الأحد، 21 أكتوبر 2012

نوعام تشومسكي: لماذا زار غزة ولم يزر الضفة؟




من هو نوعام تشومسكي؟ إنه مفكر أمريكي يهودي ومؤسس علم اللسانيات الحديث، يساري التوجه (أبرز المفكرين اليساريين في العالم الذين ما زالوا على قيد الحياة)، عرف بانتقاده الشديد للحكومات الأمريكية المتعاقبة والفكر الرأسمالي الغربي وللكيان الصهيوني وسياسته العنصرية العدوانية.

وبالرغم من كونه محسوبًا على اليسار الراديكالي الأمريكي، إلا أنه مفكر حر لا يلزم نفسه بالقوالب الجاهزة التي يفرضها اليسار، فانتقد النظام السوفياتي وخروقاته لحقوق الإنسان، كما تميز بأنه من القلة اليسارية التي وقفت بجانب الشعب السوري ضد نظام الأسد (على عكس جورج جالوي وتشافيس وأغلبية اليسار العربي)، مما يعطينا لمحة جيدة عن هذا المفكر الذي يخط طريقه باستقلال فكري رافضًا قبول القوالب الجاهزة كمسلمات.
زيارة تشومسكي إلى الضفة:

حاول تشومسكي زيارة الضفة الغربية في شهر أيار عام 2010م إلا أن جنود الاحتلال عند معبر الكرامة رفضوا دخوله إلى الضفة، مصرين على أن يدخل عبر معبر "إسرائيلي" وليس فلسطيني (مع أنهم يسيطرون على كلا المعبرين)، وأخبروه أنه بإمكانه الدخول من خلال مطار بن غوريون (اللد)، وذلك لأنهم أرادوا تسجيل موقف أنه زار "إسرائيل" ولم يزر "فلسطين (الضفة)".
 
وعلى عكس المطبعاتية العرب رفض تسول الدخول إلى الضفة أو القبول بشروط الاحتلال ذات الدلالات السياسية التي لا تخفى عن أي صاحب لب، وقرر العودة ليضع الاحتلال في موقف الحرج (الاحتلال يمنع تشومسكي من زيارة الضفة)، وقام بإعطاء محاضرته التي كانت مقررة في جامعة بيرزيت عبر الفيديو كونفرس.

الزيارة بحد ذاتها لم تكن الهدف، كما هو حال المطبعاتية الذين يزورون الأقصى تحت حماية الاحتلال، بل هي وسيلة من أجل دعم الشعب الفلسطيني، وعندما يضع المحتل شروطًا تفرغ الزيارة من مضمونها وتفشل أهدافها لا يعود لها أهمية.

زيارة تشومسكي إلى غزة:

وصل تشومسكي إلى غزة يوم الخميس الماضي، للمشاركة في المؤتمر الدولي حول اللغويات التطبيقية والأدب، لكنه وكعادته لم يترك المناسبة بدون إرسال رسائل سياسية الطابع، مؤكدًا على أن حصار غزة مسؤولية أمريكا (لأنه يعتبر أن أمريكا هي الراعي للكيان الصهيوني وهي التي تشجعه على هذه الأفعال)، لم يتكلم عن عباس ولا عن مصر، بل ركز على الأساس فالكيان الصهيوني بدون أمريكي هو لا شيء.

تشومسكي جاء لغزة ليعلن رفضه للحصار، وليؤكد على حق الشعب الفلسطيني بالتحرر، تشومسكي وعلى عكس الكثير من اليساريين لم يتحرج من زيارة غزة تحت حكم حماس، فالكثير من أصدقائه اليساريين القابعين في رام الله يعتبرون أن مساعدة غزة في ظل حكم حماس هو إثم وجريمة أكبر من دعم الاحتلال، تشومسكي يتميز بأنه واضح الرؤية، فالخلافات الفلسطينية الداخلية، واختلافه العقائدي مع حماس (وقد سبق أن انتقد حماس وخصوصًا عملياتها الاستشهادية) لا يعيقه عن أداء رسالته التي كرس حياته من أجلها (إدانة عنصرية الكيان الصهيوني وإدانة الهيمنة الأمريكية).

زيارة تشومسكي لغزة ورفضه زيارة الضفة بشروط الاحتلال، تعلمنا درسين هامين تغيب عنا في خضم الصراعات حول التفاصيل والقضايا الهامشية: قطاع غزة بالرغم من الحصار والتضييق هو أرض حرة يستطيع أهلها دعوة من يريدون بدون أن يكون للصهاينة الكلمة الأخيرة فيما الضفة ما زالت عزبة صهيونية يدخلون إليها من يشاؤون ويمنعون من يشاؤون حتى لو كان من أهلها.

ملاحظة على هامش المقال:

نلحظ انتقائية عالية لدى الصهاينة فهم منعوا مواطنًا أمريكيًا من دخول الضفة لأنه مزعج لهم، بالرغم من كل العلاقات القوية والعميقة مع الإدارة الأمريكية، كما أنهم تصرفوا مع تشومسكي باعتبار الضفة أرضًا محتلة لا تخضع للقانون الصهيوني الذي يتيح لأي أمريكي دخول دولة "إسرائيل، لكنهم عندما يبنون المستوطنات يعتبرون الضفة أرضًا "إسرائيلية خالصة"، وعندما يريدون حرمان الفلسطيني من أدنى حقوقه يعتبرون الضفة دولة محتلة، وعندما يريدون طرده من أرضه يتصرفون على أساس أنها أرض "إسرائيلية".

لاحظوا معي هذه الانتقائية بالتعامل، ولهم سوابق كثيرة، مثلما فعلوا مع قرار التقسيم وافقوا على الجزء الذي يقول بقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين، ورفضوا الجزء الذي يقول بقيام دولة عربية.

الآن قارنوا هذه الانتقائية في التعامل بتعاملنا نحن العرب مع القوانين والاتفاقيات، وسأعود لمناقشة الأمر في مقال مستقل بإذن الله.

ليست هناك تعليقات: