الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

نبوءة نتنياهو بزوال "إسرائيل"



تكلم نتنياهو في احتفال ديني بمناسبة "عيد العرش" عن مخاوفه من قدرة الكيان الصهيوني على الاستمرار، مستذكرًا مصير دولة "الحشمونئيم" اليهودية والتي دامت لمدة 80 عامًا تقريبًا، وقال "وجودنا ليس بديهيًا" وأنه يجب العمل كي تجتاز "دولة إسرائيل حاجز المئة عام".

لماذا هذه المخاوف في وقت نرى أنظمة عربية ترتمي عند أقدام دولة الاحتلال لنيل رضى الصاينة؟ ولماذا تكلم عن دولة الحمشونائيم وليس دولة داود وسليمان (مثلًا)؟

خلفية تاريخية:

نشأت دولة الحشمونائيم عام 110 قبل الميلاد، كدولة يهودية بعد انهيار الدولة السلوقية اليونانية التي كانت تحكم بلاد الشام.

لم تستمر هذه الدولة كثيرًا فجاء الرومان وضموا بلاد الشام إلى حكمهم، وأنهوا الدولة الحشمونائية وأنشؤوا شبه دولة تابعة لهم تحت حكم هيرودس الكبير (عام 37 قبل الميلاد).

وكان هيرودس يمثل تيارًا يهوديًا في ذلك الوقت يقبل الحكم الروماني، وكان يقابله تيارًا يهوديًا آخر رافضًا لحكم الرومان.

فاندلعت عدة ثورات يهودية ضد حكم الرومان، ابتدأت أولاها عام 66 م وتخللها هدم الهيكل عام 70م وانتهت بحصار قلعة متسادا (مسعدة) واقتحامها عام 73م.

وآخرها كانت ثورة باركوخبا والتي قمعها القائد الروماني هادريان ودمر مدينة القدس عام 135م.

الحركة الصهيونية وقلعة متسادا:

نلحظ أن التاريخ الذي تكلم عنه نتنياهو هو تاريخ صراع اليهود وكفاحهم ضد الدول العظمى (الرومان) من أجل الاستقلال.


وهكذا يرى الصهاينة أنفسهم اليوم، فهم يكافحون من أجل البقاء في وسط منطقة عربية إسلامية تعاديهم ولا تقبل بوجودهم.

ولقد اهتم الصهاينة بحصار قلعة متسادا اهتمامًا بالغًا، والمصدر التاريخي الوحيد لهذه الرواية هو المؤرخ "يوسفيوس فلافيوس"، وهو يهودي شارك في الثورة ضد الرومان، ثم وقع في الأسر وانضم لصف الرومان.

حيث كانت طائفة يهودية تدعى "السيكاري" اتخذت قلعة متسادا مقرًا لها خلال الثورة ضد الرومان، وهي طائفة متطرفة مارست الاغتيالات والقتل ضد الرومان وضد اليهود المتعاونين مع الرومان.

بعد أن احتل الرومان مدينة القدس ودمروا الهيكل عام 70م بدأوا يسيطرون على جميع المناطق المتمردة، ولم يبق في النهاية سوى قلعة متسادا، وبقي فيها حوالي 900 يهودي.

وحسب الرواية (الأسطورة) فقد جاءت قوة رومانية كبيرة لاقتحام القلعة، واستخدموا أسرى يهودًا ليعاونوهم في الهجوم، وعندما أيقن المحاصرون أن القلعة ستسقط، قرروا الانتحار حتى لا يقعوا في عار الأسر والعبودية، وبالفعل قتلوا أنفسهم ودخل الرومان القلعة فوجدوا الجميع صرعى.

اعتبر الصهاينة هذه القصة تعبيرًا عن الشرف العسكري، ويعتبر موقع قلعة متسادا اليوم قرب البحر الميت، مزارًا للصهاينة، وعندما يبدأ الصهاينة خدمتهم العسكرية يؤخذون إلى القلعة ليقسموا "بأن لا تسقط متسادا مرة أخرى".

العقيدة الأمنية الصهيونية:

ينظر الصهاينة إلى أنفسهم على أنهم أمة صغيرة، تناطح العالم أجمع لتثبت حقها في الوجود، وأن ما حصل في متسادا ممكن أن يتكرر لو لم يكونوا متيقظين دائمًا وأبدًا، وأن "هزيمتهم الأولى ستكون النهائية والقاضية" كما عبر عدد من قادتهم أكثر من مرة.

ولهذا اهتمت العقيدة الصهيونية بالجانب العسكري وإعداد المستوطنين ليكونوا مقاتلين ومحاربين، حتى عندما يكونون خارج الخدمة العسكرية.

ومن الناحية الثقافية اهتموا بالثورات اليهودية ضد الرومان وقادتها، ليكونوا قدوة وامتدادًا تاريخيًا لصهاينة اليوم؛ مثل ثورات المكابيين والحشمونئيم وباركوخبا.

رغم الدعم الغربي غير المحدود للصهاينة، إلا أنهم لا يأخذون ذلك على أنه أمر مضمون وأبدي، لذا يسعون للاعتماد على قدراتهم الذاتية.

كما يدركون أن التفوق العددي للعرب والمسلمين يعوض عن الفرق في التكنولوجيا بينهم وبين الصهاينة، لذا يسعون بشكل دائم لإشعال النزاعات في المناطق العربية من أجل إبعاد خطرهم عن الكيان الصهيوني.

وحرص قادة الصهاينة على الموازنة بين التيقظ والأمل، فيتكلمون دومًا عن الأخطار الوجودية التي تهدد دولتهم، وفي نفس الوقت يؤكدون على أن مشروعهم غير قابل للهزيمة، بفضل يقظتهم واستنفارهم الدائم.

العقيدة الأمنية عند اليمين الصهيوني:

وضع العقيدة الأمنية لدى اليمين الصهيوني، أو ما يعرف بالتيار التنقيحي، المفكر زئيف جابتونسكي في عشرينات القرن الماضي.

وتختلف هذه العقيدة عن التيار المركزي في الصهيونية في نقطتين أساسيتين:

الأولى، تعتبر أن كل العالم يعادي المشروع الصهيوني وأن الغرب عدو في صورة صديق، ولهذا حملت عصابتا الأرغون وشتيرن السلاح ضد البريطانيين ونفذوا اغتيالات أبرزها قتل وزير المستعمرات البريطاني اللورد موين.

الثانية، تؤمن بأنه لا مجال لاقناع العرب بقبول "دولة إسرائيل"، والحل الوحيد هو استمرار التفوق العسكري على العرب، وتوجيه الضربات للعرب كل ما ظنوا أنهم قادرين على محاربة الكيان الصهيوني.

ومن هنا يأتي كلام نتنياهو عن دولة الحمشونئيم، إيمانًا منه كشخص ينتمي لليمين الصهيوني، بأنه لا حل للكيان الصهيوني سوى الاستمرار بحمل السلاح ومحاربة العالم الذي يتآمرعلى "دولة إسرائيل".

الجديد في كلام نتنياهو أنه لم يحافظ على التوازن بين اليقظة والأمل، وربما هي زلة غير مقصودة، فالمعتاد في مثل هذه المواقف بعد الكلام عن الخطر الوجودي والداهم، يختمها بتأكيد على أن "دولة إسرائيل" ستبقى للأبد، لكنه تكلم عن خطر زوال الدولة وأن وجودها "ليس بديهيًا".

في الختام:

العقيدة الصهيونية هي عقيدة عسكرية، تؤمن بكفاح "الشعب اليهودي" من أجل دولته المزعومة، ولهذا اهتموا بالأحداث التاريخية التي تدعم هذه العقيدة.

والصهاينة يدركون أن مشروعهم رغم انتصاراتهم وتفوقهم المستمر منذ مئة عام، ما زال هشًا وقابلًا للهزيمة، رغم حرصهم على إبراز قوتهم وتفوقهم وتأكيدهم على بقاء دولتهم للأبد.


ونتنياهو يمثل الطبقة الحاكمة اليوم في الكيان الصهيوني، والتي تؤمن باستمرار الحرب والصراع مع العرب إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات: