الجمعة، 3 أكتوبر 2014

التحالف الدولي ضد داعش: الأسباب والأهداف وماذا يجب فعله




في البداية أود التأكيد على أنني لست ممن يؤمنون بنظريات المؤامرة بكافة اتجاهاتها، فلا الحرب اتفاق بين داعش وأمريكا لكي تعيد أمريكا احتلال المنطقة، ولا هي اتفاق بين أمريكا وإيران لتقسيم المنطقة بينهما، ولا هي حرب كونية ضد الإسلام والمسلمين، ولا هي تحالف دولي من أجل السلام والأمان والمحبة والوئام، فمن كان ينتظر القراءة تحت هكذا عناوين فلا يكمل.

الوضع في سوريا والعراق معقد جدًا وليس هنالك طرفين لكي ننحاز إلى أحدهما، وحتى خيار الحردانات (عدم اتخاذ موقف) غير مقبول لأن اتخاذ موقف المتفرج يعني أن ترى أحد أعدائك ينتصر على أعدائك الآخرين، وفي كل الأحوال ستكون خاسرًا.

هنالك أربعة أطراف رئيسية في المشهد "السوري – العراقي"، وتحت كل طرف رئيسي هنالك عدد كبير من الأطراف واللاعبين الفرعيين؛ هنالك الثوار في سوريا وفي العراق وهم في غالبيتهم من أهل السنة وقسم كبير منهم محسوب على التيار الإسلامي، وهنالك داعش، وهنالك إيران وحلفائها (بما فيه النظامين السوري والعراقي)، وهنالك أمريكا.
 
لكل طرف من هذه الأطراف أهداف ومصالح تتناقض بشكل جوهري مع الأطراف الأخرى، قد يكون هنالك التقاء مصلحي لحظي، لكن الأكيد أنه لا يوجد أي من هذه الأطراف يقبل التعايش مع الأطراف الأخرى في سوريا والعراق.

سأتكلم هنا من منظور ومصلحة القوى الثورية السورية والعراقية والتيار الإسلامي في الدول العربية بشكل عام، وسنحاول فهم أسباب هذه الحملة، ولماذا قرر أوباما إنشاء التحالف، وما الأهداف التي يسعى لتحقيقها.

ثم سنتكلم عن المطلوب فعله من الجماعات الثورية سواء في سوريا أو العراق، ومن التيار الإسلامي بشكل عام، ومنا نحن المتابعون من مؤيدي ومحبي التيار الإسلامي، حتى نتجنب ما يحاك ضدنا.

أسباب إنشاء التحالف الدولي الأمريكي ضد داعش:

النظرة الأمريكية والصهيونية تجاه المنطقة العربية، وبالأخص تجاه سوريا والعراق ولبنان وإيران، هي ترك القوى المختلفة تتصارع وتضعف بعضها البعض، وصولًا إلى تجزئة هذه الدول إلى كيانات أصغر؛ إما على شكل دولة مقسمة داخليًا ومتحدة شكليًا (مثل لبنان) أو الانفصال والتجزئة بشكل كامل.

ولهذا السبب لم تتدخل أمريكا في الثورة السورية أو الاضطهاد الطائفي في العراق ولا عندما تطور الأمر إلى ثورة في المناطق السنية العراقية، وحتى عندما ظهرت داعش كقوة رئيسية لم يكن لدى الأمريكان أي نية لمحاربتها، لأن الفلسفة الأمريكية كانت قائمة على تركهم يتصارعون حتى ينهكوا بعضهم البعض.

والذي حصل أن داعش استغلت الفراغ السياسي في المجتمعات السنية بالعراق وسوريا، وبخطابها القائم على العواطف وركوب الموجة الطائفية ودغدغة المشاعر والمزايدات التي لا تنتهي، استطاعت أن تؤسس لنفسها في هذه المناطق، وبدأت مشروعها الخاص وقامت بعملية تصفية وابتلاع لأقرانها من الجماعات الثورية السورية والعراقية، مستغلة عدم وضوح مشروع هذه الجماعات.

وصلت الأمور بتنظيم داعش أنه أصبح يهدد الحكومة المركزية العراقية وحكومة كردستان العراق وهما حليفان لأمريكا، وأصبح هنالك مخاوف لدى حلفاء أمريكا في المنطقة أن تتمدد داعش إلى خارج شمال سوريا والعراق وأن تهدد استقرار هذه الأنظمة مثل الأردن والسعودية.

وسواء كانت هذه مخاوف حقيقية أم مجرد هواجس إلا أن حلفاء أمريكا أخذوها على محمل الجد، وبدأوا باستجداء تدخلها لصالحهم، فأمريكا أرادت من ناحية طمأنة حلفائها واسنادهم، ومن الناحية الأخرى حرصت على استغلال الوضع من أجل ضرب التيار الإسلامي جميعه وعلى رأسه الإخوان المسلمين، وتمتين الثورة المضادة.

في العراق وسوريا لا يوجد حلفاء موثوقين لأمريكا سوى الحكومة العراقية وحكومة كردستان، وحتى الأكراد كانوا متعاطفين مع الثوار في المناطق السنية لولا حماقة داعش وإعلانها الحرب عليهم مما دفعهم للعودة إلى التحالف القديم مع الحكومة العربية.

أما في سوريا فرغم كل يشاع فلا حلفاء موثقين لأمريكا؛ فإما أن الجماعات الثورية تحمل توجهًا إسلاميًا وكلها مرفوضة من الإخوان المسلمين إلى السلفية الجهادية، أو أنها لا تحمل توجهًا فكريًا محددًا مثل جبهة جمال معروف، وأمريكا لن تقدم دعمًا للمجهول، وواضح أن هذه الجماعات تريد الاستفادة من الدعم الأمريكي دون توريط نفسها بالمخططات الأمريكية.

وأخيرًا هنالك جماعات وشخصيات علمانية أو موالية بما يكفي للغرب إلا أنه لا وزن لها في الميدان السوري، وبالأخص الميدان العسكري، فدعمها بالسلاح قد يعني انتهاؤه بيد جماعات أخرى كونها أضعف من أن تحافظ عليه.

لذا حرصت أمريكا في البداية أن تضرب داعش في العراق وأن تتركها في سوريا، لكن ظهرت معضلة وهي أن داعش تستخدم سوريا كقاعدة خلفية مما يضعف من تأثير الضربات الجوية في العراق.

كما تزايدت المخاوف من انهيار كل من المعارضة السورية والنظام أمام داعش وأن تبسط نفوذها على كامل سوريا، وإن كان هذا سيناريو مستبعد إلا أن حلفاء أمريكا لم يقبلوا المجازفة، وطلبوا استباق الأمور.

أهداف الحملة الدولية ضد داعش:

وعليه قررت أمريكا بناء تحالف واسع تحت مسمى محاربة خطر التطرف وتنظيم داعش، يهدف إلى طرد داعش من المناطق العراقية وإعادتها لسلطة الحكومة العراقية مع إدخال تعديلات بشكل الحكم من أجل إرضاء السنة، كما تهدف أيضًا إلى إضعاف داعش في سوريا بحيث لا تعود تهدد النظام العراقي أو غيره لكن بدون القضاء عليها إلا بعد إيجاد حليف موثوق وقوي لأمريكا داخل سوريا، وهذا غير متوفر حتى اللحظة.

وعلى عكس ما يردده البعض مستحضرين ما حصل في حرب العراق عام 2003م، فأمريكا لن تشارك بريًا في هذه الحملة، لأن هنالك من سيقوم بتنفيذ العمل البري وفقط يحتاج إلى إسناد جوي، فكل الكلام عن تدخل عسكري أمريكي بري لا أساس له من الصحة.

وهذا لا يعني أن أمريكا لا تريد السيطرة والهيمنة على المنطقة بل على العكس تمامًا تريد استخدام هذه الحملة من أجل إحكام قبضتها على الدول العربية بعد أن تراخت بعض الشيء عقب انطلاق الحراك الثوري العربي.

أمريكا تعمل على أكثر من مستوى:

الأول: القضاء على داعش في العراق والتمكين للحكومة العراقية وإبقائها تحت وصاية النصائح الأمريكية.

الثاني: إضعاف داعش في سوريا والسعي لإيجاد جماعات سورية قوية تقبل أن تكون جزء من المنظومة الأمريكية، وأن تكون قادرة بعد ذلك على طرد الجماعات الثورية المختلفة بالإضافة لداعش.

الثالث: فرض نظام حكم طائفي في العراق يشبه المعمول به في لبنان، وهو نظام كفيل بأن يشل الدولة ويشغل الطوائف بمناكفة بعضها البعض بدلًا من السعي لتقوية وتطوير الدولة ككل؛ أي شكل دولة ومضمون دويلات.

الرابع: التمهيد لتقسيم سوريا بعد استنزاف الشعب السوري بحرب أهلية طويلة، وإقناعه بأنه لا سبيل للاستمرار إلا بتقسيم سوريا إلى عدة دول (دويلات أو فيدراليات) طائفية.

الخامس: وسط هذه المنظومة المشغولة بصراعاتها الداخلية تكون أمريكا (وفي مرحلة لاحقة إسرائيل) هي الحكم بين المتصارعين، وهي الحضن الحنون لكل من يشعر بأن الآخرين ظلموه أو هددوه.

السادس: الدعم المعنوي والإسناد النفسي للأنظمة العربية الموالية لأمريكا وتحديدًا أنظمة الخليج والأردن، والتأكيد لهم ولاتباعهم أن أمريكا ستكون موجودة دائمًا من أجلهم.

السابع: العمل على إقصاء التيار الإسلامي (إخوان مسلمين وغيرهم) من خلال سحب التأييد الشعبي لهم، وذلك عبر حملات إعلامية مكثفة تحرص على ربط كل الإسلاميين بداعش كونه تنظيم يحمل سمعة سيئة، ولهذا نجد الصهاينة يكثرون من تشبيه حماس بداعش، ونرى الإعلام الخليجي والمخابراتي يحرص على اتهام أردوغان بدعم داعش.
والعمل هنا بطريقة خبيثة تستند على الحرب الإعلامية والنفسية، وخلق مشهد وكأن الحرب ضد داعش، هي ضد "المتطرفين الإسلاميين" بكافة أطيافهم، وأن هزيمة داعش في العراق وسوريا تعني انتهاء المشروع الإسلامي وفشله وانهياره.
حيث ستعمل على تنفير الناس من الإسلاميين بحجة أنهم من تسببوا بظهور داعش وجر العراق وسوريا وليبيا وغيرها إلى حروب أهلية، وستعمل أيضًا على تحطيم معنويات الإسلاميين من خلال إقناعهم بأن الحرب انتهت و"هزمتم يوم هزمت داعش".

فنرى هنا أن الأمريكان (وهذا ما قاله كيري وآخرون) يعملون على عدة مسارات: عسكرية وسياسية وإعلامية، وأن الأدوار التي سيلعبها حلفاؤهم مختلفة وشتى، والكثير لم يحدد دوره حتى الآن.

ما المطلوب فعله في مواجهة المخطط الأمريكي:

يجب أن نرفض الخيارات السطحية: إما ندعم داعش أو ندعم أمريكا أو نقف على الحياد، والحملة الأمريكية تستهدف الوجود الإسلامي والعربي كله، وهذا يطلب العمل على أكثر من مستوى:

الأول: الحرص على التمايز عن داعش وعن الحملة الأمريكية، والتأكيد للجماهير أن كليهما شر، وذلك حتى نحافظ على القيم التي ندعو لها (تطبيق الإسلام والتحرر من الاستعمار وتحرير الأراضي المحتلة ونيل الحرية في أوطاننا)، فكلا المشروعين الداعشي والأمريكي هو خطر على هذه القيم، ودعم أي طرف إعلاميًا يعني أننا نربط مصيرنا به وهذا انتحار.

الثاني: يجب على ثوار سوريا أن يستغلوا الفرصة من أجل رفع مستوى التنسيق فيما بينهم، لضرب داعش دون التنسيق مع الأمريكان لأن الأمريكان لن يفيدوهم بل سيضعوا عليهم قيود تمنعهم من القضاء على داعش.
استغلال ضعف داعش لإعادة بناء قوة الثوار والمعارضة هي فرصة لا تعوض وتفويتها جريمة لا تغتفر.

الثالث: يجب أن تحرص الجماعات الإسلامية وخاصة المحسوبة على السلفية الجهادية مثل النصرة وأحرار الشام على عدم السماع للنصائح المسمومة من منظري المواقع الاجتماعية والبروبغندا الداعشية والذين يحرضون على الجماعات غير الإسلامية مثل جبهة جمال معروف.
فهذه الجماعات بما فيها تلك التي أعلنت أمريكا عن استعدادها للتعاون معها، وعلى ما فيها من عيوب وأخطاء، إلا أنه يحسب لها أنها لم ترتمي بالمشروع الأمريكي حتى الآن، لكن هذا حال غير مضمون خاصة وأن أغلبها جماعات بلا خلفية عقائدية.
فاستعداء هذه الجماعات يعني إجبارها على الارتماء بالحضن الأمريكي ووقتها سيكون لسوريا صحواتها وبشمركتها التي تحارب الثوار السوريين وتقضي عليهم وتكون جسرًا لدخول مخطط تقسيم سوريا الأمريكي.

الرابع: يجب على ثوار العراق التمايز بشكل واضح عن داعش، لأنه حسب متابعتي فالعصبية المذهبية تدفع الكثير منهم للسكوت عن داعش بينما هي التي خربت ثورتهم مرتين: الأولى أعوام 2006م و2007م، والثانية عام 2014م.

الخامس: كما يجب على ثوار العراق أن يقرروا بالضبط ماذا يريدون؛ هل يريدون دولة فديرالية أم الانفصال أم مشاركة عادلة في الحكم؟ لأن عدم وضوح مشروعهم يقوي داعش من ناحية ويتيح للحكومة العراقية اختراقهم كما حصل من قبل.

السادس: يجب إبراز أوجه التبعية والاستعمار المقنع الذي تجلى في تدخل الدول العربية الحليفة لأمريكا من أجل ضرب داعش في سوريا، فيما سكتت عن جرائم النظام الأسدي، وسكتت أيضًا عن جرائم الاحتلال الصهيوني بل دعمته أيضًا.
يجب عدم السماح لها بمواصلة تآمرها على إرادة الشعوب العربية، وهنا تقع مهمة التيار الإسلامي في هذه الدول، والذي قد يهادن بعض فصائله النظام في بلده أو يحرص على عدم استفزازه، لأن المشروع الأمريكي قائم على استئصال التيار الإسلامي، والاستئصال لا يواجه إلا باستئصال.
لا توجد أي إمكانية للتعايش أو التفاهم مع الأنظمة التي تشكل محور الثورة المضادة، وهي نفسها الأنظمة التي تشكل العمود الفقري للتحالف الأمريكي، وهي لن تتوقف إلا بالقضاء نهائيًا على التيار الإسلامي بشكل تام.

ليست هناك تعليقات: