الاثنين، 23 ديسمبر 2019

حول اضطهاد الإيغور في الصين: خلفية تاريخية







في ظل القمع التي يتعرض له المسلمون الإيغور في الصين، سنستعرض الخلفية التاريخية لما يحصل والتركيبة الديموغرافية للصين بما يساعدكم على فهم ما يحصل.

معلومات عامة:

مساحة الصين 9.6 مليون كيلومتر مربع، وعدد السكان 1.428 مليار نسمة (2017م)، وناتجها المحلي الاجمالي 13.6 ترليون دولار (2018م) - حوالي 22% من انتاج العالم، وهي أكبر مصدر في العالم وثاني أكبر اقتصاد (مجموع الانتاج المحلي الصيني والأمريكي يساوي حوالي 55% من الانتاج العالمي).

التركيبة السكانية تشكل عرقية الهان 90% من تعداد السكان، والـ 10% يتوزعون على حوالي 55 عرقية أخرى، بحسب الإحصاءات الرسمية.

أما التركيبة الدينية فهي معقدة لأن أكثر من نصف السكان يؤمنون بتقاليد صينية تخلط ثلاثة أديان مع بعض (البوذية والطاوية وتعاليم كونفوشيوس) بالإضافة لعادات محلية مثل عبادة الأجداد.

ويزيد الأمر تعقيدًا الإلحاد الذي تشجع عليه الدولة الصينية وتعمدها التلاعب في إحصاءات اتباع الديانات.

لذا وجدت أرقامًا متباينة لاتباع الديانات، أكبرها هي البوذية ويتراوح اتباعها بين 20% و30% من الصينيين، وهنالك اتباع الطاوية والكونفوشيوسية والإسلام والمسيحية وتتراوح نسبة كل منهم بين 1% و5% بحسب المصادر المختلفة، وبالطبع لدينا اتباع التقاليد الصينية (خلطة الأديان) ويتراوحون بين 50% و60%.

تختلف المصادر بتحديد أعداد المسلمين: بعضها يقللهم إلى 1% من السكان وأخرى تزيد الرقم إلى 3%، أقرب الأرقام للمصداقية من 25 مليون إلى 30 مليون (1.5% - 2%).

غالبية المسلمين في الصين هم من قومية الخوي (أصولهم صينية) وعددهم حوالي 12 مليونًا، ثم يأتي بعدهم الإيغور (أحد الشعوب التركية) وعددهم حوالي 10 مليون، وآخرون ينحدرون من أصول مغولية وتترية وشعوب تركية أخرى مثل الكازاخ والقرغيز والأوزبك.

معظم الاضطهاد يقع على الشعب الإيغوري فلماذا هم بالذات؟ ساستعرض بشكل مختصر تاريخهم وبعدها تاريخ الصين الحديث، لنحاول فهم الموضوع.

لمحة عن الإيغور:

الإيغور هم أحد الشعوب الناطقة بالتركية يعيش غالبيتهم اليوم في إقليم تركستان الشرقية التي يسميها الصينيون إقليم شينغيانغ (أي الحدود الجديدة).

مساحتها 1.6 مليون كيلومتر مربع (مساحة مصر مليون واحد فقط) وعدد سكانها 20 مليون حيث قامت الحكومة الصينية بتوطين الملايين من قومية الهان من أجل تخفيض عدد الأيغور في الإقليم إلى أقل من النصف.

مساحة تركستان الشرقية حوالي سدس مساحة الصين وغنية بثروات طبيعية مثل النفط ومعظم مساحتها عبارة عن صحراء قاحلة.

عاش الإيغور في المنطقة منذ مئات السنين (حسب بعض المصادر منذ ألفي عام) واعتنقوا في البداية البوذية، وبدأ الإسلام في الانتشار بينهم قبل حوالي ألف عام لكن لم يصبح دين الأغلبية إلا قبل حوالي 500 عام.

وقع الإقليم تحت الاحتلال الصيني منذ حوالي 250 عامًا، إلا أن الثورات ضده سرعان ما اندلعت بسبب تجاوزات الحكام الصينيين وأهم هذه الثورات "الدونغان" 1862- 1877 والتي شارك فيها المسلمون الخوي والإيغور، وكان أحد أسباب فشل الثورة هو تشتت قيادات المسلمين والنزاعات بينهم.

تاريخ الصين الحديث:

أطيح بالنظام الأمبرطوري عام 1911م حيث شارك المسلمون الخوي بالثورة وانضموا للحزب القومي الصيني (الكومينتانغ) الذي أنشأ جمهورية الصين، بينما أعلن الإيغور عن استقلال تركستان الشرقية مرتين عام 1933م وعام 1944م.

إلا أن الصراع بين الكومينتانغ والشيوعيين انتهى بانتصار الشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949م، كما أعادوا احتلال تركستان الشرقية وإنهاء استقلالها القصير.

أعلن ماو عن الثورة الثقافية عام 1966م "من أجل محاربة البرجوازية في الصين"، لكنها كانت بداية مرحلة قمع فوضوية دموية استهدفت جميع الصينيين، واستمرت حتى وفاته عام 1976م.

بعدها بدأت الدولة إصلاحات اقتصادية منذ عام 1978م، وفي عام 1989م اندلعت انتفاضة تيانانمن التي قادها طلاب الجامعات الصينية للمطالبة بالحريات وقمعها النظام بالدبابات.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تخلى الحزب الشيوعي الصيني عن الاشتراكية وأبقى على استبداده، بما في ذلك محاولة فرض الفكر الإلحادي لكن بشكل أقل قمعًا عن الذي كان خلال فترة الثورة الثقافية.

قمع الإيغور:

الانفتاح الذي شهدته الصين كان انفتاحًا اقتصاديًا بالدرجة الأولى وبقي استبداد الدولة السياسي موجودًا، وبما أن للإيغور طموحات بالاستقلال فكان هذا سببًا كافيًا للنظام كي يزيد جرعة القمع ضدهم.

حصلت عدة انتفاضات ضد الاحتلال الصيني أبرزها عام 2009م والتي استهدفت الهان الذين يقوم النظام بتوطينهم في إقليم تركستان الشرقية لتغيير تركيبتها السكانية، تبعتها إجراءات قمعية ضد الإيغور.

وبعد الحرب على الإرهاب عام 2014م اعتبرتها الحكومة الصينية فرصة لزياة قمع الإيغور والتضييق عليهم.

من الصعب التأكد من دقة التقارير حول حجم القمع الذي يتعرض له الإيغور في ظل التعتيم الإعلامي الذي تمارسه الحكومة الصينية.

لكن الأكيد هو معسكرات الاعتقال التي تدعي الحكومة الصينية أنها مراكز لإعادة التأهيل، وهي مستمدة من معسكرات الاعتقال في الاتحاد السوفياتي، تجمع بين الإذلال والتعذيب وغسيل الدماغ.

قضايا مثل إرسال المراقبين إلى البيوت وتعقب الناس في حياتهم ليست غريبة على النظام الصيني، الذي يتفاخر بشبكة الكاميرات في المدن الصينية لتعقب الناس وتسجيل النقاط عليهم في حال خالفوا القوانين (مثل قطع الشارع من مكان ممنوع).

هذا النظام مهووس بمراقبة شعبه والتدخل في شؤون حياته (مثل سياسة الطفل الواحد للعائلة)، وسبب تركيزه على الإيغور تمردهم عليه ورفضهم الخضوع، فيخشى انتقال العدوى لغيرهم.

في الختام:

النظام الشيوعي الصيني قمعي استبدادي، يترك هامشًا ضئيلًا من الحرية للشعب الصيني، لكن يشدد قبضته أكثر على الإيغور بسبب رغبتهم بالاستقلال.

يستغل النظام التفاوت العددي الكبير للتغول على المسلمين، كما أن اقتصاده القوي وتصديره بضائع هامة لأغلب الدول الإسلامية يصعب من عملية الضغط عليه وإجباره على وقف اضطهاده لهم.

ليست هناك تعليقات: