السبت، 29 ديسمبر 2012

فيديو وتعليق: تقرير الجزيرة عن الانتهاكات الممنهجة في سجون السلطة الفلسطينية




يظهر الفيديو أعلاه تقريرًا بثته فضائية الجزيرة عن الانتهاكات الممنهجة في سجون السلطة الفلسطينية بحق المعتقلين السياسيين خلال الفترة التي تلت الانقسام عام 2007م حتى عام 2012م، مستندةً على تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان قام بتوثيق هذه الانتهاكات.

وشنت وسائل الإعلام الفتحاوية هجومًا على التقرير بحجة أن الوقت غير مناسب وأنه يشوش على جهود المصالحة بين حماس وفتح، وتساءلوا عن لماذا تجاهل التقرير حالات التعذيب في سجون غزة (كأنهم يقولون أن انتهاك حقوق الإنسان في غزة يعطي سلطة رام الله الحق بانتهاك حقوق الإنسان).

كما شكك البعض بمصداقية ما جاء فيه مثل الحقوقي شعوان جبارين والذي قال أن أغلب جرائم التعذيب داخل سجون السلطة ارتكبت قبل عام 2011م، وأنه جرى تحسن على وضع المعتقلين داخل السجون من ذلك الوقت.

وهنا لدي بعض التعليقات على الفيديو وعلى الردود عليه:
 
1-   الانتهاكات التي ذكرها التقرير لا تتعلق فقط بالتعذيب البدني، بل تتناول أيضًا الاعتقال المتكرر على نفس القضية ونفس "التهمة" لدى الأجهزة الأمنية الثلاث (الأمن الوقائي، والمخابرات العامة، والاستخبارات العسكرية)، وهذا بحد ذاته انتهاك وممنهج، لأن جميع من يزور أحد هذه الأجهزة سيزور حتمًا الأجهزة الباقية.
2-   أغلب من يقول أنه لا يوجد تعذيب ممنهج في سجون السلطة اليوم لا يعتبر الشبح والتحقيق المتواصل والتعذيب النفسي (مثل التهديد بالاعتداء على الأهل أو الفصل من الوظيفة) تعذيبًا، مع أنه أفعال تعذيب أكثر تأثيرًا بالمعتقل، وهي ما زالت مستخدمة على نطاق شامل داخل سجون السلطة.
3-   التحسن الذي يتكلم عنه شعوان جبارين وغيره، هو فيما يتعلق بالتعذيب البدني والعاهات البدنية الناجمة عن الضرب المبرح (وليس الناجمة عن الإهمال الطبي الذي ما زال موجودًا)، وهذه بالفعل حصل تحسن من ناحيتها منذ عام 2011م، وإن كانت ما زالت تمارس على نطاق ضيق نسبيًا.
4-   التعذيب مرفوض سواء كان في غزة أو في رام الله، وليس معنى وجود حالات تعذيب في غزة أو انتهاك لحقوق الإنسان أن نسكت على ما يحصل في الضفة، علمًا بأن التقارير التي تتكلم عن الانتهاكات في غزة كثيرة، ولا أحد يمنعها أو يصادرها، بينما في الضفة لا تجرؤ مؤسسات حقوق الإنسان عن الحديث بهذه الحرية عن الانتهاكات التي تحصل في سجون الضفة.
5-   الجانب الأخطر في التقرير والذي لم يلتفت له أكثر الناس هو التنسيق الوثيق بين الأجهزة الأمنية وقوات الاحتلال، وأوضح التقرير أن 98% من 300 معتقل سياسي قامت المنظمة باستطلاعهم، كانوا أيضًا معتقلين في سجون الاحتلال (يا للمصادفة!)، وهذا يتطابق مع دراسة أعدها المعتقلون الإداريون في سجون الاحتلال بينت أن غالبيتهم العظمى تم التحقيق معهم عند الصهاينة على نفس الملفات التي سجنوا بسببها عند السلطة.
6-   ما يجب أن يكون جوهر الاهتمام ليس التجاوزات أو سوء معاملة بل العمل الممنهج الهادف إلى تحطيم المحسوبين على المقاومة من خلال تكرار التناوب بالاعتقال بين الاحتلال والسلطة، وبين أجهزة السلطة نفسها، وتسليم معلومات استخبارية عنهم إلى جهاز الشاباك الصهيوني، وهذه حقيقة أظهرها التقرير ولم ينكرها أحد، وهنالك أدلة متواترة عليها، لكن الكل يجادل حول التعذيب البدني ويسقط من حسابه الظاهرة الأخطر.
7-   التنسيق الأمني وتناوب الاعتقال ليس نتيجة للانقسام بين فتح وحماس، بل هو قديم قدم السلطة الفلسطينية، ولم يتوقف ولو ليوم واحد حتى عندما كان الاحتلال يقصف مقرات الأجهزة الأمنية ويدمرها خلال الاجتياحات عام 2002م، وإنما تصاعد بعد أن أصبح محمود عباس رئيسًا للسلطة واشتدت وتيرته بعد الانقسام، وهو لا يتأثر بأجواء مصالحة أو غيرها، ولذا نرى أنه ورغم أجواء الانفتاح الأخيرة بين السلطة وحماس ما زال الاعتقال في الضفة مثل المعتاد وكأنه لا يوجد أي أجواء إيجابية.
8-   نلاحظ أن التقرير تم إعداده بدون أي علاقة لمكتب الجزيرة في رام الله به، وكأنه يتكلم عن دولة أخرى (ربما عن بلاد الواق واق)، وانحصر دور مكتب الجزيرة في رام الله باستضافة شعوان جبارين لانتقاد التقرير والدفاع عن السلطة.
وهذا يؤكد ما تكلمت عنه مسبقًا من أن مكتب رام الله هو مكتب دعاية وإعلام تابع للسلطة داخل فضائية الجزيرة، وليس مكتبًا إعلاميًا محايدًا، فالحياد يتطلب أن يشارك بعرض وجهة نظر الطرفين وأن يكون هو من يعد التقرير وليسرد وجهة المؤسسة الحقوقية والرد عليها، أما أن يرفض إعداد التقرير وأن يكتفي باستضافة من يرد وينتقد التقرير، فهذا الانحياز بعينه، ولا يمت للنزاهة والحياد بصلة.

ليست هناك تعليقات: