الخميس، 27 مارس 2014

إلى متى خيار السلمية في مصر؟




يتساءل الكثيرون عن جدوى الاستمرار بسلمية الثورة المصرية ضد النظام الانقلابي ودولة العسكر في الوقت الذي يثبت العسكر فيه أنهم غير معنيين بأي حل سلمي، ولعل آخر ما يثبت ذلك أحكام الإعدام التي صدرت بحق 529 من أعضاء الإخوان المسلمين.

بل يذهب البعض ليقول أن خيار السلمية كان خطأ منذ البداية وكان يجب مواجهة الانقلاب بالقوة المسلحة كونه لا يفهم إلا هذه اللغة، ولعل مشهد المظاهرات المتواصلة والإرباكات التي تصيب النظام الانقلابي دون أن تسقطه، تدفعنا جميعًا للتساؤل: كيف يمكن إسقاط الانقلاب؟ وكيف يمكن الاستفادة من الزخم المتزايد الرافض للانقلاب وترجمته إلى نتيجة نهائية تسقطه؟

مشروعية استخدام العنف:

تكاد الأدبيات السياسية والقانونية تجمع على أن الحكومة وأجهزة الدولة هي الجهة الوحيدة التي يحق لها استخدام القوة والعنف في أي مجتمع، وذلك حتى لا نتحول إلى شريعة الغاب، لكن ما حدث في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية يدفعنا للتفكير حول من يحق له استخدام القوة.

كان لدينا رئيس منتخب يفترض أنه رأس الدولة وهو الذي يمتلك حق القرار باستخدام القوة، لكن عمليًا فإن الجهات التي يفترض أن تنفذ الأوامر (الجيش والداخلية) رفضت ذلك وتمردت في نهاية المطاف ونظمت مسرحية ثورة 30 يونيو.

من نظموا الانقلاب لا يمثلون شخص أو جهة تطمح للحكم بقدر ما يمثلون أمرين: منظومة الفساد داخل الدولة المصرية، ومصالح أمريكا والاستعمار والكيان الصهيوني، وهذا الثالوث غير المقدس (منظومة الفساد، وأمريكا، والكيان الصهيوني) هو ما أنتج ما نراه اليوم في مصر.
 
إذن نحن أمام الحاكم الشرعي الذي يفترض أن السمع والطاعة توجهان إليه وقد خلعته عصابة تعمل لصالح مافيات الفساد والاستعمار وقد تحالفت مع قوى علمانية تعادي القيم الإسلامية السائدة في المجتمع المصري.

وبالتالي لا معنى للحكم القائل بأن الدولة هي التي تمتلك حق احتكار استخدام العنف، لأننا لسنا أمام دولة بل أمام عصابة ووكلاء لقوى احتلال أجنبية، ولعل هذا ما لمسه الشعب المصري طوال ستين عامًا من حكم العسكر، وتأكد بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

وهذا يجعل استخدام القوة والعنف من حيث المبدأ ضد الانقلاب والقائمين عليه أمرًا مشروعًا، وخاصة أنه يأتي تنفيذًا لأوامر الرئيس الشرعي في خطابه الأخير.

لماذا السلمية إذن؟

عندما نقول أن استخدام القوة لهزيمة الانقلاب هو أمر شرعي، فهذا لا يعني إباحته على الإطلاق، فاستخدام القوة أو العنف لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون هدفًا بحد ذاته، وإلا تحولنا إلى عصابات من القتلة والفوضويين.

استخدام القوة له هدف: تصحيح الخلل القائم وإعادة الأمور إلى نصابها؛ أي نظام حكم يختاره الشعب ويعزله الشعب، بآليات ديموقراطية يتعارف جميعنا عليها، وبالتالي فاستخدام القوة يجب أن يحتكم إلى أمرين: أن يكون قادرًا على تحقيق الهدف، وأن لا يوجه ضد الناس الأبرياء.

كلمة محمد بديع في رابعة قلبت الموازين على الأرض

ولو عدنا إلى يوم الجمعة التي تلت الانقلاب على مرسي، ووقوف المرشد محمد بديع في رابعة العدوية وكلمته الشهيرة "سلميتنا أقوى من الرصاص"، فيجب أن نتذكر أنه لم يكن في صف الشرعية وقتها إلا الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب الإسلامية مثل حزب الوسط والجماعة الإسلامية.

لم يكن الإخوان ولا الرئيس مرسي ولا حكومته يمتلكون قوات عسكرية ولا أسلحة ولا غير ذلك ليخوضوا حربًا ضد الانقلابيين، ولم يكن قسم كبير من الشارع المصري يقف إلى جانبهم، فكيف كانوا سيخوضون حربًا مسلحة أو مواجهة عنيفة مع الانقلابيين؟

وهنا أذكر بأن كافة التجارب التاريخية في منطقتنا ابتداءً من مواجهة الإخوان للنظام في سوريا عام 1982م، إلى تجربة الجماعة الإسلامية في مصر وفي ليبيا، وجبهة الإنقاذ في الجزائر، في سنوات التسعينات، كلها أثبتت أن حمل جماعة أو تنظيم السلاح لوحده في وجه النظام هي تجربة محكوم عليها بالفشل.

المجتمع سيتخلى عن أي تنظيم يحمل السلاح ويتركه يواجه مصيره لوحده أمام النظام، هكذا كانت تجربة التاريخ المعاصر بكل بساطة، وفي المقابل فإن حمل قطاعات شعبية واسعة للسلاح كما حصل في ثورتي ليبيا وسوريا هو ضمان لاستمرارية المواجهة ضد النظام وصولًا إلى إسقاطه.

لذا لم يكن من الحكمة في حينه أن يعلن الإخوان أو تعلن حكومة هشام قنديل الحرب على الانقلابيين الذين يملكون كل أسباب القوة وترسانة ضخمة من السلاح.

ما الذي استفدناه من السلمية؟

لو أردنا تقييمًا موضوعيًا للسلمية التي رفعها محمد بديع في رابعة فنرى أنها حققت أهدافًا غاية في الأهمية، فقد استقطبت قطاعات واسعة من الشعب المصري غير المؤطر لتأييد الشرعية، وأربك إصرار مؤيدو الشرعية على الاعتصام في رابعة والنزول إلى الشارع بعدها، أداء الانقلابيين دفعهم لارتكاب أخطاء فادحة، أصابت صفوفهم بانشقاقات متتالية.

استطاع أنصار الشرعية من خلال الإصرار على التظاهر السلمي والصمود في الميادين وقليلًا من العنف (للدفاع عن النفس) من شق صفوف الانقلابيين وتحييد قسم منهم ابتداءً من البرادعي وانتهاءً بحمدين صباحي الذي بتنا نرى خلافه مع السيسي يظهر للعلن، كما استطاعوا تنبيه كل من ظن أن الانقلاب سيكون فقط ضد الإخوان والتيار الإسلامي إلى أن الخطر يتهدد الكل، فرأينا تغيرًا في مواقف ما يسمى بالتيار الثالث (6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وغيرهم)، وأصبح تركيزهم ضد الانقلاب، وكذا الأمر بالنسبة لأبو الفتوح وغيره.

اليوم انحصرت قاعدة الانقلاب السياسية والشعبية في فلول نظام مبارك والدولة العميقة بالإضافة إلى قسم من جبهة الإنقاذ (شركاء الانقلاب السابقين)، إلا أن المعضلة الكبرى التي تواجه الثوار الآن هي أنه ضمن التحالف الانقلابي فإن الجهة الأكبر حجمًا والأهم وزنًا هي الدولة العميقة وأن باقي حلفائها وزنهم لا يذكر، ولهذا تخلص منهم السيسي تباعًا لكي ينفرد بالساحة.

والمعضلة الكبرى الأخرى التي يواجهها ثوار مصر هي كيف يترجمون فشل النظام القائم بإدارة الدولة والزخم الجماهيري الغاضب من الانقلاب إلى نتيجة ملموسة على أرض الواقع، وكيف سيتم الانتقال من دولة العسكر إلى دولة تمثل الشعب بشكل حقيقي؟

السلمية يجب أن يكون لها سقف وحدود

بالنسبة للعسكر والانقلابيين فمن الواضح أنه لا يهمهم الأثمان التي يدفعها الشعب المصري والاقتصاد المصري، وهم يراهنون على عامل الزمن وأن يتظاهر الناس لعدة أسابيع أو أشهر ثم يستقر الأمر لهم، وينتقموا من الجميع ونعود إلى عهد أسوأ من عهد عبد الناصر.
أحراق سيارة شرطة
وهم يتوهمون طوال الوقت أنها "قربت تخلص"، وبالتالي سيستمرون بالانتظار وربما يستخدموا مزيدًا من القمع ليسرعوا من الوصول إلى النهاية التي يريدون، وهذا يجعل خيار السلمية غير مجدٍ، لأن القائمين على أمر الانقلاب من الواضح أنهم لن يذهبوا مختارين، ولا يريدون ولا يقبلون أي حل وسط.

ونلاحظ أن المتظاهرين بالشوارع وبدون قرار من قيادتهم بدأوا يدركون عبثية الاستمرار بالسلمية للأبد، ونرى انتقالًا تدريجيًا لاستخدام العنف دفاعًا عن النفس بالدرجة الأولى سواء عبر إحراق مقرات الأمن أو سيارات الداخلية أو حتى أعمال تصفية وقتل لرجال أمن.

وهذا الانتقال للعنف سيقوض النظام الانقلابي لكن بشرط تواصله على مدى طويل، وربما يحتاج لزيادة في الحدة والقوة لأن بلادة الانقلابيين واعتقادهم بأنهم يستطيعون المضي قدمًا، يجبر الثوار على اتخاذ وسائل أكثر عنفًا وقوة.


ضوابط استخدام القوة

وحتى لا يأتي استخدام القوة بنتائج عكسية فيجب أن تنضبط بالآتي:

أولًا: الابتعاد قدر الإمكان عن ما يمكن أن يؤذي الأبرياء، وأخص بالذكر السيارات المفخخة التي يجب رفضها بشكل مطلق لأنها عشوائية القتل، وإصابة الأبرياء خطأ من ناحية مبدئية ومن ناحية تكتيكية، لأنك تريد خلخلة الانقلاب لا تأليب الرأي العام ضدك.

ثانيًا: عدم تبني العمليات المسلحة وأعمال التصفية بالتحديد لأنك: لا تعلم الأهداف الحقيقية لها (قد تكون مجرد مشاكل شخصية مثلًا)، ولا تعلم إن كان المقتول أصلًا يستحق القتل، ولأن تبنيها قد يؤدي لزعزعة الجبهة المعارضة  للانقلاب، خاصة وأنها أصبحت تضم قوى تتوجس من ذلك.

ثالثًا: كما أنه لا يجوز إدانة أعمال العنف ضد الدولة وأجهزتها الأمنية، لأن هذا يعطي مشروعية للانقلابيين ويضعف من موقفك كثوري وصاحب قضية (حتى لو لم تكن المنفذ)، ويجب اعتماد سياسة الغموض البناء "لست ضد ولا مع"، "ومن يتحمل مسؤولية ما يحصل من أحداث هو النظام الانقلابي".

رابعًا: عدم التساهل بالدماء بمن فيهم رجال الأمن والعسكر، فأنت لا تريد إبادتهم عن الوجود فهذا أمر غير عملي، وبنفس الوقت هنالك الكثير من العسكر ورجال الأمن يتعاطفون معك (وخاصة المجندين وصغار الضباط)، وتريدهم في صفك لا أن تؤلبهم من خلال استسهال قتل العسكر على نطاق واسع.

الأهداف يجب أن تكون منتقاة بعناية (وأدرك أن هذا صعب لكن سددوا وقاربوا): مثل إحراق سيارة أمن جاءت لقمع مظاهرة، أو قتل القاضي الذي حكم بالإعدام على 529، فهذه أهداف واضحة وقلة من الناس يمكن أن تعترض عليها (سوى الانقلابيين)، بينما هدف مثل شرطي مرور ينظم السير يجب الابتعاد عنه تمامًا.

خامسًا: يجب استهداف منظومة السيطرة والتحكم التابعة للداخلية، مقرات الأجهزة الأمنية وأبراج الاتصالات العسكرية وسيارات الداخلية، لأن أحد أسباب قوة الداخلية هي تنظيمها وعملها كجهاز موحد، واستهداف منظومة السيطرة والتحكم تفقدها هذه الميزة.

سادسًا: يجب على الإخوان وتحالف دعم الشرعية العمل على مد جسور تفاهم مع القوى المعارضة للانقلاب من خارج التحالف، من أجل التوصل إلى تصور لما هو مطلوب بعد إسقاط الانقلاب، حتى لا تقع مصر في حالة فوضى وتتحول إلى دولة فاشلة لا سمح الله.

إلى أين ممكن أن تسير تطورات الأحداث

من الممكن أن تسير مصر في أكثر من مسار، وأريد أن أحصر الكلام في المسارات التي تقود لانتصار الثورة لأنها ما يجب أن نعمل من أجلها.

هنالك مسار مشابه للثورة الإيرانية أي أن تنهار مؤسسات الدولة ويهرب كبار المسؤولين، ويحصل فراغ في الدولة يملؤه الثوار، ويقوموا بتنظيم انتخابات ودستور جديد، يستثني كل ما يمثل الدولة القديمة.

وهنالك مسار يتعنت فيه الانقلابيون ويتشبثون بمقاعدهم حتى النفس الأخير، وهذا مماثل لما حصل في سوريا وليبيا، وهنا يجب أن يحضر ثوار مصر أنفسهم ويهيؤوها لحمل السلاح والمحاربة بشكل علني، والعمل على تهيئة معارفهم وأقاربهم في الجيش والأمن من أجل الانشقاق، وهذا مسار محتمل ومن سيفرضه هم الانقلابيون فلا يملك ثوار مصر ترف أن يقولوا "لا نريد هذا الخيار".

وأخيرًا هنالك سيناريو أنه في لحظة من اللحظات يقرر قسم من الانقلابيين أنه لا يمكن المواصلة بالوضع الحالي، ويقررون أن يفتحوا حوارًا من أجل حل وسط حقيقي، وعندها يجب أن يكون مبادرات حسن نية من جانب الانقلاب قبل بدء أي حوار، وأن يكون هنالك خطوط حمراء لا يقبل تجاوزها وأولها هو تفكيك بنى الأجهزة الأمنية والقضاء وكبار مسؤولي الدولة تفكيكًا تامًا، وهذا المسار يشابه مسار الثورة اليمنية.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

من اكتر المقالات المنظمه انا بالفعل كان كل الكلام ده ف دماغي بس صراحة انته كتبته وبلورته كخطه جاهزه للتنفيذ ع ارض الواقع بس يارب الي ف التحالف يفهموا الكلام ده

ياسين عز الدين يقول...

شكرًا لك على مرورك أخي الكريم، وإن شاء الله أكون أفدت الإخوة في مصر.