بعد نيل فلسطين عضوية مراقب في الأمم المتحدة
ثار جدل ولغط كثير حول أثر هذه الخطوة على القضية الفلسطينية، بين من اعتبرها
نهاية المطاف وغاية المرام والنصر المؤزر، وبين من اعتبرها كارثة جديدة وتصفية
للقضية الفلسطينية غير مفرق بين تنازلات محمود عباس ومواقفه التي لا يرضى عنها أي وطني
شريف وبين العضوية في الأمم المتحدة والتي سنناقش فيما يلي جدواها ومحاذيرها.
لا تغيير على أرض الواقع:
عضوية فلسطين في الأمم المتحدة لا تعني أي تغيير على أرض الواقع لا في
قطاع غزة ولا الضفة الغربية ولا فلسطين المحتلة عام 1948م، وحتى لو نص القرار على
ذلك فسيرفض الصهاينة وبدعم أمريكي تنفيذ القرار بكل صلافة كما رفضوا من قبل كل
قرارات الأمم المتحدة التي في صالح الشعب الفلسطيني.
أثار موقف خالد مشعل والمكتب السياسي لحركة حماس
والذي قدم دعمًا مشروطًا لذهاب محمود عباس إلى الأمم المتحدة من أجل طلب عضوية
مراقب لفلسطين جدلًا في الساحة السياسية الفلسطينية وخاصة بين مؤيدي حركة حماس
والتيار المعارض للتسوية السلمية.
والسؤال المطروح ما هو وجه الاعتراض؟ وما مدى
مصداقيته؟ وما هي الرؤية الأمثل للتعامل مع الحلول الديبلوماسية أو السياسية (وليس
السلمية لأن السلام مبني على القبول بحق وجود الكيان الصهيوني ورفض هذا المسار أمر
مفروغ منه ولا نقاش حوله من جانبنا).
صورة لقصف ريشون لتسيون في نهاية حرب الليال
السبع والأيام الثمانية، والمعنى غير الحرفي لاسم المدينة هو "الصهيونية
الأولى"، وهي من بين أول ثلاث مستوطنات بنتها الحركة الصهيونية على أرض
فلسطينية (إلى جانب بتاح تكفا وزخرون يعقوب)، وذلك عام 1882م، لقد كان المستوطنون
الذين شيدوا ريشون لتسيون (على أراضي قرية عيون قارة الفلسطينية) هم طليعة المشروع
الاستيطاني، ورأس حربتها الأولى، والذي مهدوا لمن جاءوا بعدهم.
أما في الحرب الأخيرة فقد وقف مستوطنو ريشون لتسيون عاجزين
(أو بالأحرى منبطحين في الملاجئ) أمام صواريخ القسام، بالرغم من أن الكيان
الصهيوني قد بلغ من القوة شأنًا عظيمًا يجعله قادرًا على محاربة دول عربية عديدة
في نفس الوقت.
وبالرغم من أن القسام والسرايا أطلقوا صواريخ
على تل أبيب والقدس، لكن كما يقولون الصورة لها تأثيرها وأن صورة واحد أبلغ من ألف
كلمة، وصورة المبنى المهدم في ريشون لتسيون، يعني للفلسطيني أننا قادرون على إلحاق
الهزيمة بجالوت وجنوده، أننا قادرون أن نهاجم ونصل إلى عقر دارهم.
كيف انفجرت الأوضاع في قطاع غزة؟ وكيف تطورت إلى
المواجهة التي نراها اليوم؟ وإلى أين ستسير بنا التطورات؟ وما هي التداعيات
المتوقعة من المواجهة؟ وأين هي نقاط قوة وضعف المقاومة الفلسطينية؟ وكيف من الممكن
أن تكون هذه المواجهة خطوة إضافية إلى الأمام في حرب التحرر الوطني؟
لماذا اندلعت المواجهة:
لا شك أن حرب عام 2008-2009م لم تنته بشكل حاسم،
وأوقفت بدون أن يحقق الصهاينة أيًا من أهدافهم الأساسية وعلى رأسها كسر قدرات
المقاومة العسكرية وإصابتها بالشلل لسنوات طويلة ودفع الشعب الفلسطيني للانتفاض
والثورة على مشروع المقاومة، وفي نفس الوقت لم تستطع المقاومة كسر إرادة الاحتلال
ودفعه للقبول بالأمر الواقع الجديد والاستسلام له.
سيفرج عن الأسير رامي سليمان يوم غد الإثنين من
سجون الاحتلال، وقد أمضى منذ عام 2001م ما يقارب العشرة أعوام في السجون (أغلبها
في سجون الاحتلال)، ونتساءل هل ستقوم سلطة التنسيق الأمني بواجب تكريمه كما كرمت
الأسير عمر أبو شلال أحد أبطال الإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال، والذي اعتقلته
بعيد الإفراج عنه من سجون الاحتلال؟
أو مثلما كرمت الأسير سفيان جمجوم والذي أمضى ما
يزيد عن 15 عامًا في سجون الاحتلال، والذي تستضيفه الأجهزة الأمنية في زنازينها بين
الحين والآخر؟ أم مثل الصحفي والأديب وليد خالد الذي أمضى ما مجموعه 15 عامًا في
سجون الاحتلال، لتستضيفه أجهزة السلطة الأمنية بعد أسبوعين من الإفراج عنه في شهر
أيلول الماضي، وقدمته للمحاكمة بتهمة سُجِن وحوكم عليها في سجون الاحتلال.
ربما لم تمر صورة هذا الشاب (مالك محيسن – 17
عامًا) على الكثير من الناس بالرغم من أنها نشرت بوسائل الإعلام المختلفة قبل بضعة
أيام، حيث أن الشاب تعرض للضرب المبرح على يد قوات المستعربين الصهيونية في مخيم
شعفاط، حيث أن القوة انكشفت وتعرض اثنين من أفرادها للطعن بسكين فيما أصيب آخرون
بالحجارة.
وانتقامًا مما حصل ألقي القبض على الشاب مالك
بتهمة أنه طعن أحد الجنود، ولا أدري مصداقية الصهاينة ولا مزاعمهم، لكن كما نرى في
الصورة أعلاه فقد قاموا بالواجب الإنساني (شهوة الانتقام الأعمى)، وحطموا وجهه
ويمكن أن نرى صورته أدناه وهو مكبل اليدين وعيناه متورمتين إلى حد لا يستطيع
فتحهما (هذا إن لم يصب بأضرار دائمة)، أثناء اقتياده إلى المحكمة وكأن تحطيم وجهه
لا يكفي (أو كما يقول المثل العامي: فوق حقه دقه).
نظم رجل الأعمال النابلسي منيب المصري وصاحب
الطموحات السياسية اجتماعًا تطبيعيًا أريد له أن يكون سريًا لكن أمره افتضح قبل
يومٍ واحد، مع ذلك مضى فيه بإصرار وتحدٍ لكل الثوابت الوطنية (بما فيه الثوابت
شديدة التدني لمحمود عباس).
شارك في اللقاء التطبيعي الذي عقد في قصر منيب
المصري على قمة جبل جرزيم والمطل على مدينة نابلس مثله مثل معسكر جيش الاحتلال
المجاور، شخصيات فلسطينية وصهيونية وعربية (مثل عمرو موسى)، ولعل أخطر الشخصيات
المشاركة هو رجل الأعمال اليميني الصهيوني رامي ليفي.
دافع منيب المصري عن الاجتماع الذي عقد تحت مسمى
"كسر الجمود"، مؤكدًا على الطبيعة السياسية لللقاء نافيًا أي صفة
اقتصادية لها، وبالرغم من رفضنا لمثل هذه اللقاءات حتى تحت هذه المزاعم والمسميات،
لكن وجود رامي ليفي يضع ألف علامة تساؤل.
قرر منظمو فعالية أكبر سدر مفتول رفع قضية على
المحامية والناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى شيرين العيساوي وشقيقة الأسير المضرب
عن الطعام سامر العيساوي، وذلك بحجة أن المحامية العيساوي قامت بإفشال فعالياتهم
بسبب انتقادها للفعالية وتنظيمها اعتصام أمام أكبر سدر مفتول (شاركها بالاعتصام
خمسة أشخاص فقط).
تتذرع جمعية العاصور بأن انتقادات العيساوي
واعتصامها قامت "بتطفيش" الزبائن المفترضين، وأن الجمعية تعاني من ديون
بسبب فشل الفعالية وبسبب مماطلة وزارة الزراعة دفع المستحقات المطلوبة منها بصفتها
جهة راعية للفعالية.
كان الأجدر بالجمعية أن ترفع قضية على وزارة
الزراعة لإلزامها بدفع ديونها (وللعلم فعلى السلطة ديون طائلة لشركات الأدوية
والمستشفيات والشركات الخاصة ومخصصات غير مدفوعة للبلديات)، بدلًا من الاستقواء
على ناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى وزملائها.
يظهر الفيديو المرفق كلمة للنائب الكويتي
السابقمسلم البراك، وهو يخطب بالمتظاهرين
في مسيرة خرجت يوم الأحد الماضي، وفيما فهمت أنه كان هنالك إشاعات عن وجود قوات
أردنية ستأتي لمساندة الأمن الكويتي في قمع المتظاهرين، حيث طلب من المتظاهرين عدم
الرد على اعتداءات رجال الأمن، إلا إن كانوا "أردنيين فراح ندعس على
خشومهم"، وأضاف بعد الأردنيين كلمة الفلسطينيين، وليس واضحًا إن كان يقصد
قوات أمنية تابعة للسلطة أم الفلسطينيين الذين يعيشون بالأردن ويخدمون بالأمن
الأردني، أم أنه مجرد استحضار لحزازيات حرب الخليج الأولى وتضامن الفلسطينيين
والأردنيين وقتها مع صدام.
وفي كل الأحوال لم يكن كلامه موفقًا، فليس الشعب
الأردني أو الفلسطيني عدوًا للشعب الكويتي أو مطالبه العادلة، بل نعتبر أننا
والشعب الكويتي في صفٍ واحد ضد شبيحة النظام سواء في الكويت أو الأردن أو فلسطين،
كما أن التسامح مع اعتداء الشرطي الكويتي وعدم التسامح مع اعتداء غير الكويتي غير
مفهوم؛ إلا إن كان يريد تجنيب المجتمع الكويتي أي انشقاقات واستقطابات ويحاول
استمالة أفراد أجهزة الأمن الكويتية، فهذا مقبول من حيث المبدأ لكن من الواضح أن
كلامه قد خانه وأظهره بشكل يحمل ملامح عنصرية.
في المقابل وجدت حملة مضادة وخاصة من مؤيدي فتح
والنظام الأردني، وإذكاء للنعرات العنصرية المتبادلة، وكأن هذا ما ينقصنا، وبدلًا
من الرد على السيئة بسيئة أكبر منها كنت اتمنى أن أرى هذه الحمية في مواجهة العدو
الصهيوني، لا أن نسلم له كافة أوراقنا ونغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بينما
لا نتحمل زلة لسان أو هفوة من إخواننا العرب.
من المحظور إشعال النعرات العنصرية بين الشعوب
العربية التي تقف في خندق واحد، وإن كان هنالك زلة فيجب مبادلتها بالتي هي أحسن
والتجاوز عنها، ولا يجوز أن ننجر وراء شبيحة وفلول وزعران الأنظمة التي تعتاش على
هذه النعرات العنصرية، وأتوقع توضيحًا من النائب البراك يزيل اللبس ويقطع الطريق
على متصيدي الفتنة، فاحترامي له يأبى أن يقع النائب بمثل هذه الزلة.
يمتلك صديقنا اشتيوي دكانًا صغيرًا وسط المدينة
يعتاش منه ويعيل عائلته، ويملك منزلًا ورثه عن والده وسط المدينة، وكان دائمًا
يرفع شعار "أمشي من الحيط للحيط .. وأقول يا رب الستيرة"، وأخذ على نفسه
عهدًا أن لا يتناول السياسة فهي رجس من عمل الشيطان، وأن لا يتورط في أي عمل مقاوم
ضد المحتل الصهيوني فجميع التنظيمات مخترقة ويتلاعب بها المحتل يمنةً ويسرى، ويرى
في إعالته لأسرته وجلب قوت يومهم أعظم جهاد وصمود على الأرض.
صحى اشتيوي ذات ليلة على جلبة في حديقة المنزل،
رجال يتكلمون العبرية وينزلون معدات ثقيلة لم يميز ما هي، اختلس النظر من النافذة
فإذا عشرات المستوطنين يحرسهم جنود الاحتلال يقومون بنصب خيام وعرائش في حديقة
المنزل.
قال في نفسه: "الله يهونها، شو جابهم هدول؟
خلينا لبكرة بالنهار تنشوف شو قصتهم".
لم يستطع النوم اشتيوي وهو يتقلب في السرير، ثم
يصحو ويذهب يختلس النظر من النافذة، "اللهم جيب العواقب سليمة، طيب شو بدهم؟
لو بدهم يعتقلوا حد كان دخلوا، وبعدين شو الخزاين اللي بنزلوا فيها؟ ول ول
.."