أثار إعلان قيادات حركة حماس تبنيهم للمقاومة الشعبية بعد لقاء عباس مشعل الجدل والنقاش، فهل قررت حماس أخيراً الاقتداء بمحمود عباس والتخلي عن العمل المقاوم المسلح؟ وهل هذا يعني إلغاء كل احتماليات استخدام السلاح مستقبلاً في مواجهة الاحتلال (سواء في القطاع أم الضفة)؟ وما الذي تجنيه حماس من وراء هذا القرار؟ ولماذا أعلن عن هذا القرار فقط خلال لقاء المصالحة بين عباس ومشعل؟
يجب في البداية تصحيح خطأ شائع وهو أن عباس وسلطته يتبنون المقاومة الشعبية، لأن الصحيح أنهم يحاربون أغلب أشكال المقاومة الشعبية مثل إلقاء الحجارة والمظاهرات قرب المستوطنات ومناطق التماس مع الصهاينة ومواجهتهم بمختلف أشكال أسلحة المقاومة الشعبية، فقد اعتقلت الاجهزة الامنية خلال السنوات الماضية شبان رشقوا قوات الاحتلال بالحجارة، وفرقت مسيرات كانت متوجهة إلى الحواجز وغير ذلك من الشواهد العديدة.
مفهوم فتح والسلطة لحد اليوم عن المقاومة الشعبية أنها الشماعة التي تستخدم للتقليل من شأن المقاومة المسلحة، مع أن تاريخ الانتفاضتين أظهر تلازماً بين مساري المقاومة الشعبية والمسلحة، ودائماً ما كانت المقاومة المسلحة تخرج من رحم المقاومة الشعبية، ونفس الأشخاص الذين عملوا في المقاومة المسلحة كانوا نشطاءَ سابقين في المقاومة الشعبية قرروا تطوير أساليب عملهم والانتقال للعمل المسلح.
منذ وفاة عرفات وتولي عباس رئاسة فتح والسلطة نجده يتبع خط واحد ووحيد لمواجهة المحتل الصهيوني، وهو خط المفاوضات والعمل الديبلوماسي ضمن سقف معين لا يصل لحد الصدام مع الاحتلال الصهيوني، وكل ما نظمته السلطة من مسيرات سلمية في رام الله وغيرها من مراكز المدن طوال السنوات الماضية لا يمكن اعتبارها مقاومة شعبية بل هي مهرجانات تعبئة وتحشيد وراء سياسة وخيارات السلطة المتخذة مسبقًا.
هنالك مقاومة شعبية في القرى التي يتهددها جدار الفصل، وفي مناطق خارج سيطرة السلطة الأمنية، في بلعين ونعلين وبيت أمر والولجة وكفر قدوم وغيرها الكثير، مع ذلك تعرّض بعض ناشطي اللجان الشعبية لمقاومة الجدار لمضايقات من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة خلال الشهور الماضية وخصوصًا في منطقة الخليل وبيت أمر.
وهناك مقاومة شعبية تتمثل بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على سيارات المستوطنين في الطرق الألتفافية وهي لا تحظى برضا السلطة، بل قامت بأكثر من مناسبة باعتقال صبية قاموا برشق الحجارة سواء في عزون أو الدهيشة أو غيرها من المناطق. والسلطة لا تعتبرها مقاومة شعبية أصلاً وتعتبرها من المقاومة المسلحة (وربما هي فعلاً في منطقة انتقالية بين المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة).
فعندما تتبنى حماس المقاومة الشعبية فهي تضع السلطة أمام الأمر الواقع، وتقول لها أين هي نشاطات المقاومة الشعبية نريد المشاركة ونريد العمل، ومن ناحية أخرى فالعمل المسلح لكتائب القسام شبه متوقف سواء في الضفة أو القطاع، ففي الضفة الغربية القسام غير قادر على العمل بشكل فعال وكل ما ينفذه هو بضع عمليات كل عام وبعضها يوقع إصابات وبعضها لا يوقع، وفي قطاع غزة يقوم القسام ببناء ترسانة مسلحة قادرة على مواجهة الاحتلال الصهيوني بكفاءة ولا يريد الدخول بمواجهة تدمر ما أنجزه حتى الآن.
فالعمل العسكري شبه متوقف بكل الأحوال، وعباس يشترط على حماس وقف العمل المسلح حتى يستطيع إقناع العالم بقبول المصالحة بين فتح وحماس، لأن عباس حتى اللحظة ما زال يلعب بحذر ولا يريد الدخول بمواجهة مفتوحة مع الاحتلال، وفي نفس الوقت حماس لا تريد أن تعطي هدنة مجانية للاحتلال الصهيوني ولا تريد أن تكبل نفسها بالتزامات على صعيد وقف العمل المسلح.
وبالرغم من أن عزت الرشق أكد في تصريح له قبل يومين أن تفعيل المقاومة الشعبية لا يعني وقف برنامج المقاومة المسلحة، لذا يفهم التوجه نحو المقاومة الشعبية على أنه محاولة لإيجاد قاعدة مشتركة مع حركة فتح، واعتباره الخيار الأمثل بالنسبة لحركة حماس وأيضًا للقضية الفلسطينية في المرحلة القادمة.
فزخم المقاومة الشعبية اليوم في الضفة الغربية جيد ومقبول وقابل للتطوير، والوضع العربي الجديد والتطورات الدولية تدفع باتجاه يساند الفلسطينيين ولا يتركهم وحدهم في مواجهة الاحتلال، والمستوطنات وجدار الفصل العنصري هي نقاط ضعف الاحتلال الصهيوني، وهنالك شبه إجماع عالمي على عدم شرعية الاستيطان والجدار لكن هذا الإجماع لن يترجم إلى ضغط على الكيان ما دام الوضع على الأرض هادئًا، والمقاومة الشعبية تقدم المطلوب.
طبعًا لن يفكك الصهاينة مستوطناتهم في اليوم التالي، وخاصة أن الضفة الغربية هي محور الصراع مع الصهاينة في المرحلة القادمة؛ فمن ناحية تحريرها يوفر للفلسطينيين الأراضي اللازمة لإقامة دولة حقيقية وتوفر لهم موطئ قدم غربي نهر الأردن، ومن الناحية الأخرى كل مناطق الكثافة السكانية الصهيونية تقع على مرمى حجر من مرتفعات وجبال الضفة الغربية.
فالصهاينة لن يسلموا بسهولة لذا فالمطلوب على المدى القصير هو استنزافهم، وإن كان الشعب الفلسطيني سواء في الضفة أو القطاع استنزف هو أيضاً بعد عشر سنوات دامية، إلا أنه يمكن اليوم الاستعانة بإسناد عربي متجدد ومتوقد ويتوق لمواجهة الاحتلال الصهيوني.
يبقى التحدي الحقيقي أمام حماس والسلطة هو ترجمة هذا التوجه إلى معطيات على الأرض، ويجب أن نضع في حسابنا أن الصهاينة لن يمرروا هذا التفاهم بين الجانبين بأي شكل من الأشكال، فالاحتلال لن يقبل بوضع تستعيد حماس أنفاسها في الضفة الغربية ولتستأنف العمل العسكري متى ما وجدت في نفسها القدرة على ذلك، فهذه من البدهيات التي يرفضها الاحتلال مسبقًا.
هل فتح وحماس قادرتان على تنشيط المقاومة الشعبية في الضفة الغربية ورفعها من مستوى مقبول إلى ممتاز؟ وهل عباس يمتلك الاستعداد لمواجهة الاحتلال في حال قرر المضي قدمًا باتجاه المصالحة؟ وهل يستطيع كبح جماح أجهزته الأمنية التي ترى في علاقاتها المتينة بقادة الاحتلال العسكريين خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه؟ هل تعي حماس حقيقة قوة المقاومة الشعبية وإمكانياتها أم أنها قالت ذلك مجرد كلمة لإرضاء عباس وتمرير اتفاق المصالحة؟ هذا ما سنراه في قادم الأيام بإذن الله.