بداية
يجب فهم أن حركة فتح هي "أم المتناقضات" فهي التي تحمل مشروع التنسيق
الأمني مع الاحتلال ومحمود عباس، وفي نفس الوقت يخرج من صفوفها العديد من
المقاومين (بما فيه فترة انتفاضة القدس الحالية).
كما تجد
في فتح العلماني والسلفي والمتدين والملحد وكافة الألوان والتوجهات، وكل منهم
يعتبر نفسه الممثل للحركة والذي يفهم رسالتها بالشكل الأفضل.
في ظل
هذه التناقضات (التي تميز الحركة منذ عشرات السنوات) جاء إضراب الأسرى الأخير،
والذي حرصت حركة فتح أن تتصدر مشهده بل إن أسرى فتح في سجون الاحتلال (جناح مروان
البرغوثي) تسرعوا بالإعلان عن الإضراب قبل إنهاء التنسيق مع الفصائل الأخرى حتى
يحسب الإضراب لهم وليس إضرابًا لجميع الفصائل.
واستغلت
حركة فتح ذلك لتزايد على حماس وكافة فصائل المقاومة، ولتتصدر المشهد المقاوم وأنها
من تقود حراك الأسرى في الأيام الأخيرة.
التحدي
والمعضلة التي تواجه حركة فتح هي كيف ستواصل التصعيد الميداني في ظل وجود جناح قوي
ومهيمن يرفض المواجهة مع الاحتلال، ممثلًا برئيس السلطة، خاصة وأن الكلمة العليا
والنهائية في السنوات الأخيرة كانت لهذا الجناح.
ففي
السنوات الأخيرة كانت الأجنحة الشعبية داخل الحركة تشارك في الفعاليات التي تناهض
الاحتلال، مثلما حصل في بداية انتفاضة القدس، لكن في اللحظات الحاسمة والحرجة من
المواجهة كانت تأتي الأوامر من الأعلى لتكبح هذا الحراك وتجعله محدود التأثير.
وكانت
الذرائع في كل مرة أن حماس تستغل الحراك لتورط السلطة في مواجهة مع الاحتلال، أو
تنظيم انقلاب ضد السلطة.
لكن هذه
المرة الأمر مختلف فقد حرصت فتح على تصدر المشهد منذ البداية، بل واحتكاره، رغم أن
حماس وغيرها من الفصائل تشارك سواء في إضراب الأسرى أو المقاومة الشعبية أو الحملات
الإعلامية، إلا أن فتح حريصة منذ بدء الحراك الحالي على تبنيه واعتباره مشروعها.
هنالك
الآن تياران داخل فتح: أحدهما يمثله محمود عباس وقيادة السلطة يريد استثمار الحراك
الشعبي لتعزيز شرعية الحركة لكن دون الدخول في مواجهة مع الاحتلال، وتيار تمثله
القواعد الشعبية للحركة ويريد التصعيد ضد الاحتلال حتى النهاية.
وحركة
فتح هي الأقدر على التأثير في الشارع بالضفة الغربية للأسباب الآتية:
أولًا: صحيح أن
حماس تنافس فتح في الضفة على حجم التأييد الشعبي، لكن القاعدة التنظيمية لحركة فتح
أكبر بشكل ملحوظ من القاعدة التنظيمية لحركة حماس.
حماس
تعوض عن الفرق في الحجم من خلال عملها المنظم والمؤسسي، اما فتح فتعتمد على نظام
"الفزعات" والاستنفار في مناسبات محددة، بحيث نلمس قوتها التنظيمية في
هذه المناسبات، بينما تغيب تمامًا عن الشارع خارج إطار هذه الفزعات.
لهذا
نلمس (مثلًا) في الجامعات قوة فتح تبرز فجأة في انتخابات مجالس الطلبة، لأنه يتم
التحشيد لها وفقًا لنظام الفزعة.
ومنذ
أحداث الانقسام عام 2007م كانت فتح تستدعي قاعدتها التنظيمية (الفزعة) في إطار
المواجهة مع حركة حماس.
وربما
هذه أول مرة في السنوات العشر الأخيرة التي نرى هذا الحجم من التحشيد في الضفة من
قبل حركة فتح لحراك موجه ضد الاحتلال.
ثانيًا:
الفعاليات التي تنظمها حماس أو الجهاد أو الشعبية يخشى الكثير من عامة الناس
المشاركة فيها، خوفًا من الاحتلال والسلطة.
لكن
الفعاليات التي تنظمها حركة فتح فعواقب المشاركة فيها شبه معدومة، فنرى الكثير من
العامة يقبلون المشاركة فيها، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية وطنية جامعة مثل
الأسرى.
ثالثًا: البنية
التنظيمية لحماس والجهاد مستنزفة إلى حد كبير في الضفة بسبب الاعتقالات والضربات
المتتالية، بينما بنية فتح التنظيمية في أوج قوتها، لكنها تعاني من الترهل
والابتعاد فترة طويلة عن المواجهة مع الاحتلال.
لهذه
الاعتبارات فإن استمرار حركة فتح في المواجهة مع الاحتلال، وما زال الإضراب في
بدايته ونلمس آثار التصعيد ميدانيًا، سيكون محرجًا لمشروع التنسيق الأمني.
فعلى
سبيل المثال دعت حركة فتح لمواجهات عند مستوطنة بيت إيل (القريبة من منزل محمود
عباس) يوم الأحد القادم، وهي منطقة اعتبرت رمزًا لمواجهات انتفاضة القدس في
بدايتها، ثم قام أمن السلطة بمنع المواجهات فيها، وذلك تحاشيًا لإغضاب الاحتلال.
فهل
ستقمع الأجهزة الأمنية مسيرة الأحد القادم؟ وهل تستطيع ذلك؟ أم تسمح لها لمرة
واحدة (للتنفيس) ثم تعود وتمنعها؟
رغم حجم
التفاعل الشعبي الكبير (نسبيًا) مع إضراب الأسرى هذه المرة، لكن الأمور ما زالت
تحت سيطرة السلطة إلا أنها لن تبقى طويلًا كذلك في حال استمر التصعيد بهذا المعدل.
والجناح
الرافض للتصعيد داخل حركة فتح بدأ بالتحرك (بالتنسيق مع الاحتلال)، وسيضغط على
المشاركين من حركة فتح بأنه يكفي حجم التضامن الحالي، وأن "حماس تتآمر لجر
السلطة لمواجهة مع الاحتلال" رغم أن هذه الذريعة مضحكة كون فتح التي تتصدر
الحراك الحالي، لكنها ستقال وسنسمعها في الأروقة الفتحاوية الداخلية في الأيام
القادمة.
وحتى
داخل السجون بدأ أحد قادة فتح ويدعى جمال الرجوب بالضغط على أسرى الحركة لوقف
الإضراب عن الطعام، وتقوم إدارة السجون بنقله بين السجون المختلفة لممارسة الضغط
والتهديد على أسرى فتح لوقف مشاركتهم في الإضراب.
وهو مشهد
يلخصه ما ذكرته في البداية بأن فتح هي "أم المتناقضات" فمن ناحية يتصدر
قائدها داخل السجون مروان البرغوثي الإضراب، ومن ناحية أخرى نشاهد التنسيق الأمني
داخل السجون من قبل جمال الرجوب الذي يتآمر لإفشال الإضراب.
وفي
الميدان نجد شباب فتح في المواجهات، وهم يشكلون نسبة كبيرة وليست هامشية، وفي نفس
الوقت نجد الأجهزة الأمنية تحارب المقاومة بكافة أشكالها، وربما تتحرك في الأيام
القادمة لقمع المواجهات التي تخرج لنصرة الأسرى.
والسؤال
الجوهري هل سينتصر جناح التنسيق الأمني ومحمود عباس هذه المرة كما كان الحال في
السنوات الأخيرة؟ أم تخرج الأمور عن سيطرته؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق