الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

الرهان الكردي الفاشل على "إسرائيل"


خلال غمرة الاحتفالات الكردية بالاستفتاء على الاستقلال، رفعت أعلام الكيان الصهيوني في الكثير من التجمعات الاحتفالية.

وبعد أن كان الأكراد يشبهون أنفسهم بالشعب الفلسطيني ونضاله للحرية، فجأة وجدنا من بينهم من يشبهون أنفسهم بـ "إسرائيل"، واختلقوا علاقة تاريخية مزعومة بين "الشعبين الكردي واليهودي"، وتهافت القادة الصهاينة على إعلان دعمهم ومساندتهم للاستقلال الكردي.

لكن كل ذلك لم ينفع المحاولة الكردية للاستقلال، والتي بات واضحًا أنها كانت مناورة فاشلة لرئيس أقليم كردستان مسعود البرزاني، الذي أعاد جهود الأكراد للاستقلال سنوات عديدة إلى الوراء.

البرزاني ورط الأكراد في الاستفتاء الذي أراد منه أن يكون انجازًا له ولحزبه بما يعزز من مكانته الداخلية، وإن كان هنالك شبه اجماع كردي على مبدأ الاستقلال، إلا أن الاستفتاء وجه بالتشكيك من قبل خصوم البرزاني في البداية.

وكان هنالك معارضة للاستفتاء من قبل أحزاب مثل حزب التغيير والجماعة الإسلامية، لكنهم تراجعوا قبل التصويت بأيام قليلة حتى لا يقال أنهم ضد الاستقلال، فمعارضتهم لتوقيت وظروف الاستفتاء وليس مبدأ الاستقلال.


ونفس الشيء كان هنالك حملة "لا للاستفتاء" من نشطاء وشخصيات كردية واستمرت معارضتها حتى النهاية لكنها لم تستطع اقناع سوى قطاع محدود من المجتمع الكردي.

كان واضحًا أن فرص الاستقلال شبه معدومة، مع معارضة تركية وإيرانية وعراقية شديدة للاستفتاء، إلا أن البرزاني استمر في مشروعه، وسايرته باقي الأحزاب الكردية رغم اعتراض بعضها في البداية، نتيجة للمزايدات الداخلية والخوف من الاتهام بالتخلي عن حلم الاستقلال.

حاول الحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة البرزاني) مغازلة الصهاينة، ورفعت أعلام "إسرائيل" في مهرجانته، والعلاقة بين الحزب (الذي يمثل عشيرة البرزاني) مع الكيان الصهيوني قديمة تعود للستينات.

ويبدو أنه اعتقد أن الكيان الصهيوني سيضمن له الدعم الدولي اللازم للاستقلال، لكن مصالح تركيا وإيران والحكومة المركزية في العراق، كانت أقوى بكثير من أي دعم دولي محتمل، وتخاذل الصهاينة والأمريكان عن دعم الأكراد رغم الوعود السابقة.

فالصهاينة دعموا الاستقلال الكردي، ليس حبًا بالأكراد بل رغبة بتقسيم العراق، واستراتيجية الصهاينة هي تقسيم الدول العربية والإسلامية إلى دويلات متصارعة، ومخطئ من كان يظن بوجود مصالح مشتركة يمكن أن تجمعه مع الصهاينة.

فهم لا يرون في العرب والمسلمين الذين يمدون يدهم للصهاينة، إلا أدوات يستخدمونها ثم يلقونها بعد الانتهاء منها.

لم يكن لدى نتنياهو الكثير ليقدمه للأكراد سوى الدعم الإعلامي والوعود الفارغة، وعندما بدأ الحصار على المناطق الكردية من تركيا وإيران والحكومة العراقية، لم يستطع تقديم شيء وتخلى الصهاينة حتى عن الدعم الإعلامي للأكراد، حتى لا يقال أنهم يدعمون قضية خاسرة.

اليوم خسر الأكراد محافظة كركوك ومناطق في محافطات صلاح الدين وديالى كانوا يريدون ضمها لأقليمهم، وسيطروا عليها بعد الحرب على تنظيم داعش.

فقد وفر الاستفتاء الذريعة للحكومة العراقية لكي تستولي هذه المناطق، وتطرد البشمركة الكردية منها دون قتال.
وتقف اليوم الحكومة العراقية بشكل صلب تملي الشروط، وتسعى للسيطرة على المنافذ الحدودية بين كردستان وتركيا وإيران، وتقف حكومة أقليم كردستان عاجزة عن فعل أي شيء، بعد أن أغضبت تركيا وإيران.

يبدو أن الحفاظ على الحكم الذاتي في أقليم كردستان سيكون هدف القيادات الكردية في المرحلة القادمة، بعد أن كان لهم شبه دولة لا ينقصها إلا الاعتراف الرسمي، لكن الحسابات المتسرعة والمزايدات الداخلية دفعتهم للاستفتاء، الذي أدى لنكسة كردية.


ولم يزدهم الدعم الصهيوني إلا فقدان أي تعاطف عربي مع القضية الكردية، ولعل هذا درس لكل من يراهن على الصهاينة، فسقوطهم سيكون مدويًا، ربما لن يسقطوا بسرعة مثل ما حصل مع الأكراد، لكن سقوطهم سيكون مدويًا بشكل أكبر وسيبكون دمًا.

ليست هناك تعليقات: