المعقول كم سذاجة اليهود في عالم السياسة. يغلقون أعينهم عن أكبر قواعد الحياة بديهية: لا تمشِ نصف الطريق إلى الذين لا يريدون لقاءك.

هنالك مثال تقليدي في روسيا القديمة، حيث توحدت احدى الشعوب المضطهدة من أجل شن حملة صليبية ضد اليهود معلنة مقاطعتهم وذبحهم، وفي نفس الوقت كانت هذه الأمة تقاتل من أجل الحصول على استقلالها الذاتي، دون أي محاولة لإخفاء نيتها استخدام استقلالها الذاتي من أجل اضطهاد اليهود، بشكل أسوأ من الماضي. مع ذلك فالساسة والكتاب اليهود - بما فيهم اليهود القوميون (الصهاينة) – اعتبروا أن من واجبهم دعم جهود الاستقلال لأعدائهم، من منطلق أن الاستقلال قضية مقدسة. من المثير للانتباه كم أننا نحن اليهود نعتبر واجبنا الوقوف وأداء التحية كلما عزف النشيد الوطني الفرنسي، حتى لو عزفه هامان (وزير فرعون) نفسه، وحتى لو حطمت رؤوس اليهود بشكل مرافق للعزف. أخبروني عن رجل متحمس للديموقراطية وكان يقوم لأداء التحية كلما سمع النشيد الوطني الفرنسي كأنه جندي في استعراض عسكري، وفي أحد الأيام قام اللصوص باقتحام منزله، وقام أحدهم بعزف النشيد الوطني الفرنسي. مثل هذا الشيء ليس أمرًا أخلاقيًا بل كلام فارغ. المجتمع الإنساني مبني على المنفعة المتبادلة، إذا ألغيت مبدأ التبادلية يصبح الحق شيئًا باطلًا. كل إنسان يمر من جانب نافذتي في الشارع يستحق الحياة ما دام يعترف بحقي في الحياة، لكن إن كان مصممًا على قتلي، لا أستطيع أن اعترف له بحق الحياة. وهذا صحيح أيضًا فيما يتعلق بالشعوب، وإلا سيصبح العالم غابة للوحوش البرية، حيث لا يباد فقط الضعفاء بل أيضًا أولئك الذين لديهم أدنى قدر من المشاعر.

العالم يجب أن يكون مكانًا للتعاون والنوايا الجيدة. إذا كنا سنعيش فلنعش كلنا بنفس الطريقة، وإذا كنا سنموت فلنمت كلنا بنفس الطريقة. لكن ليس هنالك أي جانب أخلاقي في أن تكون متخمًا من الشبع، بينما الآخرون يموتون من الجوع. هنالك إمكانية أخلاقية واحدة، ومن جانب إنساني، ينطبق على حالتنا هذه بالتحديد: إذا قدمنا بجانب برنامج هلسنكي تنازلات من كل الأنواع، بما فيها رغبتنا بالمشاركة في مفاوضات تشكيل دولة عربية رائعة من المحيط للخليج، سيكون ممكنًا فقط إذا اعترف العرب بقيام دولة يهودية في فلسطين. عرف أجدادنا ذلك بشكل جيد، والتلمود يعطي تعليمات قانونية واضحة –لها علاقة مباشرة بموضوعنا هذا. رجلان يسيران مع بعضهما البعض في الطريق، ويجدان قطعة من الملابس، أحدهما يقول: "أنا وجدته فهو لي"، والآخر قال: "ليس صحيحًا أنا وجدت الملابس وهي لي". قام القاضي الذي احتكما له بشق القطعة إلى نصفين وأعطى كلًا منهما جزءًا. لكن هنالك جانبًا آخر للقصة، وهي أن أحدهما كان مصرًا على موقفه بينما أراد الآخر أن يظهر الشهامة وقال: "نحن وجدنا القطعة مع بعض ولهذا أطلب فقط نصف القطعة، والنصف الآخر للرجل الثاني" لكن الرجل الثاني يصر على أنه وجدها أولًا وهو يستحق كامل القطعة وحده. في هذه الحالة فالتلمود يوصي القاضي الحكيم أن يقول بطريقة تخذل الرجل الشهم: "هنالك اتفاق بينكما على نصف قطعة الملابس، فالرجل الأول يعترف بأنها للثاني، وبالتالي فقط القطعة الأخرى هي محل الخلاف، وبالتالي سنقسم هذا النصف إلى جزأين، وهكذا يأخذ الرجل العنيد ثلاثة أرباع القطعة، بينما الرجل الشهم أخذ ربعها فقط. من الجيد أن تكون رجلًا شهمًا لكن لا يوجد سبب لتكون غبيًا، عرف أجدادنا ذلك لكننا نسيناه.

يجب أن نستوعب، بما أننا لا نملك الوعي الكافي في هذا المجال، أنه لا يوجد الكثير الذي يمكن أن نتنازل عنه للقومية العربية (حركة التحرر العربية)، بدون تدمير الصهيونية. لا يمكننا التخلي عن جهودنا لإنجاز أغلبية يهودية في فلسطين، ولا يمكننا أن نسمح لأي تحكم عربي في هجرتنا أو الانضمام لفدرالية عربية. حتى أننا لا نستطيع دعم الحركة العربية (للتحرر من الاستعمار)، حيث أنها معادية لنا حاليًا وبالتالي فإننا جميعًا (اليهود)، بما فيهم أصحاب الخطابات المتعاطفة مع العرب، سنكون مسرورين بكل هزيمة تتكبدها حركة (التحرر العربية) ليس فقط في المناطق المجاورة بشرق الأردن وسوريا بل أيضًا في المغرب. وهكذا سيبقى الحال مستقبلًا، لأنه لن يكون ممكنًا غير ذلك، إلى أن يأتي اليوم الذي يجبر "الجدار الحديدي" العرب ليأتوا إلى تسوية مع الصهيونية مرة واحدة وللأبد.

ثالثًا:

لنأخذ بعين الاعتبار، للحظة بسيطة، وجهة نظر أولئك الذين يعتقدون أن هذا غير أخلاقي (أي الجدار الحديدي). سنتتبع جذور الشر إلى هنا – أي أننا نسعى لاستعمار بلد ضد رغبة سكانه، بكلمات أخرى بالقوة. كل شيء آخر غير مرغوب به يأتي من هذا الأصل لا يمكن تجنبه بشكل بديهي. ماذا يمكننا أن نفعل إذًا؟

أبسط طريقة هو أن نبحث عن دولة أخرى لنستعمرها، مثل أوغندا، لكن إذا نظرنا بشكل أقرب إلى الموضوع سنجد نفس الشر موجودًا هناك أيضًا. فأوغدا لها سكانها الأصليون، الذين سيقاومون المستعمرين، بوعي أو بدون وعي، مثل كل الأحداث في التاريخ. صحيح أن هؤلاء السكان الأصليين سود، لكن ذلك لن يغير الحقيقة الأساسية، أنه إذا كان من غير الأخلاقي استعمار بلد ضد رغبة سكانه الأصليين، فسيكون غير أخلاقي إن كان السكان سودًا مثلما هو كذلك مع البيض (العرب). بالطبع الرجل الأسود قد لا يكون متقدمًا بما فيه الكفاية ليرسل الوفود إلى لندن، لكن سيجد عما قريب بعض الأصدقاء البيض طيبي القلب، الذين سيعلمونه ماذا يفعل. بالتالي إذا كان هؤلاء السكان الأصليون عاجزين بشكل مطلق، مثل الأطفال، فسيكون الوضع أسوأ. فإن كان الاستعمار عبارة عن غزو وسرقة فأسوأ الجرائم هي سرقة الأطفال عديمي الحول والقوة، بالتالي فاستعمار أوغندا سيكون غير أخلاقي، والاستعمار في أي مكان بالعالم مهما كان سيكون غير أخلاقي. لم يعد هنالك جزر غير مسكونة في العالم، في كل واحة هنالك سكان أصليون يسكنونها منذ أزمنة سحيقة، والذين لن يتسامحوا مع غالبية من المهاجرين أو غزو خارجي. لذا إن كان هنالك شعب بلا أرض في العالم، فإن حلمه بوطن قومي سيصبح حلمًا غير أخلاقي، أولئك الذين لا أرض لهم يجب أن يبقوا بلا أرض إلى الأبد. لا يوجد مكان شاغر في كوكب الأرض . هكذا تقول الحجة الأخلاقية.

من وجهة النظر اليهودية، فالأخلاق لها وجه مثير للاهتمام. إنها تقول أننا تعدادنا نحن اليهود يبلغ 15 مليون مشتتين حول العالم، نصفهم اليوم حرفيًا بلا مأوى وفقراء وبؤساء مطاردون. تعداد العرب يصل إلى 38 مليون، يسكنون في المغرب والجزائر وتونس وطرابلس (ليبيا) ومصر وسوريا و(الجزيرة) العربية والعراق- مساحتها بعيدًا عن الصحراء تساوي نصف مساحة أوروبا. يوجد في هذا المكان الشاسع 16 عربي لكل ميل مربع، من الجدير ذكره على سبيل المقارنة أنه في صقلية 352 وفي إنجلترا 669 نسمة لكل ميل مربع. ومن الجدير ذكره أيضًأ أن فلسطين تشكل حوالي 1% من هذه المساحة.

لكن إذا طالب اليهود المشردون بفلسطين يصبح أمرًا غير أخلاقي لأنه لا يلائم السكان الأصليين. مثل هذه الآخلاقيات يمكن قبولها بين أكلة لحوم البشر، وليس في العالم المتحضر. فالأرض ليست لأولئك الذين يملكون أرضًا زائدة بل لأولئك الذين لا يملكون شيئًا. إنها العدالة البسيطة أن تأخذ جزءًا من أرضهم، من تلك الشعوب التي تعتبر من بين مالكي الأراضي الواسعة في العالم، من أجل توفير مكان للجوء شعب مشرد ومتجول. وإذا قاومت هذه الأمة التي تملك أراضٍ واسعة وهو أمر طبيعي جدًا – فيجب القيام بذلك بالقوة. العدالة التي تطبق بالقوة تبقى عادلة. هذه السياسة الوحيدة الممكنة تجاه العرب، من أجل الاتفاق سيكون لنا وقت لنقاشه لاحقًا.

كل الشعارات التي تستخدم ضد الصهيونية: الناس يريدون الديموقراطية، حكم الأغلبية القومية، حق تقرير المصير، والتي تعني أن العرب كونهم في الوقت الحالي الأغلبية في فلسطين، يملكون حق تقرير المصير وبالتالي سيصرون على أن تبقى فلسطين بلدًا عربيًا. الديموقراطية وحق تقرير المصير مبادئ مقدسة، لكن مبادئ مقدسة مثل مشيئة الخالق لا يجب استخدامها بطريقة تافهة من أجل الاحتيال وتحقيق عدم العدالة.

مبدأ حق تقرير المصير لا يعني أنه إذا كان أحد ما استولى على قطعة أرض ستبقى بحوزته للأبد، وأولئك الذين طردوا بالقوة من أرضه يجب أن يبقوا دائمًا بلا وطن. حق تقرير المصير يعني المراجعة – مراجعة توزيع الأرض بين الأمم بحيث أن تلك الأمم التي لديها الكثير يجب أن تتنازل عن بعض مما لديها إلى تلك الأمم التي لا تملك الكفاية أو لا تملك أي شيء، بحيث يكون للجميع مكان ما ليمارسوا حقهم في تقرير المصير. وبما أن العالم المتحضر اعترف اليوم بحق عودة اليهود إلى فلسطين، مما يعني مبدئيًا أن اليهود مواطنون وسكان في فلسطين، إلا أنهم طردوا منها وحق عودتهم سيكون عملية طويلة الأمد، من الخطأ الادعاء بأن السكان المحليين لديهم الحق برفض السماح لهم بالعودة وبنفس الوقت أن هذه هي "الديموقرطية". ديموقراطية فلسطين مكونة من جزأين من السكان، المجموعة المحلية وأولئك الذين طردوا منها (أي اليهود)، والمجموعة الثانية عددها أكبر.


ليست هناك تعليقات: