الثلاثاء، 15 يناير 2013

إلى متى يستمر تعثر المصالحة الفلسطينية؟



أثار الخبر الذي نقلته صحيفة القدس العربي عن طلب السلطة الفلسطينية وحركة فتح حل كتائب القسام وأجنحة المقاومة المسلحة كشرط من شروط المصالحة ضجة إعلامية متوقعة، وبالرغم من نفي سامي أبو زهري للأمر وتأكيده على أن الملف الأمني لم يبحث بعد بين الحركتين، إلا أنّه سيفتح بالنهاية وستجد الحركتان نفسيهما أمام معضلات لطالما عطّلت المصالحة وأصابتها بالشلل.

والأطراف الثالثة (الأحزاب الأصغر حجمًا والصحافة والمستقلون) مولعون ومغرمون بإلقاء مسؤولية تعثر المصالحة بين الحركتين على عناد كل منهما وتمسك كل منهما "غير المبرر" بمواقفه وفشلهما بالتفاهم والحوار الجدي.

فهل حقًا مشكلة حماس وفتح هي عدم القدرة على التفاهم وإيجاد الحلول الخلاقة؟ وهل ستنجح الأمور هذه المرة بحيث يتفاجأ الجميع؟ أم أنها ستعود وتنتكس كالعادة؟ وهل هنالك حلول إبداعية ممكنة؟
 
بعد حرب غزة الأخيرة حصلت انفراجة كبيرة بين الحركتين، وهي ذات طبيعة نفسية وإعلامية واجتماعية بالدرجة الأولى، ورأينا تلاحمًا إعلاميًا وانخفاضًا في حدة التراشق الإعلامي، ورأينا تسامحًا نسبيًا بالنشاطات الجماهيرية للحركتين في الضفة والقطاع، وخفت حملات الاعتقال السياسي بالضفة فيما أفرج عن آخرون في غزة وسمح للهاربين من فتح بالعودة للقطاع.

ويمكن القول أنه حصل تقدم ملموس على الأرض والميدان، وإن لم يكن تامًا ولا مطلقًا، فالاعتقال السياسي مستمر لهذه اللحظة في الضفة الغربية، وما زال لدينا حكومتين ونظامين سياسيين شبه منفصلين إلا بالحد الأدنى، وما زال النظام السياسي الفلسطيني مشلولًا غير قادر على التقدم إلى الأمام.

ونستطيع الزعم أن أغلب الإجراءات والمناكفات الناجمة عن أجواء الانقسام قد أنهيت أو أنه أصبح ممكنًا إنهاؤها من خلال ترتيبات متفق عليها، وليس صحيحًا ما يزعمه "الطرف الثالث" بأن الحركتين لا تفهمان أصول الحوار أو التفاهم، ففي التاريخ أسبقيات كثيرة لاتفاقيات وتفاهمات بينهما حلت بها عقد كثيرة (وخاصة على المستوى الميداني والمناطقي) وبدون حاجة لوسطاء.

وليس آخرها مهرجان فتح في غزة والذي أجزم لو أن الحكومة طلبت من الجهاد أو الشعبية تغيير مكان الاحتفال لما استطاعت أن تتفاهم معهما مثلما تفاهمت مع فتح، وذلك لأن فتح وحماس تنظيمين كبيرين يشعران بالمسؤولية ومستعدان للتعالي عن الصغائر وقت الجد (وليس دائمًا) وليسا مصابيْن بعقدة النقص والحاجة لإثبات الذات والاعتراض من أجل الاعتراض كما هو لدى الأحزاب والتنظيمات الأصغر حجمًا.

قد يقول قائل وماذا عن الاعتقالات في صفوف نشطاء حماس بالضفة؟ وماذا عن الاستمرار بإغلاق مؤسسات حماس؟ وهل سيقبل عباس إدخال عناصر حماس في الأجهزة الأمنية؟ وهل وهل؟ والجواب على ذلك هو بسيط للغاية: هذه أمور لا علاقة لها بالانقسام مطلقًا، وهي موجودة قبل الانقسام وخلال الانقسام والسلطة ليست مستعدة لإنهائها بعد الإنقسام.

الاعتقال السياسي موجود في الضفة والقطاع منذ الأسابيع الأولى لقدوم السلطة الفلسطينية ولم يتوقف يومًا حتى في ظل قصف الاحتلال للمقرات الأمنية، وملاحقة تمويل حماس موجود منذ اليوم الأول وتكثف منذ عام 2005م نتيجة استحداث الاحتلال خطة تعطي ملاحقة مؤسسات التمويل الأولوية بالملاحقة، والتشييك الأمني والتأكد من عدم وجود خلفية وطنية لأي منتسب للأجهزة الأمنية موجود، وازدادت وتيرته مع دايتون وطالت حتى العناصر الفتحاوية ذات التاريخ المقاوم.

باختصار كل منظومة التنسيق الأمني والاعتقال بناء على نشاط الحمساوي ضد الاحتلال (سواء من خلال المقاومة المسلحة أو الشعبية أو تمويل حركة حماس)، ليست في يد السلطة وقرارها ليس فتحاويًا، بل هو قرار صهيوني محض لأن السلطة رهنت نفسها بيد المحتل الصهيوني والاتفاقيات الموقعة معه والالتزامات تجاهه.

لذا يمكن الحديث عن وقف الاعتقال بسبب التقارير الكيدية أو النكاية بحماس في غزة، لكن الاعتقال القائم على منظومة التنسيق الأمني مع الصهاينة فإنهاؤه غير وارد، إلا في حال قررت السلطة إدخال ثورة في علاقتها مع المحتل وتحولها من سلطة تدير الضفة نيابة عن المحتل إلى سلطة تقاوم المحتل وهذا أمر يبدو مستحيلًا في ظل حكم الديناصورات السياسية المتخلفة للمقاطعة في رام الله، والتي لم تستوعب للآن حجم التغيرات في المنطقة وما زالت أسيرة للحظة محاصرة ياسر عرفات في المقاطعة وتخشى أن يتكرر معها نفس الشيء.

إذن ما الحل؟ كيف سيكون هنالك تقدم وهنالك ملفات كثيرة مرتبطة بالمحتل الصهيوني؟ فلا حماس بوارد أن تدخل نفق فتح ولا فتح بوارد الارتقاء من واقعها المقيد بقيود الاحتلال، والأمر يتعلق بقرارات مصيرية (لكليهما) وليس عنادًا تافهًا كما تصوره "الأطراف الثالثة".

برأيي من الممكن الكلام عن التقدم في المصالحة في حال واحدة، وهي حل كل القضايا القابلة للحل، وترك العقد التي لا علاقة لها بالمصالحة بدون حل، وليس مطلوبًا من حماس أن توافق على الاعتقال السياسي (وهي تاريخيًا كانت ترفضه وبنفس الوقت تجلس مع عرفات وتتحاور معه وتتشارك معه)، وليترك حل هذه العقد للأيام والزمن.

ومثلما ترى فتح نفسها في حل من أي اتفاق عندما يتعلق الأمر باعتقال نشطاء المقاومة فلتعتبر حماس نفسها مثلها، ولتقاوم الاعتقال السياسي ولتحاربه وكأنه لا اتفاق مصالحة ولتنهِ باقي الملفات، ما المشكلة في ذلك؟ لأنه وبكل بساطة ملف الانقسام استنزف الجانبين واستنزف القضية الفلسطينية بشكل قاتل، ويجب تخفيف النزيف حتى يستطيع ملف مقاومة المحتل أن يأخذ مكانه، وما لا يدرك كله لا يترك جله.

ليست هناك تعليقات: