السبت، 12 نوفمبر 2011

جدوى سلمية الثورة اليمنية



لو عدنا بالتاريخ إلى عام 2010م وسألنا أي الأنظمة العربية الأجدر بالتغيير والرحيل لربما كان الجواب هو نظام علي عبد الله صالح، حيث كانت الدولة اليمنية على شفير التهاوي والتفكك وبلغت مستويات الفقر والأمية في اليمن مستويات عالية، وكان يعيش حوالي نصف السكان بأقل من دولارين في اليوم، وعانى حوالي ثلث سكان اليمن من انعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني وتمرد الحوثيين في الشمال والحراك الجنوبي الداعي لانفصال الجنوب، والحرب الدموية ضد القاعدة في أنحاء عدة من اليمن.


وبالرغم من أن اليمن دولة منتجة للنفط إلا أن إجمالي الناتج القومي للفرد لا يتعدى الألف دولار سنوياً، مما يجعل الاقتصاد اليمني في مؤخرة الدول العربية وأقرب لاقتصاد العالم الرابع (وليس العالم الثالث).


وإذا كان هدف الثورة ضد نظام الإمامة في الستينات هو إخراج اليمن من القرون الوسطى إلى العصر الحديث، فقد تم إنجاز القليل وهذا القليل تباطأ أو توقف مع وصول علي عبد الله صالح الذي كرس التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.


وعليه كان طبيعياً أن ترتفع المطالبات برحيل علي عبد الله صالح ونظامه مع نجاح الثورة التونسية، فكانت أولى المسيرات الشبابية احتفالاً بانتصار الثورة التونسية في 15/1/2011م وتطورت لتطالب برحيل علي عبد الله صالح ونظامه، ولتأخذ طابع المسيرات اليومية والمنتظمة منذ 22/1، وفي البداية كانت المعارضة اليمنية مترددة بالانضمام للثورة إلا أنها بدأت بالمشاركة المتصاعدة منذ شهر شباط، ولتشتعل الثورة مع الإطاحة بمبارك في 11/2، ولتأخذ دفعة أخرى في 18/3 عندما استخدمت أجهزة الأمن القوة الدموية لقمع المسيرات.


طوال الأشهر التسعة الماضية راوغ وماطل الرئيس اليمني بطريقة صبيانية بين موافق على الرحيل ثم يضع الشروط ثم يوافق بشروط ثم يرفض الشروط التي وضعها وهكذا، ولا شك أن لا صالح ولا زمرته الحاكمة ينوون الرحيل، وأن ما يقومون به مجرد ألاعيب وحيل لكسب الوقت، وبما أن اليمن لا توجد فيه مؤسسات حقيقية فحالة الشلل التي تعيشها البلاد لا تؤثر كثيراً على النظام، وخاصة أنه ما زال يحوز على الاعتراف الدولي بالرغم من كل جرائمه وحيله وأكاذيبه.


يعتمد النظام على محاصرة الثوار في ساحات التغيير وعدم السماح لهم بالخروج منها، واللعب على عامل الزمن، فيما الثوار مصرين على الثورة السلمية ووجهت محاولات للزحف السلمي باتجاه قصر الرئاسة في صنعاء أو الخروج من ساحة التغيير في مسيرات سلمية بالقتل والدماء والقصف.


ويبدو أن نظام صالح يراهن على سلمية الثورة لإطالة أمد بقائه، صحيح أن هنالك قطاعات من الجيش متضامنة مع الثوار وجماعات قبلية مسلحة تستخدم القوة لصد هجمات قوات صالح، لكن الثوار لم ينتقلوا لمرحلة الهجوم المسلح ضد قوات صالح مفضلين الإبقاء على سلمية الثورة وذلك خوفاً من انحدار اليمن إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس في ظل الانتشار الواسع النطاق للسلاح في جميع أنحاء اليمن.


والسؤال المطروح هل يمكن لهذا النهج أن يطيح بنظام صالح؟ فما دام النظام يمتلك الأموال ويمتلك السلاح فهو قادر على الاستمرار ومن الواضح أنه عازم على البقاء ولو كان الثمن تفتيت اليمن وتحويلها لدولة فاشلة (وهي أصلاً كانت قاب قوسين أو أدنى من الفشل قبيل الثورة)، أما ثوار اليمن يسعون لمحاصرة النظام من الخارج عبر سحب الاعتراف الديبلوماسي به وتجميد أمواله (وهو ما سعت له توكل كرمان في زيارتها الأخيرة إلى فرنسا)، وذلك من أجل تجفيف المنابع التي تطيل في عمر النظام.


إلا أن هذا لا يضمن نهاية سريعة للنظام، وقد يصمد النظام لشهور وسنوات إذا كان الرهان فقط على تجفيف منابع الدعم المالي والمعنوي، وذلك لأن النظام يمتلك كميات كبيرة من الأموال والسيولة التي تتيح له الاستمرار حتى في ظل حصار دولي وقد رأينا كم صمد القذافي رغم الحصار الخارجي، ومن الناحية الأخرى فالمجتمع الدولي ليس معنياً بترجيح كفة على أخرى في اليمن، سواء تكلمنا عن الدول العربية (وتحديداً الخليجية غير المعنية بنجاح الثورة) أو الغرب وأمريكا، أقصى ما يقومون به هو الوساطة لترجمة موازين القوى إلى حقائق، ولحد الآن لا زال ميزان قوى الثوار غير حاسم وغير مرجح.


المطلوب أن يقفز الثوار خطوة تجاه حسم المعركة من خلال تحرير المدن الرئيسية، وتحديداً المواقع العسكرية التي تستخدمها قوات صالح من أجل قصف الثوار والتضييق، كما يجب أن يفعلوا فكرة قيام حكومة انتقالية تدير البلاد كبديل لحكومة صالح الفاشلة، ولفرضها على العالم كأمر واقع بدلاً من الدخول في متاهات التسويات والمبادرات السياسية التي أثبت نظام صالح أنه لا يريدها ما دامت لا تعيد إنتاج نفس النظام البائد، فلا فائدة من التفاوض أو التحاور ولا فائدة من التردد.


قوات صالح جيدة التسليح وتتحكم بمواقع استراتيجية على قمم الجبال وهذا يعطيها أفضلية تعوض ضعف شعبية النظام وتهاويه، وبالتالي المواجهة لن تكون مجرد نزهة ولها ثمن كبير حتى لو استعان الثوار بالقوات الموالية لهم والقبائل المتعاطفة معهم، لكن الثمن المدفوع على المدى الطويل نتيجة استمرار الوضع الحالي لأسابيع وأشهر قادمة يتراكم، فهل يدفع الثوار الثمن مرة واحدة أم بالتقسيط؟


وماذا لو أعلن عن قيام حكومة انتقالية أو مجلس انتقالي حقيقي ذي سلطة حقيقية يمثل الثوار والمعارضة اليمنية، وماذا لو قرر تنظيف صنعاء أو تعز من قوات صالح أو على الأقل المناطق التي ينطلقون منها لضرب الثوار (مع التأكيد على الطابع السلمي العام للثورة اليمنية)، عندها يضعون حقائق على الأرض تجبر المجتمع الدولي على التدخل وتحقيق مطالب الثوار مثل تجميد حسابات صالح المصرفية، وربما تقنع هذه الخطوة عدداً من مؤيديه على التخلي عنه والانضمام للثورة.


يجب أن يراجع الثوار حساباتهم حتى لا تقع الثورة اليمنية في دوامة الروتين والشلل فهذا ما يريد علي عبد الله صالح، فهو لا يهتم لأمر الدولة اليمنية ولا الشعب اليمني، فقط يريد ترسيخ وجود عصابته وحمايتها من تداعيات انتصار الثورة.

هناك تعليقان (2):

أم كوثر يقول...

أنا رأيي والله أعلم بقاء الثورة على سلميتها والصمود في الشاعر مع البحث عن سبل أخرى لحلحلة الأوضاعولإنجاح الثورة فالتسليح مدعاة لحرب أهلية قد تأكل الأخضر واليابس ..وأنا أظن والله أعلم تعنث صالح وبقاءه في السلطة رغم كل ما يجري هذا مؤشر على أنه يعتمد على خطةما أو أنه مرتاح لأمر ما قد يظهر وتظهر فصوله مستقبلا .والله أعلم

ياسين عز الدين يقول...

علي صالح يماطل مراهناً على ما يبدو على ملل الناس.

فما دامت المظاهرات محصورة في ساحات محددة، وما دامت بعيدة عن قصوره الرئاسية فلتذهب اليمن إلى الجحيم، هذا تفكير علي صالح بكل بساطة.

لذا يجب التفكير بطرق لإقلاقه في معاقله وقصوره، وهذا غير ممكن بدون حمل السلاح لأنها مواقع محصنة للغاية.